مع اتساع مساحة السماء بزرقتها ، وتوزع النجوم بأنساق متعددة، تبهرنا لحظة النظر نحوها، وكأننا أمام لوحة ربانية هائلة.. ووسط هذه الأحلام الملونة والبسيطة تظهر هنا وهناك مجموعة من غيوم سوداء تحاول أن تعكر صفو السماء.. ولكن مع تكرار النظر وحجب رؤية النجوم المتوزعة ، ينمو في دواخلنا انقباض القلب وضيق التنفس.
منذ بدء الخليقة، ونحن نعيش في مدارات الحياة بهدوئها وصخبها، تبرزعجائبية الأشياء، وتتعاظم ازدواجيات التباين بين الثقافات المتعددة ، من خلال التجاذبات التي تصل الى ذروة اشتدادها في الجانب الآخر.. ومن هنا تتسع نقطة الحبر في وعاء الماء، وتلونه بما تشاء..
قد تنمو في دواخل بعضنا بذرة فكرة الكراهية الواضحة بمجانيتها، كما تجدها تتجلى في رواية ( مقبرة براغ) لــ أمبرتو إيكو وتتشعب نوازعها لتصل الى تنمية هذا الكره واتساعه الى حدود غير معقولة تمتد الى زرع بذورها في النفس البشرية وتحويلها الى زمرة من قطاعي الطرق، هذه سياقات عامة لمكاشفة النفس بتماثلات مختلفة بغية الوصول الى حقيقة وجوهر الأمور. لقد ورثنا تركة قاسية من تناقضات تعيقنا للتقدم نحو الأمام ..تشدنا بقوة نحو إرث ثقافة لا تقبل النقد ولا تعترف بالرأي والرأي الآخر، تستمد هوسها من خرافة قديمة تشتغل على تعطيل قوة العقل وتسعى الى تقويض انسانيته بفعل الحواجز المصطنعة التي تربك الفكر وتشتت رؤاه.
ربما، يتبنى مروجو الأمراض المتراكمة تحجيم دور العقل، بفعل الازدواجيات التي تؤثر على الفعل الصحيح للثقافة، بوضعها الحواجز غير المرئية وبالتالي تحيط السلوك الشخصي بتشطير الحالة الإنسانية الى مساحات من أوبئة متخلفة.. لخلق حالة من التأزيم المبرمج لشل حركة الفعل الإنساني وتردم ملامح التنوع الثقافي الذي لابد من نموه، لكن آفات الثقافة تحاول تكريس هذه المصطلح وتحجيم دور ( التحول الثقافي ) على حد قولة رولاند انغلهارت .
حقا.. ومنذ أن فتحنا عيوننا على العالم بكرته الأرضية وبساطه الممتد وجغرافيته المعقدة هناك من يحاول ان يجعل التقزيم يستشري في المجتمع ، ربما بفعل أزماته التي يحاول تصديرها الى العالم الهادئ، أو أن يحاول قصر التنوع الملون الى أحادي اللون وربما يختار الأسود لأنه أقرب الى روحه وفكره، وتكريس التقاليد السيئة التي تعمل على زعزعة الطاقة الإيجابية لدى المجتمع وتغيير مناخاته الى مناخ صحراوي فقط، من خلال سعيه الدائم الى خلق احتدامات غير مقبولة لردم التعايش الجميل وتسخير النفوس المريضة والسلوكيات المنبوذة لزعزعة الروح النقية في وسطنا المثقف.
لو سعينا بكل شفافية الى تقشير الواقع المسكون بالترقب والقلق والتوالد المستمر، وزرع حقول المعرفة سمات النقاء والحروف البراقة بألوانها الزاهية.. ماذا سيحصل؟
بكل بداهة سنسعى الى استدعاء وتكريس مفهوم التنوع الثقافي الذي يقبل النقد دون خدوش شخصية، ويرمم المعرفة المثلومة بالضوء، وينبذ الكراهية التي وصلت بالبشر الى آفة الذبول والتباينات المقصودة في تعرية الحقائق بلغة مناسبة.. لماذا علينا أن نلمّع الحقائق بدهان براق ونداهن من يرتكب معصية الثقافة التي تنخر جسد الحياة.. علينا تقع مسؤولية تنقية العالم من شوائب ودرنات بالية ونؤكد فعلنا في تنشئة اجتماعية صحيحة تكسر الحواجز وتسعى الى تفعيل العقل الإنساني وتدعيمه، لتفعيل قيم الاستنتاج التي تنهل من المكتبة والمجتمع ما يعزز روح الاكتشاف والتطلع الى تحجيم دور الطارئين والنفوس المريضة ومنع ظاهرة تكرار الفعل السيء والسلوكيات المنبوذة.. وندعو الى مفهوم الجمال ودفن ما يؤثر الى نقاء الثقافة الحقة وزرع شجرة المعرفة التي ستلقي بظلالها على كل الناس المحبين للجمال.
هل بإمكاننا أن نزيح ركامات الماضي المعتمة بالرؤية الى سماء تزينها النجوم بعيدا عن كتلة الغيوم السوداء.. التي قد تعيق النظر وتضيق النفس؟!