كتبت: رنا الجميعي
«كتّاب الأقاليم».. ربما يكون تصنيفا مضبوطا بحسب الجغرافيا، لكنّه غالبًا ما يُقال بنبرة لا تخلو من الانتباذ، وربما الدونية، والتهميش، لا لشيء غير بعدهم عن العاصمة.
دائما ما تثار الإشكاليات الثقافية بالتزامن مع معرض الكتاب، حيث سوق الإبداعات والإصدارات الجديدة على جميع المستويات، وعلى رأس تلك الإشكاليات تأتي أزمة كتاب الأقاليم، وكأن الجغرافيا حكمت عليهم بأن يبقوا في الظلّ.. لكن ما الحقيقة على أرض الواقع؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه.
قهر المسافات
قد تبدو الصورة السابقة قاتمة إلى حد كبير، لكن من خلال حديثنا مع شباب الأقاليم الشباب، وجدنا بصيص أمل، حيث قرر بعضهم قهر المسافات، تمردًا ودون اعتماد على أي شخص، غير مساعدة عالم الإنترنت المفتوح.
لعب الحظ دوره مع هبة خميس، الحاصلة على المركز الثاني لجائزة ساويرس الثقافية لـ2019، فقد كانت منتديات روايات مصرية للجيب هي منفذها على عالم الأدب، تعرّفت عبره على العديد من المبدعين الشباب مثلها.
ولم تشعر خميس بأنها بعيدة، كونها تعيش في الإسكندرية، “عندما كتبت أول قصة لي على المنتدى نالت إعجاب ناس كثيرة، وبدأوا التعامل معي بشكل جدي”، وكانت القصة الأولى لهبة محض تجربة، لم تحسب أنها ستُصنّف على أساسها ككاتبة.
وكانت لم تتخط بعد الثانية والعشرين عندما دعتها دار نشر للتعاون معهم في كتاب نشر جماعي لعدد من الشباب، كما تمكنت هبة من الانضمام للمجموعات الأدبية، وعن طريقها اشتركت في ورش أدبية، “ومنها تعرفت على ناس بقوا صحابي، وبقينا نشجع ونقيم أعمال بعض”.
طريق سارة طوبار كان مُشابهًا لطريق هبة خميس، في البداية كانت الكتابة عن طريق التدوين، ومن خلالها تطور أسلوبها: “التدوين في الأقاليم كان نافذة على عالم جديد، وأرى أناسا شبهي يدوبوا إحساس الغربة”.
وعلى عكس هبة التي تقطن الإسكندرية، كانت سارة تعيش في المنزلة، أحد مراكز الدقهلية، وتمكنت من تحدي المسافات، تُسافر إلى المنصورة وبورسعيد والقاهرة لتحضر اللقاءات الأدبية والثقافية، وكان كُل ذلك قبل انتشار فيسبوك كوسيلة أساسية في التواصل.
وعلى عكس هبة وسارة، لم يعش أحمد أبو دياب القادم من قنا تلك الفترة، فهو من مواليد 1994، حيث فتح عيناه على فيسبوك، ليجد العالم كله بين يديه، لكنّ ذلك لم يمنعه من رؤية الفرق بين كونك من العاصمة أو من خارجها: “المسألة يحكمها فكرة المعارف والأهواء الشخصية، عشان أقدر أنشر في مكان لازم أكون عارف حد”.
يحكي أبو دياب أنه حينما كان يُرسل قصصه للمجلات الثقافية دون سابق معرفة لم يتم النظر إليها، الأمر اختلف حين تواصل مُباشرة عن طريق أحد الأصدقاء، ومن ثم الحكم على العمل بحسب جودته.
كذلك في المشاركة للمسابقات الأدبية، أحيانًا يتم التعامل بنفس الهوى الشخصي، وهذا ما تعرّض له أبو دياب حين اشترك في إحدى المسابقات الأدبية، فبحسب حديثه “لم أفوز لنفس الأسباب”، المشار إليها رغم كونه مؤهلًا.
رغم الإتاحة، التي صارت في متناول الأيدي، إلا أن عملية الإبداع لا تقتصر على ذلك، بل تصل إلى إشكالية النشر والانتشار، وكانت تجارب الكُتاب الثلاثة لها خصوصيتها.
لم تتوقع هبة أن تكون الفائزة بالمركز الأول، للمسابقة الأدبية المركزية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011، في عهد وزير الثقافة عماد أبو غازي، بل لم تكن تعرف أنها تشارك في المسابقة من الأساس، حيث قدّمت إحدى صديقاتها مجموعتها القصصية الأولى “من نافذة تطل على الميدان” للمسابقة، دون علمها، وتقول هبة، “فجأة لقيتني وأنا بتسلم الجايزة، باخد مجموعتي مطبوعة”.
كذلك، كان الأمر مُشابهًا بالنسبة لأبو دياب، حيث نشرت دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة العام الماضي مجموعته القصصية “التقاط الغياب”، بعد فوزه بجائزة الشارقة للإبداع العربي في الدورة الثانية والعشرين.
بالنسبة لسارة، فقد أخذت خطوة النشر متأخرًا، وعن طريق النشر الإلكتروني لا الورقي، وهي كتابها “ذاكرة شرقية”، ولم تُرهق كثيرًا في نشر عملها الثاني “التفاحة لم تكن فاسدة”، بخلاف هبة التي ظلّت مجموعتها القصصية “زار” في دُرج إحدى دور النشر لمدة أربع سنوات، حتى نشرتها مع الهيئة العامة للكتاب.
ورغم تمرّد هؤلاء الشباب، إلا أن المسافات تظل عائقًا في بعض الأحيان، وتقول هبة، إن دور النشر الجيدة تقع في القاهرة “حتى لو فيه دور نشر كويسة في الدلتا وبحري بس معندهمش نفس الخبرة في النشر والتسويق زي اللي في القاهرة”، لذلك يلجأون للنشر مع دور في القاهرة، وفي حالة أبو دياب، فإن دور النشر تنعدم أساسًا في الصعيد، وكذلك تقل المنافذ الثقافية التي تُمكنه من الانتشار، “أي كاتب حلمه هو الانتشار”.
وحين سألنا الكتّاب عن رغبتهم في الانتقال للقاهرة، لم يُبد أحد منهم تلك الرغبة، حيث تستقر سارة في المنصورة، وتعيش هبة بين الإسكندرية والقاهرة، أما أبو دياب، الذي يسكن مركز نقادة بقنا، فقد قال “رغم معاناتي، لكن أنا حر أكثر في مكاني”.