أخبار عاجلة

«استراتيجية الاستعمار والتحرير».. جمال حمدان يستكشف دوافع الصراع العالمي

كتب: محمد عبد الرحمن

“الصراع الذى يعيشه عالم اليوم، هذا الذى يتمزق بين كتل العقائديات المتناقضة، وقوى التحرير الفوارة، ورواجع الماضى المتربصة، ما نمطه الإقليمي؟ إن كان هناك ثمة نمط، وما أصوله التاريخية؟ وهذه التطورات العميقة التى يشهدها توزيع القوى والأوزان السياسية بين الدول والكتل والقارات، وما هذه الانقلابات الكاملة فى الاستراتيجية الكوكبية فى ظل العصر النووي، هل هى تحولات أو تحويرات للماضى بدرجة ما، أم هى طفرات بكر تماما فى تاريخ البشرية، وإلى أين يتجه نمط توزيع القوى السياسية والاستراتيجية فى مستقبل سيخلو من الإمبراطورية واحتكار القوة والعلم”.

هكذا بدأ المفكر الكبير الراحل جمال حمدان مقدمة كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، الذى حاول من خلاله الإجابة على التساؤلات السابقة، ومحاولة لفهم صراع القوى العظمى فى العالم من واقع جغرافى تاريخي.

الكتاب يحمل بين طياته دراسة مستوفية لاستراتيجية الاستعمار والتحرير على مدار التاريخ وأبعاد الجغرافيا، حيث يتناول بالسرد والتحليل، الاستعمار والتحرير منذ العصور القديمة، مرورا بالعصور الوسطي، وحتى قرن الاستعمار (التاسع عشر) ثم ينتقل إلى عصر ثورات التحرير والانقلاب النووي.

يعتبر الكتاب مدخلاً متكاملاً إلى علم الجغرافيا السياسية، حيث يأخذك جمال حمدان فى رحلة معرفية استكشافية لقوانين الجغرافيا وسنن التاريخ منذ بداية التاريخ، يحاول من خلالها توضيح تاريخ الاستعمار على مر العصور، ويقدم من خلالها المؤلف رؤيته الخاصة على نظرية “ماكيندر” لفهم دوافع الاستعمار ومساراته، كما يعرض “حمدان” موجزا لحركات التحرر، التى داهمت بنيان الاستعمار، ودوافعها الداخلية والخارجية المواتية.

ويقدم الجزء الأخير من الكتاب تحليلا لاستراتيجية عدم الانحياز، ووضع العالم الثالث، ثم ينتقل إلى حلول “سياسية – اقتصادية – علمية” يحتاجها العالم الثالث حتى يدخل عصر التقدم، وفى النهاية يذهب الكتاب إلى دراسة أثر القوة النووية، وقدرة نظرية “ماكيندر” على ‏تفسير العالم بشكله المعاصر أو فشلها فى ذلك. ‏

وشرع حمدان فى عرض رؤية الجغرافى “ماكيندر”، الذى نظر للعالم القديم ككتلة قارية واحدة متصلة بما سماه (الجزيرة العالمية)، تضم أغلب سكان العالم، أما القارات الأخرى -العالم الجديد- فكأنها أقمار تدور فى فلك الجزيرة العالمية، والكل يقع فى المحيط العالمي، ويعتبر عدد من الباحثين أن نظرية “ماكيندر” هى المفسر  للصراع الذى دار فى منتصف القرن العشرين، ومعارك التحرر فى خمسينيات وستينيات القرن المنقضي، والحرب الباردة التى تنافست فيها الولايات المتحدة مع روسيا، ونجحت الأولى فى حسم معركتها حول قوى الارتكاز فى القلب الأفريقى والعربى لصالحها.