كتب: محمود جاوبش
يرى الكاتب والباحث العراقي المتخصص في علم وتاريخ الأديان، خزعل الماجدي، أن دور الإسلام السياسي في أحداث الربيع العربي كان “مخزيا”، وجاء عكس تطلعات الشباب، وأن العقل العربي الحديث ما زال يعيش في الحاضنة الدينية.
وفي حواره مع «الكتاب 50+1»، قال خزعل، إن محاولات تجديد الفكري الديني “إضاعة للوقت”، وإنه لا بد أن نترك الدين عفويا بسيطا في حياة الناس، لأن الإسلام لا يقبل بالوسيط بين الخالق والمخلوق.
- كيف ترى دور الإسلام السياسي، خاصة مع مرور المنطقة بتوترات كبيرة بعد ثورات الربيع العربي ؟
الإسلام السياسي كان دوره مخزيا في الربيع العربي، الذي بدأ بثورات شبابية متطلعة للتغيير، فركب الإسلام السياسي موجتها واستولى على هذه الثورات بعد أن نجحت، ثم قاد الناس نحو ظلام المعتقدات والأفكار البالية، وهكذا تصارعت الشعوب مع نفسها وتدمرت الدول والمؤسسات وظهر الإرهاب والتطرف وحلّ الخراب في منطقتنا العربية.
- ترتبط الأسطورة في بعض الأحيان بالأفكار الدينية.. إلى أي مدى ينطبق هذا على بنية العقل العربي الحديث؟
للأسف، العقل العربي الحديث ما زال يعيش في الحاضنة الدينية، فهو لم ينطلق من الأسس العلمية الجديدة في الفكر، ولم يؤسس جهازا نقديا متطورا ليفكك به سلطة العقل العربي الوسيط، أغلب أطروحاته كانت من داخل الدين نفسه، أي أنها أقرب إلى أفكار الإصلاح الديني، هناك القليل جدا من المحاولات الشجاعة والعلمية التي تصدت للماضي، وحاولت بناء أسس أولية للفكر العربي الحديث، لكنها قليلة وبطيئة وغير مكتملة.
وبناء على ذلك، فإن اهتمامي بالأسطورة وتحليلها يأتي في سياق تخصصيّ عميق لنزع الغطاء عن الأصول الأسطورية في الخطاب الديني، وتحوّلها إلى عقائد راسخة ومؤسسة فيه، وهو ما يساعد على عمليات البناء العلمي للفكر العربي الحديث، يأتي ذلك من خلال آليات ومناهج علمي الأديان والأساطير (الميثولوجي)، وهذه الآليات تضيء الطريق نحو فهم للأديان والأساطير، بعيدا عن العقائديين المتعصبين دينيا، وهو ما يفتح نافذة لحرية الفكر والعلم.
- الخطاب الثقافي، الذي يدعو لتجديد وتطوير الخطاب الديني، ما زال يلقى هجوما من المؤسسات الدينية.. ما تفسيرك؟
هذه المحاولات إضاعة للوقت في عصر يمر سريعا ويطالبنا بالإنجاز الحضاري، ليس من المعقول أن نقضي عقودا في الخطاب والإصلاح، علينا أن نترك الدين عفويا بسيطا في حياة الناس، ولنمنع سلطات رجال الدين من التدخل في حياة الناس، لأن الإسلام لا يقبل بالوسيط بين الخالق والمخلوق، وهذه ميزة عظيمة تُحسب له بين أديان العالم كلّها.
المؤسسة الدينية لا تريد أن تتخلى عن امتيازاتها الدنيوية، وهيمنتها على حياة ورقاب الناس، ولذلك تجدها رافضة لكل تجديد، لكن الزمن يمرّ وستجد نفسها يوما ما في عزلةٍ وسيهجرها الناس، لأنها لم تشجعهم على اللحاق بالشعوب المتحضرة.
- ما تقييمك للمشاريع الفكرية الكبرى التي تناولت العقل العربي وعلاقته بالدين، خاصة مشروع صادق جلال العظم ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري؟
مشاريع مهمة، رغم ما يشوب بعضها من أخطاء، أتمنى أن يستمر ظهور أجيالٍ جديدة من المفكرين العرب بعد هؤلاء المؤسسين، وأن تتاح حرية أكبر للحوار فيما خاف من طرحه هذا الجيل المؤسس، لا بد من ثورة فكرية جديدة تتبع مشروعهم، ثورة تتناسب مع الوعي الجديد للشعوب، الذي أحدثته ثورة تقنيات التواصل.
- ما أهم المشروعات الفكرية التي ترى أنها تركت أثرا في الشارع والحياة اليومية، لا النخبة؟
لم تُطرح بعد مشروعات كهذه، ما زال المستوى الفكري للناس بسيطا، ولا يتقبل الطرح العلمي الحقيقيّ بسهولة، نحتاج إلى ثورة ثقافية ترافق الثورة العلمية في النظر للأديان وتأريخها، ما يقلقني هو انخراط الأكاديميين في مشروع التضليل وتكريس المعالجات السلفية للدين، وأفرح كثيرا بتزايد عدد التنويريين، الذين لا يكذبون على الناس، بل يصارحونهم بالحقائق دون أن يجرّحوا الدين.
- كيف ترصد تأثير الحضارات القديمة على ترسيخ الأديان كمنطلق أخلاقي في العقل الشرقي؟
أغلب الحضارات الشرقية انتهت، ولم يعد لها وجود في حياتنا العملية، كالسومرية والمصرية والبابلية والكنعانية والفارسية، ولم يبق منها سوى الحضارتين الصينية والهندية، وهما في وضع الخمول والجمود، رغم جهود شعبيهما للتطلع في المساهمة في الحضارة الغربية، كما انتهت الحضارات الوسيطة كالمسيحية، واستبدلها أهلها بالحضارة الغربية، أما الحضارتان الوسيطتان (البوذية والإسلام) فهما في حالة عطل علمي وجمود عقائدي ولا تنتجان شيئا.
الأخلاق تنتجها عوامل كثيرة وليس الدين فقط، ولذلك أنا مع الفهم الشامل للأخلاق بمنظورها الحديث، وربما أنت تقصد الجانب الروحي للأديان، وهو ضروري فعلا، ويمكن للدين أن يساهم فيه بشرط أن لا يحتكره رجاله بنزعتهم الشمولية، لأن هناك منابع أخرى للروحانية كالأدب والفن واليوجا.
- متى يتحرر العقل العربي؟ وهل الفجوة الحضارية بيننا وبين الغرب تكمن في مساحة الحرية؟
يتحرر حين يسود العلم في تفاصيل حياتنا، البداية يجب أن تكون في ثورة جذرية داخل التعليم من الابتدائية وحتى الدكتوراه، وأن يكون التعليم إلزاميا، وأن ترقى مدارسنا وجامعاتنا إلى المستوى العالمي الرفيع، الذي نراه في العالم المتطور. هذا يحتاج صبرا لعقودٍ حتى نرى ثماره، وخلال ذلك يجب ربط التعليم بالعلم والعمل، ويجب إلغاء الأحزاب الدينية وإبعاد الناس عن الهوس بالعمل السياسي، والانصراف لبناء العقل والحياة. الحرية مطلوبة ولكنها يجب أن تخضع للقانون ولا تكون سائبة، والقانون يجب أن يكون بأيدٍ نزيهة، وهو الذي يراقب الدولة، ويعاقب الفساد والجريمة. الحرية وحدها لا تفعل شيئا وقد يستعملها المجتمع الجاهل في نشر الفوضى، وحينها يقول من يقول بأن ذلك حصل بسبب ترك الدين فيُرجعونا للمربع أو السجن الأول.