أخبار عاجلة

إسكان النقابات

ميزت الدولة النقابات المهنية فى مشروعات الإسكان الاجتماعي بإعلان خاص فى أغسطس 2016 ، وسعى كثيرون من أرباب المهن المتأثرين بالإجراءات الاقتصادية الجديدة إليه، لامتلاك وحدة سكنية يعرفون مسبقا أنها ليست للاستثمار، كما يقول القانون.

وداخل عدة مدن أشهرها بإقليم القاهرة الكبرى مدينة أكتوبر بجهازيها ومدينة بدر ومدينة العبور، تم تخصيص الوحدات وجمع أعضاء النقابات المهنية فى بنايات موحدة، فى فرصة تاريخية للعيش بين متجانسين متقاربين علميا وفكريا، وبعد إتمام عمليات التعاقد والاستلام أكد واقع هذه المدن عدم حاجة كثيرين لهذه الوحدات وإضرارهم عمدا بحقوق غيرهم ممن يسكنون وحداتهم صراحة.

تارة تشهد الضبطية القضائية وقد حررت المئات من محاضر مخالفات البيع والإيجار لوحدات لأي مستوى اجتماعي على المشاع عبر سماسرة يحترفون “تلبيس” الجهلة بالقانون فى مواجهة بعضهم، فلا مقتنو الوحدات ملاك حقا لها قبل انتهاء سداد ثمنها بالكامل للبنوك، ولا مشتروها تعاملوا بأوراق قانونية معهم، وكذا المستأجر الذي لم يميز مستواه المنتفعون بوحداتهم من أعضاء النقابات المهنية فأتوا به ليدمر مرافقها ويتسبب بسلوكياته المغايرة فى فوضى لامحدودة.

سيفاجأ هؤلاء متى حضر بعضهم لاستلام وحدته بتغير التركيبة السكانية لقطاع النقابات المهنية بكل مدينة جديدة، ليفقد التميز الذي يتناسب ومكانته فى ظل قدرته المادية المتراجعة، بينما كانت فرص الاستثمار الحقيقية فى وحدة سكنية متاحة فى مشروعات القطاع الخاص وأولها “المستثمر الصغير”، بمقدمات وأقساط قريبة نسبيا عبر آليات تفاوض جماعي مع أصحابها ودون إلزام بتمويل عقاري وتعاقدات بنكية تستمر مدة سداد فوائدها لعقدين، بخلاف ميزة السكن فى كمبوندات وامتلاك حصة في الأرض.

من ناحية أخرى لم تفلح خدمات القطاع الخاص والحكومي فى الوصول سريعا إلى هذه المدن، ليس فقط بسبب خطط استثمارية وتنموية متأخرة، ولكن لأن أي استثمار وتنمية يناديهما الحضور الحقيقي للبشر على الأرض، هكذا نظرية أبسط سائق ميكروباص تطالبه بالذهاب بخط سيره إلى مشروع سكني أغلق منتفعوه وحداتهم واستمروا متفاعلين على صفحات التواصل يتناقلون شائعات السلبيات والفراغ وتحرك السلعوة وغياب المرافق والأمن، ولا أؤكد هنا على اكتمال كل شيء فى المجتمعات الناشئة بالضرورة.

لم يفهم كثيرون حقيقة دورهم كمنتفعين أو “مستثمرين” حسب وصفهم فى عقود قانونية، أن لهم الحق فى إنشاء إتحادات شاغلين لكل عقار، ومباشرة دورهم بشكل واضح من خلاله فى التفاوض مع رؤساء أجهزة المدن ومراقبتهم، وكذا مجالس أمناء هذه المدن وحق الترشح على مقاعدها أيضا، وقد فرطوا فى هذا كله واكتفوا بأكذوبة الاستثمار فى وحدات يحظر القانون عليهم بيعها أو تأجيرها، ويضع شروطا قاسية بعد مرور سبع سنوات لنقلها للغير يتجاهلها أو يجهلها هؤلاء ويكتفون بترديد شائعات السماسرة حولها.

تخيل أن كل إشغال حقيقي لوحدة سكنية منحتها الدولة لمحتاجي السكن الفعلي يمكن أن ينتج استثمارا جديدا فى تلك المجتمعات، فلا تغيب عنها مرافق وخدمات ولا تبخل عليها جهة بوسائل مواصلات، ولا تتكامل فيها طباع سكان بقدر الفرصة التى حصل عليها أعضاء النقابات المهنية فى إعلان خاص، أظن أن على الدولة حماية حقوق المنتفعين به عبر منع نقل ملكية الوحدات المخصصة به مستقبلا إلا داخل حدود أعضاء النقابات ذاتها.

أزيد فى عتابي على الأصدقاء والزملاء أعضاء النقابات المهنية الشركاء فى مشروعات الإسكان الاجتماعي، لما تشهده مدن مختلفة داخل قطاعاتهم الآن من فراغ لن يقتنع كثيرون معه بمباشرة جهات حكومية دورها فى تطبيق القانون، بإلغاء التخصيص واسترداد الوحدات المغلقة أو المباعة والمستأجرة، ولا أختتم عتابي بذكر أثر تصوراتهم لما يعانيه زملاؤهم من قاطني وحداتهم فعليا وقد استبشروا خيرا بجيرة مثقفين وخريجي جامعات، لا بجيرة مفروضة عليهم من مجهولي هوية.

فى مرات سابقة كانت كلماتنا موجهة لوزارة وأجهزة مدن ومسؤولين، رصدنا لهم أزماتها وتحدثنا عن مشكلات المشروعات وحقوقنا القانونية، لكننا سنبدو وكأننا ندافع عن غير متواجدين فعليا، ولنا على وجه الخصوص تجربة حية مع زملاء بالمهنة والنقابة، وإن تفاعل جادون مع الأمر وباشروا نداءاتهم ومفاوضاتهم مع المسؤولين ليغيروا الواقع على الأرض ويحققوا مصلحة عامة يتكاسل عن المشاركة فيها آخرون.

أحلام الفوضويين تتحدث داخل مشروعات الإسكان الاجتماعي بالمدن الجديدة عن الجور على القانون وفرض الأمر الواقع وتشويه المدن وتحويل الوحدات السكنية إلى محال ومخازن وتكسير الجدران والحوائط، وهو فعل تخريبي يدعمه غياب الوعي وغياب أرباب المصلحة الحقيقيين، ولتكن المصارحة بدورهم البداية لفعل شيء مختلف لحماية حقوق مشتركة دون تواكل، وحماية مجتمعات الجمال من العشوائية

المصدر صدى البلد