استضافت قاعة ضيف الشرف، الخميس، ندوة: حوار مع الأدب والسياسة، مع الشاعر المغربي:محمد الأشعري، وأدار اللقاء الدكتور: جابر عصفور.
بدأ اللقاء بكلمة الدكتور: جابر عصفور، التي قدم فيها للحضور بشكل موجز الشاعر والروائي المغربي: محمد الأشعري، وأكد على أن محمد الأشعري، عاشق لمصر، وتربط بصداقة قوية مع العديد من الأدباء والمثقفين المصريين.
بدأ محمد الأشعري الندوة بقوله: بداية أحب أن أتوجه بالشكر للهيئة المصرية العامة للكتاب لتوجيه الدعوة لي للمشاركة في العيد الذهبي لمعرض الكتاب، والشكر موصول لأخي الدكتور: جابر عصفور، أحد أهم المثقفين المصريين والعرب، وقد كنت أحد من تأثروا بفكره عندما توليت وزارة الثقافة المغربية، فقد كانت تجربة دكتور عصفور في المجلس الأعلى للثقافة، هي النبراس وهى التوجه الذي أعتقد أنه يجب أن يُعمم في كل الدول العربية.
وتابع: أنا أنتمي لجيل السبعينات في النضال السياسي وفي الكتابة الأدبية والصحفية، والسبعينات لمن لا يعرفها نهر كبير يموج بالحركات الطلابية اليسارية، وكذلك حركة التجديد الثقافي من خلال الكتابة والفنون، ولقد كانت السبعينيات فترة عصيبة في تاريخ المغرب، ففي ظل القمع والسلطة الحديدية، ولدت الحركات الإبداعية في مختلف المجالات السينما والمسرح والأدب.
وقد صب كل هذا في مقاومة الوضع المُنهار سياسيًا واجتماعيًا، وجاءت بعد ذلك سنوات أكثر صعوبة، ولكن الإخلاص للمجال الثقافي هو أسبق من العمل السياسي المباشر، فاللهجة المباشرة في الشعر والقصة عادت من جديد إلى المنابع الأولى الطفولة واللغة والحلم، ومن هنا كان فترة الثمانينيات هى فترة النضج الحقيقي في مجال الشعر واللغة، وصدرت فيها عدد من الكتابات الابداعية الهامة.
ورغم وقوع المغرب تحت الشروط التعسفية لصندوق النقد الدولي، إلا أنه ظهرت حركة تطور كبيرة في مجال الكتابة الابداعية، ومع أول تحول سياسي ظهر في منتصف التسعينيات المشروع الأكثر حيوية في الجانبين السياسي والثقافي، وأصبح الشعار هو كيف نطوي صفحة الماضي؟، وبالفعل نجحنا في الانتقال من الوضع الاستبدادي إلى مناخ أكثر حرية.
وقد أتاح لنا قربنا من دول البحر المتوسط أن مصطلح الديموقراطية والحرية أصبح لا رجعة فيه، وبعد فترة اكتشفنا أن هذا المشروع لم يكن بالسهولة التي كنا نتصورها، وكما قال أحد المفكرين الفرنسيين لقد جنح اليسار ناحية اليمين وأصبح يستسهل الأمور، ونسى أنه هناك العيد من الأمور معقدة للغاية، وتحتاج إلى التريث، ومنها ما يتعلق بالديموقراطية والحرية.
فالحريات وموازنة السلطة في حاجة لتجهيزات معقدة، وقد مر مجتمعنا العربي بتلك التجربة القاسية عقب أحداث ثورات الربيع العربي، فعندما أتيح لنا حرية الاختيار، أدركنا مدى صعوبة الأمر.
وقد أردت أن أقدم لكم هذه الصورة ، لندرك ما نمر به، فتجاربنا الابداعية هي مقاومة لتحرير مساحات واسعة في اللغة، للتحرر من زائد اللغة وما انتابها من بثور، ونفس الشئ نقوم به في الرواية عندما نستجلي تفاصيل من الحياةاليومية والأحداث التاريخية والحياة الناس، وننسج به حياوات أخرى مختلفة للحياة التي نعيشها، إن ماننجزه في الأدب يجعلنا نحب الحياة البسيطة كما هى حتى في تعقدها وتشابكها، وهذا هو المخرج لنا من العقم السياسي الذي نعيشه.
وفي تعقيبه أشار الدكتور جابر عصفور إلى أن الأشعري بدأ شاعرًا وتحول بعدها للكتابة الروائية، وهذا يجعلني أسأله عن السبب وراء تركه للعر والتوجه لكتابة الرواية؟
وفي إجابته أوضح الأشعري، أن جابر عصفور هو أول من نبهنا إلى أننا نعيش زمن الرواية وتابع: في الحقيقة القصيدة تعني بلقطة والتركيز عليها لبناء الروح الشعرية، أما الرواية فهى على عكس ذلك، وأنا من أولئك الذين لا يؤمنون بالحدود الفاصلة بين أنواع الأدب. فالرواية يوجد بها أنواع كثيرة من الشعر، وما نقوم به من قولبة للشعر هو سجن، وقد حرصت في عملي الروائي على تجميع الأحداث، من الخيال والذاكرة المشتركة، وهذا يمنحني فرصة في التأمل وتعديد وجهات النظر وزوايا نظري للأشياء. وهى تفضي أيضًا إلى الشعر، وقد استفدت كثيرًا من خلال كتاباتي الروائية في تجربتي الشعرية، وظللت وفيًا لهواجسي اللغوية في كتاباتي.
وما يشفع للشاعر عندما يكتب الرواية، أن تكون الرواية مُستجيبة تمامًا لهواجس الكتابة الروائية، وبهذه الطريقة اقتحمت عالم الروائية، فمنذ بداياتي زاوجت بين كتابة الشعر والقصة، وأول ما نُشر لي هو أقصوصة، واتخذت الشعر بعد ذلك طريقًا للمقاومة، ثم عدت للهوى الأول القصة، ومكثت للأن على الرواية.
وردًا على أحد الأسئلة حول تجربة في السياسة والسجن، قال الأشعري: أنا ثائر مسالم أكره التطرف والإرهاب، وفوجئت عند دخولي للسجن، بعشرات المثقفين، وأعتقد أن الحكام الحالين يدركون جيدًا أننا كنا مسالمين، في ظل ما يحدث من حركات معارضة مسلحة.
وفي نهاية اللقاء ألقى محمد الأشعري مطلع قصيدته المشهورة: “لوعة الحجر”، التي يقول فيها:
الحَجر وحده
يعرف عبء الساعات التي تمر
دون أن تجعله يشك
أْو تُنْقذ شيئاً مِنً الأبدية.
هُناك في هذا المَشْهد البركاني
شيء يحتاج إلى تعديل بسيط
ليصبح للكلمات
شكل حمم يزحف على الخليقة.
والشيء لا يعرف أحَدٌ
ما إذا كان حجراً
لفظته النيران
أو شظية من كوكب قديم
والساعات تنصب بعقاربها فخاً للحجر
والحجر عصفور حذر لاَ يسقط في الفخ
ويَرَى الجبل يلفظ أحشاءه
ويراه أصغر منه
ربما يجرفُه في زفرة واحدة
ولكنه أصغر منه
وأبطأ كثيراً في فهم العالم
ولا يعرف عِبْءَ الساعات التي تمرّ
وتترك خلفها أحجاراً عَسَلية
كفواكه جافة
خرجت من أحشاء الصيف.
عن “مرايا الكتاب”