كتب: أحمد ابو رية
تبيض النحاس
كان العجوز يسير مترنحا, بخطا بطيئة و مضطربة.,يجرجر قدمة مع كل خطوة ويتوقف ليستريح بعدها.,..حتى يحتمل جهد الخطوة القادمة، حاملارزمة ثقيلة من الجرائد تحت ابطة محاذرا وقوعها منة،يتصصب وجهة عرقا ،وخلفةاطفال القرية….مرددين صوت “ثغاء” الماعز وهم يشاكسونة، يتوقفون اذا توقف ويمشون اذا مشى
ومن وسط مشاكسيةوفجاة انطلق سؤال احدهم فى عقل العجوز كالصفعة.
-عندك كام سنة دلوقتى ياعم ابراهيم.؟؟!
.وليس من الممكن ان تكون اجابتة بمداعبتهم برسم العبوس على وجهةمصحوبا بصوت ثغاء الماعز.الممتدد من اعماق حنجرتة
-ماءءءءءءءء…..ماءءءءءء
وانما استحال السؤال الصفعة فى عقل العجوز الى رغبة قوية وملحة فى احصاء سنوات عمرة،وتزايد ضجيج الرغبة فى عقل العجوز.
حاول ان يهرب من تاثيرها ، باصطناع ضحكة امدت كاشفة خواء فمة من اى اسنان، وتدلى لسانة شبة الكامل خارج فمة، لتنتهى بمد اكمام جلبابة الى شفتية الغليظتين ،ليمسح بهما ما قد يكون سال من لعابة عليهما. ليجيب بكلماتة المتلعثمة غير المفهومة.
-انا…..عارف؟ بس انا عايش من زمن…….. من سنين كتيرة
ويكشف العجوز ذراعة.
للطفل لعلة يقرا اجابة سؤالة، فى سطور الوشم على ذراعة ويمضى الطفل متاففا فاحصا ذراع العجوز محاولا ان يقرا سطور الوشم التى تحولت الى طلاسم بعد ان
تداخلت الحروف بفعل انكماشات جلد العجوز. تداخلات تستحيل معها قراءة ماهو مدون.
وكانما.سقط العجوز فى بئر سحيق فهو لا يعرف عن نفسة اكثر من تلك السطور الثلاثة.المحفورة وشما على ذراعة.
فجلس مستسلما تماما لاحصاء سنوات عمرة.
فذات يوم بعيد ….بعيد جدا يتذكر انة ترك بيتهم فى احد شوارع مدينة “اشمون” ولكنةلم يترك يد ابية التى تقبض على كفة الصغير رغم ثقل” البؤجه” على كتف الاب حتى اذا جاءا تلك القرية. واستقرا بها وبدأ فى تعلم صنعة ابية “تبيض النحاس” .
ويتذكر كيف كان يرقب ابية الذى ينثر اوانى النحاس فى لهيب شمس الظهيرة ويجلس فى ظل الشجرة عاقدا يدية حول ساقية محدقا فى غموض الى تلك الاوانى النحاسية المبعثرة ثم يقوم من وقت لاخر يتحسسها اناء بعد الاخر ويعود الى جلستة وفى احدى مرات استطلاعة لها يخلع جلبابة ويلقى به تحت الشجرة ويبدا عملة فى تبيض نحاسها تحت حرارة الشمس الحارقة…..
ويتذكر باسما فرحة الاب وهو يرقبة منتظرا نتيجة تجربتة الاولى للتخلص من اعتماد على حرارة الشمس فى تسخين الاوانى.بعد ان اقترح ابراهيم الطفل تسخين حفنتين من الرمال على “الوابور” والقاهما ساخنتين فى الطشت النحاسي الواسع ثم القى فوق الرمال الملتهبة قطعة الخيش وقفز بقدمية الصغريتين فوق الخيش ويبدا جسدة الصغيرفى الدوران نصف دائرة فى اتجاة ونصفها الاخر فى عكس الاتجاة. ويدخل ابراهيم الطفل فى الايقاع الراقص رويدا رويدا فيغيب عن ما حولة كانة مخدرا فلا يشعر بلهيب الخيش ولا الرمال المتقدة وتعلو روحة فى حضرة رقصة المغزلي المتزايد راصدا بعينية انكشاف طبقة الصدا تحت قدمية عن لون النحاس البرتقالى المائل الى الحمرة
وكلما يزيد البريق كلما زاد ايقاع الرقص.فيزيد الاب حفنتين من الرمال الساخنة تحت قدمى ابراهيم الطفل مبتسما لنجاح تجربتةابنة التى يعنى نجاحها انة من الممكن ان ينتقلا للعمل فى ظل شجرة النبق العتيقةالتى تظلل محيط مقام “سيدى عبود” باكمله بعيدا عن لهيب الشمس..
وهكذا مرت السنون على ابرهيم طفلا منتشيا برقصة المغزلى داخل اوانى الريفيات….. فشابا….. فكهلا… حتى استبدلت النساء اوانى النحاس بغيره من المعادن فتوقف ابراهيم عن عشقة للنحاس والرقص داخل اوانية بل و فرض علية استغناءهن عن النحاس…. استبدال مهنة الاباء والاجداد بمهنة اخرى.
ذبح الأضاحي
و هكذا كان على ابراهيم ان يختار مهنة اخرى يمتهنها بعد ان امتهن الصبر وهو فى ذلك غير مجبر فهو كهل بلا زوجة ولا اولاد اذن فليختر لنفسة ما شاء. واصبحت مشاهدة ابراهيم بعد صلاة عيد الاضحى من كل عام يتدلى من خاصرتة سكينة المسنون وهو يمر على الاعيان بالتناوب يذيح لهم اضاحيهم مقابل اخذ الفراء فان ذادة صاحب الاضحية نصيبا من لحمها كان ذلك فضلا منة يدفع ابراهيم الى مداعبة احفادة من الاطفال باداء مشهدا تمثليا يضعة فية ابراهيم الفراء على ظهرةو يمشي على اربع وهو يقلد صوت ثغاء الماعز.
-م…..اءءءءء ماءءءءء.
وظل ابراهيم هكذا فى اعيادهم الا ان جاء يوم لم تقوى اعصاب يدة على الامساك بالسكين ولم يقوى جسدة على ارغام الكبش المكبل على المثول للذبح. فسقط ارضا وسقطت من يدية السكين وسقطت معها هيبة ابراهيم امام الاعيان واضحياتهم.
قطار الصحافة
ليظهر بعدها ابراهيم العجوز الذى يقف على رصيف محطة القطار مربطا يدية خلف ظهرة ليوارى اتساع جلبابة الذى منحة لة احد اصحاب الفضل من زبائينة. وناظرا الى اتجاة القطار القادم من القاهرة والذى كان يحلو لة ان يسمية قطار الصحافة وما ان يبدا القطار فى الدخول الى المحطة الا ويبتعد العجوز فى خطوات مضطربة الى الخلف تاركا مساحة فى اول الرصيف لرزمة الجرائد المربوطة بالدبارة وهى تطير من نافذة القطار لتستقر على نفس المسافة التى توقعها العجوز المنتظر. وظل هكذا يقطع الطريق الى محطة القطار كل صباح ويعود حاملا الصحف الى من ادمن قراءتها من المتقاعدين او اصحاب المحال قتلا للوقت بين سطورها… وهم الذين يجزلون لة العطاء لقاء ذلك الكد والمثابرة وليس مقابل ثمن نسخة الجريدة.
وهو الان غير قادرا على الوقوف ولا السير ولا حتى الكلام سقطت من يدة الصحف وهو يقاوم سقوطة ويقاوم انسكاب سنوات عمرة من ذاكرتة وسط صراخات الاطفال وتدافعهم حولة وتجمعت النساء وتفحصت احداهن دفقات قلبة ثم وقفت لتغطى جسد ابراهيم باوراق الصحف التى لم يحتمل حملها.حيا…..مرددة ربنا يارحمك يا ابراهيم.