كتبت: ابتسام أبو الدهب
“السلام لا يعني غياب الصراعات، فالاختلافات ستستمر دائما في الوجود. السلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية عن طريق الحوار والتعليم والمعرفة والطرق الإنسانية”.. هكذا يقول الدالاي لاما تينزن غياتسو.
في بعض الأحيان يكون استخدام القوة والسلاح ضرورة ملحة لمواجهة الصراعات، ولكن الأكثر إلحاحا هو أن نواجه ونتحدى هذه الصراعات بالثقافة والحوار المجتمعي، وهذا هو النهج الذي تتبعه كل من مصر والسنغال في مواجهة الإرهاب.
أصبح الإرهاب، في السنوات الأخيرة، من المشكلات الخطيرة، التي تهدد أمن دول العالم، ولاسيما في أفريقيا، حيث تتخذ التنظيمات والحركات المسلحة الإرهابية من القارة فرصة كي تضرب جذورها الخبيثة، لكن العالم أدرك هذه السياسة سريعا، وأصبح يتعامل معها بذكاء.
وفي ضوء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، زادت فرصة التعاون والتنسيق المشترك مع دولة السنغال؛ لمحاربة التطرف في منطقة غرب أفريقيا، وذلك لارتباط البلدين بروابط قوية، سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو العلمي، وهذه الروابط استغلها الطرفان في مواجهة المشكلات التي تواجه القارة الأفريقية.
دور الأزهر الشريف
تلعب مشيخة الأزهر الشريف دورا مزدوجا في توثيق العلاقات بين مصر والسنغال، سواء على مستوى التعليم أو مواجهة التطرف والأفكار الإرهابية، ففي مجال التعليم يتم تقديم أكثر من 20 منحة سنويا لطلاب السنغال، واستقبال المئات منهم للدراسة في الكليات المختلفة بجامعة الأزهر، كما يتم تنظيم فعاليات وندوات للطلاب الأفارقة الوافدين عن التسامح وتقبل الآخر والمعايشة وغيرها من القيم، التي تساعد على ترسيخ فكرة الاعتدال عندهم.
وجدير بالذكر أن الأزهر الشريف أسس مدينة البعوث الإسلامية في القاهرة والإسكندرية لسكن وإعاشة الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر، بعدما زاد عددهم في السنوات الأخيرة، وهذا يتيح الفرصة للطلاب للاندماج الثقافي والتعرف أكثر على بعضهم البعض، الأمر الذي يجعلهم أكثر تقبلا وانفتاحا على اختلافات الغير.
ولم يتوقف الأمر عند المنح التعليمية المقدمة، بل أبدت مشيخة الأزهر عام 2018، استعدادها لتقديم مزيد من الدعم لطلاب السنغال من خلال فتح المجال للدراسة في الكليات العملية بجانب الكليات الشرعية، واستمرار استقبال الأئمة والوعاظ في برنامج متخصص لتدريبيهم على التعامل مع الأفكار الإرهابية وكيفية مواجهاتها.
بعثات الأزهر الدينية
كما تنتشر البعثات الدينية الأزهرية في عدد كبير من البلدان الأفريقية، وفي السنغال وحدها يتواجد أكثر من 35 مبعوثا أزهريا يتزايدون مع الوقت، وقوافل دعوية لمواجهة الأفكار المتطرفة، التي تروج لها الجماعات الإرهابية والمتشددة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عند الناس وتعليمهم كيف يدركون أن من أمامهم مخادع يبث سموم التطرف في أفكارهم.
دور المنظمة العالمية لخريجي الأزهر
وبالنظر إلى المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، نجد أنها قد خصصت عام 2019، لأفريقيا ومكافحة التطرف، ونشرت نتائج خطتها لهذا العام، حيث كثفت حملاتها الدعوية في مختلف الدول الأفريقية، وعلى الجانب الآخر قدم مجموعة من الأزهريين من السنغال طلبا لتأسيس فرع للمنظمة في دولتهم، وبالفعل أقيمت وهي الآن تحت التأسيس.
مؤتمرات مشتركة وتبادل زيارات
يقول الدالاي لاما تينزن غياتسو أيضا: “الأرض لا تحتاج المزيد من الناجحين، أرضنا في حاجة ماسة إلى صانعي السلام”.
عام 2014، أطلق الرئيس السنغالي ماكي سال، منتدى “داكار” الدولي حول السلم والأمن في أفريقيا، لبحث استراتيجيات الدول الأفريقية لمواجهة الجماعات المتطرفة. وتشارك مصر بالمنتدى بشكل سنوي، انطلاقا من دورها الكبير والرئيسي في مواجهة تحديات القارة، ولاسيما الإرهاب. وقد عقدت الدورة السادسة منه شهر نوفمبر الماضي.
وعلى الجانب الآخر، شارك “سال” بمنتدى السلام والتنمية المستدامة، الذي أقيم بمصر، منتصف شهر ديسمبر الماضي، واستغل الفرصة كي يبحث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي سبل تعميق التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيد الفكري والأمني وتبادل المعلومات.
واستكمالا لهذه المهمة، التي تقع على عاتق البلدين، تقدم دولة السنغال -ضيف شرف الدورة الـ51 لمعرض الكتاب- بالمشاركة مع وزارة الثقافة المصرية عددا كبيرا من الندوات وورش العمل والفعاليات الثقافية والتوعوية.
الكتاب ٥٠ +١