قبل نحو 100 عام، كان الاقتصاد المصري يمر بمرحلة عصيبة من تاريخه، وكان الأمر يسير نحو الأسوأ، عندما اقترحت الشركة المالكة لقناة السويس مد امتيازها لإدارة القناة 50 عاما أخرى. حينها طلب البرلمان من طلعت حرب، المحامي المرموق حينها، إعداد تقرير مفصل عن الأمر، للمساعدة في اتخاذ القرار المناسب.
كانت المهمة الموكلة إلى طلعت حرب حاسمة، ولم يكن الرجل بأقل منها، إذ أعد تقريرا قانونيا واقتصاديا في الوقت ذاته، أشبه بوثيقة تاريخية، كان سببا مباشرا في تصويت البرلمان على رفض اقتراح الشركة الأجنبية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا التقرير القانوني التفصيلي، بل بدأ طلعت حرب التخطيط لإنشاء أول بنك برأسمال مصري خالص، حيث طرح الفكرة في مؤتمر أعدّ له يوم 29 أبريل عام 1911، في حضور أعيان البلاد وكبارها، ليحظى الاقتراح بموافقة جماعية، ليبدأ التنفيذ فورا، عبر إرسال طلعت حرب إلى أوروبا لدراسة الفكرة، لكن نشوب الحرب العالمية الأولى في 1914 أدى لتأجيل الخطة، إلى ما بعد ثورة 1919.
يوم الثلاثاء 13 أبريل عام 1920، نشرت «الوقائع المصرية» مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تحت اسم «بنك مصر»، بعد اكتتاب 126 مصريا لإنشاء البنك، بمبلغ وصل إلى ثمانين ألف جنيه، بعشرين ألف سهم، سعر السهم الواحد أربعة جنيهات فقط، بمجلس إدارة مكون من 10 شخصيّات بارزة، بينهم طلعت حرب.
ونص عقد الشركة الابتدائي على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد، وأنه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو المصرف مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية.
في 10 مايو 1920 تم افتتاح البنك رسميا، وبدأت مرحلة تمصير الاقتصاد، حيث ساهم البنك في تأسيس مجموعة من الشركات المستقلة، ساهمت في تحريك الاقتصاد ودعمه.
وكعادتها الأحلام لا تقف عند حد، تطورت فكرة إنشاء البنك المصري، إلى الحلم بتخليص الاقتصاد المصري من قيود الاحتلال، وتدشين صناعة وطنيّة خالصة، فساهم البنك وطلعت حرب في إنشاء شركات متعددة المجالات، تحمل كلها اسم «مصر»، منها: مصر للطباعة، مصر لصناعة الورق، مصر لحلج القطن، مصر لصناعة السينما (ستديو مصر)، الشركة المصرية العقارية، بنك مصر الفرنسي، مصر للغزل والنسيج، مصر لمصايد الأسماك، مصر لغزل الحرير، مصر للكتان، مصر للطيران، ووصل عدد الشركات التي قام بنك مصر بإنشائها ما بين عام 1920 وحتى 1960 إلى 26 شركة، تمثل عصب الاقتصاد المصري، غالبيتها قائم حتى الآن.
اليوم، يصل عدد المشروعات التي يساهم فيها بنك مصر إلى أكثر من 220 مشروعا في مجالات عدة، منها 11 بنكا، 32 مشروعا صناعيا، 23 سياحيا، 27 سكنيا، 31 زراعيا وغذائيا، 27 ماليا، 24 خدميا، 16 في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و7 صناديق استثمار مباشر.
كما قام المصرف بإنشاء اثنين من أكبر صناديق الاستثمار في مصر، ووصل عدد فروع البنك لنحو 700 فرع داخل مصر، بخلاف فروعه الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، وفرنسا، وألمانيا، بالإضافة إلى روسيا والصين.
وللحياد، لم تكن فكرة إنشاء مصرف مصري حصرية لطلعت حرب، لكنها كانت حلما يراود الكثيرين منذ أيام محمد علي، والذي كان قد أمر قبل وفاته بإنشاء مصرف برأسمال قدره 700 ألف ريال، إلا أن المشروع انهار بعد أن أصاب والي مصر المرض، وبعد التواطؤ الدولي على حصار مصر وقتذاك، ثم عادت فكرة مصرف مصر إلى الحياة بعد أن دعا إليها أمين شميل، في مقال له في 26 أبريل 1879 في جريدة “التجارة”، واجتمع على إثر ذلك مع عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف، الذي نشب بين الجمعية الوطنية المصرية التي أنشأها الخديوي إسماعيل وبين الخديوي نفسه، والتي وقعت في أعقابه الثورة العرابية أعاق التنفيذ، ويحكي صديق عرابي الشهير “مستر بلنت” في مذكراته عن الثورة العرابية عن عزم عرابي إنشاء “مصرف تسليف” للفلاحين لو لا أن الاحتلال داهم الحكومة العرابية وقضى المشروع.
عادت فكرة مصرف مصر إلى الظهور عندما بدأ “عمر لطفي بك” عضو الحزب الوطني ووكيل كلية الحقوق في إلقاء محاضرات في نادي المدارس العليا ابتداء من اليوم الأول في نوفمبر 1908 عن نظام التعاون والتسليف في ألمانيا وإيطاليا، لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح إلا مع مجهودات طلعت حرب.
كانت المهمة الموكلة إلى طلعت حرب حاسمة، ولم يكن الرجل بأقل منها، إذ أعد تقريرا قانونيا واقتصاديا في الوقت ذاته، أشبه بوثيقة تاريخية، كان سببا مباشرا في تصويت البرلمان على رفض اقتراح الشركة الأجنبية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا التقرير القانوني التفصيلي، بل بدأ طلعت حرب التخطيط لإنشاء أول بنك برأسمال مصري خالص، حيث طرح الفكرة في مؤتمر أعدّ له يوم 29 أبريل عام 1911، في حضور أعيان البلاد وكبارها، ليحظى الاقتراح بموافقة جماعية، ليبدأ التنفيذ فورا، عبر إرسال طلعت حرب إلى أوروبا لدراسة الفكرة، لكن نشوب الحرب العالمية الأولى في 1914 أدى لتأجيل الخطة، إلى ما بعد ثورة 1919.
يوم الثلاثاء 13 أبريل عام 1920، نشرت «الوقائع المصرية» مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تحت اسم «بنك مصر»، بعد اكتتاب 126 مصريا لإنشاء البنك، بمبلغ وصل إلى ثمانين ألف جنيه، بعشرين ألف سهم، سعر السهم الواحد أربعة جنيهات فقط، بمجلس إدارة مكون من 10 شخصيّات بارزة، بينهم طلعت حرب.
ونص عقد الشركة الابتدائي على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد، وأنه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو المصرف مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية.
في 10 مايو 1920 تم افتتاح البنك رسميا، وبدأت مرحلة تمصير الاقتصاد، حيث ساهم البنك في تأسيس مجموعة من الشركات المستقلة، ساهمت في تحريك الاقتصاد ودعمه.
وكعادتها الأحلام لا تقف عند حد، تطورت فكرة إنشاء البنك المصري، إلى الحلم بتخليص الاقتصاد المصري من قيود الاحتلال، وتدشين صناعة وطنيّة خالصة، فساهم البنك وطلعت حرب في إنشاء شركات متعددة المجالات، تحمل كلها اسم «مصر»، منها: مصر للطباعة، مصر لصناعة الورق، مصر لحلج القطن، مصر لصناعة السينما (ستديو مصر)، الشركة المصرية العقارية، بنك مصر الفرنسي، مصر للغزل والنسيج، مصر لمصايد الأسماك، مصر لغزل الحرير، مصر للكتان، مصر للطيران، ووصل عدد الشركات التي قام بنك مصر بإنشائها ما بين عام 1920 وحتى 1960 إلى 26 شركة، تمثل عصب الاقتصاد المصري، غالبيتها قائم حتى الآن.
اليوم، يصل عدد المشروعات التي يساهم فيها بنك مصر إلى أكثر من 220 مشروعا في مجالات عدة، منها 11 بنكا، 32 مشروعا صناعيا، 23 سياحيا، 27 سكنيا، 31 زراعيا وغذائيا، 27 ماليا، 24 خدميا، 16 في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و7 صناديق استثمار مباشر.
كما قام المصرف بإنشاء اثنين من أكبر صناديق الاستثمار في مصر، ووصل عدد فروع البنك لنحو 700 فرع داخل مصر، بخلاف فروعه الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، وفرنسا، وألمانيا، بالإضافة إلى روسيا والصين.
وللحياد، لم تكن فكرة إنشاء مصرف مصري حصرية لطلعت حرب، لكنها كانت حلما يراود الكثيرين منذ أيام محمد علي، والذي كان قد أمر قبل وفاته بإنشاء مصرف برأسمال قدره 700 ألف ريال، إلا أن المشروع انهار بعد أن أصاب والي مصر المرض، وبعد التواطؤ الدولي على حصار مصر وقتذاك، ثم عادت فكرة مصرف مصر إلى الحياة بعد أن دعا إليها أمين شميل، في مقال له في 26 أبريل 1879 في جريدة “التجارة”، واجتمع على إثر ذلك مع عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف، الذي نشب بين الجمعية الوطنية المصرية التي أنشأها الخديوي إسماعيل وبين الخديوي نفسه، والتي وقعت في أعقابه الثورة العرابية أعاق التنفيذ، ويحكي صديق عرابي الشهير “مستر بلنت” في مذكراته عن الثورة العرابية عن عزم عرابي إنشاء “مصرف تسليف” للفلاحين لو لا أن الاحتلال داهم الحكومة العرابية وقضى المشروع.
عادت فكرة مصرف مصر إلى الظهور عندما بدأ “عمر لطفي بك” عضو الحزب الوطني ووكيل كلية الحقوق في إلقاء محاضرات في نادي المدارس العليا ابتداء من اليوم الأول في نوفمبر 1908 عن نظام التعاون والتسليف في ألمانيا وإيطاليا، لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح إلا مع مجهودات طلعت حرب.
كتب: محمود جاويش
الكتاب 50+1