نجيب محفوظ ذهب إلى الخلود.. الذي لا يعرف الموت : نزار قباني دخل مخدع النساء ونسي أن يخرج منه .
حاوره: عيسى الشيخ حسن :
الدكتور خالد محمد عبد الغني مولع بعلم النفس وبالأدب العربي بمختلف أنواعه واتجاهاته الفنية وهو ما أهله لإصدار كتاب قيم تحت عنوان “التحليل النفسي والأدب.. الملحمة والرواية والشعر” الذي صدر بالقاهرة في المدة الأخيرة. في هذا الحوار يتحدث الكاتب عن ولعه بتحليل الأدب من وجهة نظر علم النفس، وآرائه في بعض الروائيين والشعراء العرب انطلاقا من نظريات علم النفس. مع العلم أن الكتاب تتم ترجمته للعديد من اللغات حاليا منها الانجليزية والفرنسية وربما الكورية ايضا.
هل لك ان تكلمنا عن اهتمامك بالادب والعلم وكيف تمزج بينهما ؟
– كانت نشأتي في بيئة تحض على العلم والابداع الى أقصى درجة ولم أعرف في تربيتي إلا الاطلاع على ألوان الفنون والاداب والعلم والدين لدرجة أني قرأت كتب التفسير والحديث والسيرة النبوية جنبا الى جنب مع قراءة الرواية والشعر والقصة القصيرة والاستماع الى الموسيقى، ثم كتب الفلسفة الاسلامية واليونانية والحديثة، وكتب علم النفس، لدرجة ان عندي كتابا قديما منذ المرحلة الاعدادية مكتوب على جلدته اسمي ومزيل بلقب علمي رفيع هو استاذ الفلسفة بالجامعة المصرية والاغرب ان الذي كتب ذلك هو أبي ولست ادري هل هو الاستبصار منه أم ماذا ؟
وخلال رحلتي العلمية والادبية تعرفت على الكثير من العلماء والادباء وصارت لي صداقة وعلاقة حميمة معهم. هذا التكوين اتاح لي ان اتعرف على الفكر والفن والادب والدين من منابعها الاصلية وليست من القشور التي يتعرف عليها الشباب في وقتنا الحالي.
ولكنك تبدو شابا فكيف تحقق لك ذلك؟
– التحقت بكُتّاب القرية ولم اكمل الرابعة وتعلمت القرآن الكريم والكتابة والقراءة والرسم ودخلت المدرسة وانا اجيد كل ذلك ومن ثم لم تكن الدراسة بالنسبة لي شاقة ولم اشعر فيها بأي عناء، وكنت انظم حلقة دراسية للطلاب وكنا في الصف الخامس لأشرح لهم كتاب الاربعين النووية للامام النووي، وكتبت أول قصيدة – ليست قصيدة ولكن اهتمام بالشعر- وانا في الصف الخامس ايضا، ومنذ تلك الايام لا يراني الناس الا وانا اصطحب معي كتابا او أكثر حتى ان بيتي ما هو الا مكتبة وكلما ذهبت وأقمت في مكان امتلأ كتبا، وأذهب الى قسم التربية الخاصة حيث عملت في قطر هناك بقايا في الزوايا وعلى الارفف وعلى الجدران من الباب الى المكتب تصطدم بها كلما تحركت يمينا أو شمالا مئات الكتب به فقد كانت لهذا المكان ذكريات لن تغيض ولن يأت عليها النسيان أبدا. فلا يمضي يوم إلا وقد قرأت أو اشتريت كتابا أو استعرت ولعلك كتبت يوما في زاويتك اقواس عن الكتب المهداة أو المعارة – التي لم يردها احدنا وغالبا كنت تقصدني – بيننا وكم هي كثيرة، وعندما اقمت في بيتي بمصر رأيت بعضا مما أقول. وبهذا يكون عمري 37 عاما أربعة منها طفولة لا قراءة فيها والباقي اطلاع دائم لمدة 33 سنة تخيل معي لم أعرف ياسيدي ما يعرفه غالبية الاقران ولا الشباب هي تجربة علمية ادبية اتمنى ان تستمر ولعل من فوائد ذلك التكوين حصولي على درجة الدكتوراه في سن مبكرة منذ خمس سنوات خلت وانتاجي الادبي والشعري والعلمي المتنوع بل واشرافي على العديد من الطلاب والطالبات لدرجة الماجستير والدكتوراه بالجامعة المصرية وهذا كله من فضل الله وتوفيقه.
لندخل الى اجواء الكتاب هل تذكر لنا قصة تأليفه ؟
– يجب ان نشكر من لهم الفضل في تأليف هذا الكتب وهم أنت لأنك كنت دائما تحثني على ان أقوم بالقراءة النفسية للادب وكنت اتباطأ لا كسلا ولكن لأني كنت مشغولا بتقديم ابحاثي العلمية التجريبية في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة وعلم النفس الاكلينيكي بوجه عام وقدمت ما يقرب من 20 بحثا نوقشت في المؤتمرات المحلية والعربية ونشرت بالدوريات العربية وتصدر قريبا جدا في سلسلة مؤلفات بالقاهرة عددها أربعة وفي الطريق ثلاثة كتب اخرى سأصدرها في نهاية هذا العام. أشكر ايضا الفنانة القطرية القديرة سعاد السالم التي دعتني لعقد سلسلة من الندوات والورش حول الابداع والتحليل النفسي والرسوم وعرضت في تلك المحاضرات ملخصات أو أفكاراً كانت بمثابة الشرارة الاولى لبزوغ فكرة الكتاب
، ولقد قلت لها يومئذ
ان هذه المحاضرات سيكتب لها الخلود يوما. وهناك قارئ لي كان دائم المطالعة لكل ما أكتب وكان يشجعني كثيرا على الابداع والكتابة فهو صاحب فضل لا ينسى. واشكر الاستاذ عبد الله حمدان رئيس تحرير مجلة عمان الذي شجعني كثيرا بنشر كل المقالات في المجلة خلال العامين الماضي والحالي. ويبقى الاهداء الذي يحمل دلالة على الحرية والمعرفة والصداقة والحنين لمصر والوفاء لقطر والام والبنت والصديقة والمعلمة والتلميذة وكل ما هو مؤنث ولقد سبب لي كثيرا من التساؤلات في كثير من المحاضرات واللقاءات الادبية وغيرها، فالبعض يحاول أن يحده في شخص معين وهذا خطأ كبير فهو رمز لا شخص وهذا هو جمال الاهداء ورونقه. والدراسات التي يضمها هذا الكتاب تنتمي لتيار التحليل النفسي في دراسة الأدب فالدراسة الأولى حول الرمز والاستبصار بالذات والمصير والإسقاط الذاتي في ملحمة الحرافيش وبخاصة في القصة الأولى المسماة “عاشور الناجي” للأديب العالمي نجيب محفوظ، والدراسة الثانية لرواية أديب لعميد الأدب العربي طه حسين وفيها رؤية إكلينيكية وتحليلية عميقة للبناء النفسي لأعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا، والدراسة الثالثة اهتمت بقراءة الشعر باعتباره بديلاً عن السيرة الذاتية في ديوان أناشيد مبللة بالحزن للشاعر عيسى الشيخ حسن.
ü غريب جدا ان تثبت ان نجيب محفوظ هو نفسه عاشور الناجي فكيف تحقق لك ذلك التحليل ؟
– الاضافة في هذا البحث اني اعتبر هناك الرمز والاستبصار بالذات والمصير والإسقاط الذاتي في ملحمة الحرافيش وبخاصة في القصة الأولى المسماة “عاشور الناجي”، ولوحظ كم الاتفاق الكبير بين الأحداث المستقبلية التي استبصر بها نجيب محفوظ في شخصية عاشور الناجي والتي حدثت له شخصياً في المستقبل من حيث الزواج المتأخر والإنجاب لبنتين وجائزة نوبل والنجاة من الاغتيال والشهرة وأعمال الخير حتى طريقة الوفاة والخلود فيما بعد الموت. وكنموذج لما توصل اليه الكتاب نعرض لدالة الموت / الغياب/ النهاية : يرحل نجيب محفوظ عن الحياة في نهاية شهر اغسطس من عام 2006 ويا لها من أعجوبة إذ يختفي عاشور الناجي في ملحمة الحرافيش في الخريف. تقول فلة زوجته مخاطبة ابنها شمس الدين:” أبوك لم يرجع من سهرته !
فيرد ماذا حدث ؟
فقالت تتحدى هواجسها:
لعل النوم قد غلبه…
ومضى وهو يقول :” كيف يطيب السهر في فجر الخريف ؟ يفهم من هذا المقطع أن الزمان هو نهاية الصيف وبداية الخريف حيث الحر الشديد الذي لا يصلح معه السهر، ويفارقنا محفوظ في مثل هذا التوقيت تماماً لتكون الأعجوبة الأخيرة التي يصدمنا بها، وليتأكد ما ذهبنا إليه في هذه النظرة الأولى على الحرافيش التي رأى فيها مصيره ونهايته وخلوده إذ الخالدون لا يموتون أبداً.
أما المعنى الأعمق فهو أن نجيب محفوظ منذ سنوات وهو يعيش في الخريف حيث الذبول الجسمي وضعف السمع والبصر والقدرة على الحركة والإصابة التي تركت أثارها فيه، ومع ذلك فقد طاب له السهر في جو الخريف وكأنه يحس النهاية فيقرر ان يأخذ من الحياة أكثر مما تريد أن تعطيه إياه، وقدم بعض إبداعاته في تلك الفترة مثل أحلام فترة النقاهة التي كانت تنشر تباعاً في مجلة نصف الدنيا بالقاهرة.
أما ساحة الإبداع قبيل رحلة الوداع من المستشفى إلى مثواه الأخير
وما تركه من أثر في نفوس محبيه فهل قصدها حين كتب المقطع التالي من الحرافيش:
“عما قليل سيلقى أباه – يقصد الابن شمس الدين وعاشور الناجي – سيجده مستلقياً بلا غطاء واخترق القبو إلى الساحة.. سبقته عيناه وهو يتأهب لملحمة اللقاء.. ولكنه وجد المكان خالياً. جال ببصره فيما حوله في صمت وقهر. الساحة والتكية والسور العتيق ولا أثر لإنسان. في هذا الموضع يجلس العملاق – عاشور وأحسب الاستبصار يؤكد أنه نجيب محفوظ – عادة فأين ذهب ؟. الى الخلود.. الذي لا يعرف الموت….
أما الشاعر عيسى الشيخ حسن
فقد فاز عن ديوانه الأول أناشيد مبللة بالحزن بجائزة عبد الوهاب البياتي الشعرية عام 1998، ثم فاز بعد ذلك بجائزة الشارقة للإبداع الشعري عام 2002 عن ديوانه الثاني ياجبال أوبي معه. وفي القراءة الحالية سنعتمد على منهج تحليل المضمون للنصوص الشعرية في ديوان “أناشيد مبللة بالحزن” ومقارنته بما أتيح معرفته من السيرة الذاتية لحياة الشاعر من خلال مقابلات كثيرة معه، و من خلال تداعياته الطليقة Free Association في أثنائها. حيث أن شعره تدخل فيه “قصيدة العائلة” التي ترويها الذات الشاعرة في صميم القصيدة السيرذاتية، إذ تتمركز الذات الشاعرة حول أنويتها وتنفتح بالقدر ذاته على الماحول العائلي “الأب / الأم / الأخوة….” لتحكي سيرتها وسيرتهم، انطلاقا من رؤية واقعية مشحونة برؤيا تخييلية ترتفع إلى بناء قصيدة سيرذاتية لها / لهم. فيتجه الشاعر إلى هذا الفضاء بروح ذاتية شعرية سردية توّاقة إلى التفاصيل السيرذاتية “العائلية”، ويرسم صورا وحكايات تبلور مشهدا شعريا يخضع على نحو أساس لتجليات القصيدة السيرذاتية ومناخاتها المكتظّة بالعاطفة والانفعال معاً.
ومن النماذج التي توصل اليها الكتاب العلاقة بالأم فيذكر المؤلف أن من أول صفحات الديوان يطالعنا علاقة فريدة بالأم ؛ عن طريق الإهداء وكان على النحو التالي:
“إلى نشيد الإنسانية الخالد: أمي”.
وفي القصيدة الأولى بيان يقول:
” أمي حين تلامس حزني
وتفتش في روحي عن نكسه”.
وكأنّ أمه قادرة على معرفة ما يلم به من حزن، وتستطيع اكتشاف مصادر ألمه.
وكأنه يريد أن يؤكد وراثته للحزن من حزن أمه وربما توحّد لاشعورياً بها، ولعل ذلك لتأثره بالأم التي تتعذّب في رعاية الأبناء.
والتصوف و مصطلح “قصيدة الرؤيا” ينطبق على هذا الديوان المشبع بالحس الصوفي، وهي – بالتأكيد – رؤيا جوانية مشحونة ” بفعل ذلك بالحدس، وقوة الحلم، وطاقة الشعر: تلك الطاقة الفياضة الخالقة التي تتجاوز سطح المرئيات، وكياناتها الحسية، لتنغمرَ وإياها في عملية خلق بارعة شديدة الرهبة والجمال. والرؤيا هنا لا تعنى بالوصف الخارجي وإنما هي ” فعل اكتشاف وكشف للذات، فعل احتواء تعبيري للإنساني العام.
والتصوف في هذا الديوان
قصيدتين نقف عندهما لما لهما من دلالة على تجربة صوفية يبدو أن الشاعر قد عاشها يوما حيث يعبر عن أدق خصوصيات هذه التجربة ونذهب إلى أن تلك التجربة الصوفية قد مهد لها في قلب الشاعر حالة عشق في صباه ولربما هيأت نفسه لتلقي تلك التجربة فكما هو معروف لدى المتصوفة قولهم أذهب واعشق واهجر آنئذ تستحق أن ترتدي خرقة التصوف. بالإضافة إلى أن الشاعر في اسم أبيه شبلي ما يوحي بذلك حيث إن شبلي كان صديق الحلاج وتابعه ويذكر انه لما مات الحلاج ذهب إلى قبره وانشد يقول : سرنا معا على الطريق صاحبين أنت سبقت.. تقت للرجوع ها أنت قد رجعت.. أعطيك بعض ما أعطيت… وألقى على قبره وردة.
ü هل لك من رؤية حول شخصية المرأة في شعر نزار قباني أو هو شخصيا ؟
– نزار قباني شاعر كبير وشهير ولكن المرأة في شعره ما هي إلا جسد يتغزل فيه ويستقي منه كل متعه ولقد برز لنا ان شخصيته مثبتة على المرحلة الفمية في مراحل النمو لديه ودليلنا على ذلك ان اول علاقة للطفل تكون مع الام في حالة الرضاعة والديوان الاول لنزار كان طفولة نهد وهو موضع الرضاعة عند الطفل وبعد ذلك يكتب قصائد كثيرة جدا عن الشفاه والقبلة وأحمر الشفاه وأمية الشفتين والشراب والكأس والخمر…. الخ فهو شاعر دخل مخدع النساء ونسي ان يخرج منه ولذلك فهو اما كان طفلاً افرط في اشباعه في مرحلة الرضاعة أو حرم منها فكان ذلك التثبيت على تلك المرحلة الفمية وهذا يفسر لنا بلاغته وحذقه للشعر والفصاحة وسيكون مع ذلك ميالا للشراب والمتع الفمية المختلفة التي برزت في كل قصائده عبر تاريخه الطويل