قليل من لازال يقرأ، وأقل منهم من يستمتع بما قرأ
تلك قاعدة راسخة لدى الناشرين جميعاً والكُتّاب والمؤلفين أيضاً، يحفظونها عن ظهر قلب، فلربما كانت دافعاً قوياً ومحرضاً على تقديم أعمال لا تبرح ذهن القارىء فور أن يغلق دفتي كتاب
أعمال تليق بموهبة أصحابها، لاسيما وهي تحتفظ ببريق العمل الأول لهم، وشهادة التعارف الأولي بينهم وبين القارىء
سامح مبروك أحد هؤلاء الكتاب الذين ولدوا نجوماً، وبدأوا مخضرمين من باكورة ما كتبوا، ذلك لسببين لا ثالث لهما، الأول: قوة العمل وما تحمله الرواية من قيمة وقوة جذب وإثارة، وثانيهما بالتأكيد: هو أسلوب الكاتب نفسه الذي بدا كالسهل الممتنع، حين بسّط المعقد، وفسر المبهم ، وفك الطلاسم، وأجبر جمهوراً من الشباب العشريني لم يكن يستهدفه أن يقرأ التاريخ ويدخل مخاضة الجدل الديني، وتلك مناطق ملغومة لم يعتد عليها كثير من القراء الشباب، ويتهيبها عدد ليس بقليل من الكتاب.
زرادو ستار .. نبي أهل النار الرواية الصادرة عن دار الحلم ، يدخل (مبروك) بطبعتها الثانية معرض القاهرة الدولي للكتاب المقام بأرض المعارض بالتجمع الخامس في الفترة من 30 يونيو حتى 15 يوليو من هذا العام، ليحوم حول الحمى بل أن يخوض الحمى ذاته، حين يتعرض لقضية إنكار وجود الله، والتأرجح بين الإيمان به والكفر، على أوتار قصة الصراع الأزلي بين الخير والشر ، أو بين الله والشيطان، في براح الكون الفسيح أو أطراف (إيريانا فيجا) وما حولها!!
من هو زرادوستار النبي الحر الذي خاض غمار معركة لا طاقة له بها وحده، لكنها بمدد من السماء وفتح يجبر كسره قد تختلف النتائج كثيراً؟!
ما علامات أهريمان الموجود لا محالة، والثابت تأثيره عبر الزمان وسطوته على جباه وأنوف ونواصي العالمين، حين استخفهم فأطاعوه، متسلسلين لايملكون فكاكاً؟!
كيف تمكن الروائي سامح مبروك من التعرض لقضايا الإلحاد والإيمان والكفر، ماراً ومتصدياً لواحدة من أصعب وأعقد الديانات من حيث جمع المعلومات والقراءة وهي الديانة الزرادشتية، وكذلك نزر من العقيدة الكونفوشيوسية والبوذية والهندوسية.
حين تنتقل بين صفحات وسطور الرواية ستظن أن كتابتها استغرقت سنوات طوال من الكاتب الذي أكد في إحدى اللقاءات معه في معرض الشارقة الدولي للكتاب، أن الرواية لم تتجاوز مدة متابتها ٩٠ يوماً، رغم كل هذا الزخم التاريخي غير المعقد، والطرح الفكري السلس لقضية مثل الوجود والعدم، وما أصعبها من قضية فكرية؟!
الاقتباس القرآني سمة رائعة من سمات الكاتب أجاد استخدامها، مدركاً ميزة موسيقي القرآن وآياته على وقع القارىء ومسامعه، حتى أن آخر حروف الرواية، كانت سؤالاً ماتعاً يعرف إجابته جيداً كل مؤمن وهو : لمن الملك اليوم؟!
ولعل السمة الأهم والداعمة لفكرة اختلاف هذه الرواية، عن كل ما قدم في ٢٠٢٠ عام الوباء والأزمات، أنها تستحق أن تصطف على أرفف كبريات المكتبات العربية والدينية والفلسفية بجانب أهم ما كتب من إنتاج ثقافي وفلسفي في مجال نقد الإلحاد، وترسيخ المبادى الفطرية العقلية، وتغليب البديهة ، ومنطق الرجحان، والعلة والمعلول وكل أطروحات الرد علي ملاحدة العصر بالمنطق والرياضيات والعقل.
هكذا استطاع سامح مبروك أن يقدم وجبة دسمة بأيسر طريقة لعقل القارىء، دون أن يجعله يبذل مجهوداً يذكر، فقط ليس عليه إلا أن تقع عيناه علي الصفحة رقم ٥ وهي كفيلة وحدها خلال ساعتي زمن أن تقوده مصحوباً بالمتعة إلى الصفحة رقم ٢٥٥
لا أنصح الناشرين العرب بقراءة هذه الرواية، لأنها ستثير حنقهم، وحفيظتهم: كيف لم تحز عقودهم وقوائمهم مثل هذه الرواية، وفازت بها دار الحلم.