فؤاد المهندس فى ذكراه《15》
•••
«كلمتين وبس»..ويبقى النفاق ما بقيت الحياة!
•••
«أبكى مين.. ولاّ مين..
ولاّ مين؟
إللى قتل.. ولاّ انقتل
ولاّ اللى مش ع البال
أبكى نفسى ولاّ مين
أنا اللى لسه مطبوعة صورتى،
على الوش الحزين»
بعد 82 عامًا عاشها الفنان فؤاد المهندس (1924- 2006) مات حزينًا، وهو الذى كاد أن يُسقط حيطان البيوت فوق رءوس ساكنيها (التعبير للزميل حسام عبدالبصير) من كثرة، وعفوية، وعبقرية الضحك الذى كان يسقيهُ لنا كل مساءً، وكأنه جرعة دواء ليلية – أو نهارية – نتجرعها لنداوى بها جراحنا، وآلامنا، وأحزاننا من قسوة الحياة حتى أن الرئيس جمال عبدالناصر- حسب تصريح سابق للراحلة شويكار- قد طلب منهما الاستمرار فى تقديم الأعمال الكوميدية الضاحكة حتى يخرج الشعب من أحزانه التى طالت السماء، وأيامه الكئيبة السوداء التى حلت به بعد هزيمة 67!
ورغم ذلك مات فؤاد المهندس – أحد صانع البهجة فى حياة المصريين والعرب – مهمومًا، ومأزومًا، ومسجونًا وراء قضبان زنزانتين لا ثالث لهما. الأولى زنزانة التمثيل التى سجن فيها وجدانه، وعقله، وفكره، وحلمه خلف أبوابه وقضبانه من شدة حبه وتعلقه به منذ طفولته المبكرة فى مدرسة العباسية الابتدائية، ومدرسة فاروق الأول الثانوية وحتى المرحلة الجامعية. أما الزنزانة الثانية فكانت عبارة عن وجه مريح لفتاة اسمها شويكار شكرى طوب الصقال (اسم الشهرة شويكار) – زوجته الثانية بعد ذلك – الذى عشقه حتى الثمالة، منذ أن رآه عام 1963 أثناء التحضير لمسرحية السكرتير الفنى. هذا الوجه جعله يُضحى بعش الزوجية المستقر مع زوجته الأولى السيدة عفت سرور أم أولاده محمد وأحمد من أجل عيونها- أى عيون شويكار – ودلالها، وجمالها، وشقاوتها، وحلاوتها، وصوتها الأنثوى الدافئ الساحر!
مات فؤاد المهندس بعدما لخص لنا مأساتنا وحياتنا فى «كلمتين.. وبس» – هذا اسم برنامجه الإذاعى الشهير – عندما قال صارخًا وناصحًا شريكه فى (أرض النفاق) عويجة أفندى قائلًا: «اسمع يا عويجة أفندى.. القانون اللى يقول إنك تصرف 400 جنيه علشان تَحصل 44 مليم.. ده يبقى قانون حمار»! حمار.. يا عويجة أفندى!
•••
«سعيد يعنىHappy
يا سيدى.. يا مصطفى
العدل م الدنيا اختفى
وأنا مش سعيد
أنا مش Happy»
(حى الزمالك- 2006)
«الحمار هنا.. هل هو عويجة أفندى أم القانون»؟ هكذا باغتنى الفنان حسن مصطفى الذى لعب دور عويجة فى الفيلم عندما التقيت به (بالصدفة) أمام العقار رقم (7) شارع محمد مظهر عندما تصادف وجودنا معًا صباح يوم حار جدًا من شهر يوليو عام 2006 بعدما نجحت إدارة الدفاع المدنى برئاسة اللواء محمد نصير بالدفع بخمس سيارات إطفاء لإنقاذ فيلا الفنان فؤاد المهندس (الدور السابع والثامن بنفس العقار) بعدما نشبت بها النار لتدمر محتوياتها بالكامل، بما فيها سرير الخديو إسماعيل الذى كان قد اشتراه من مزاد علنى بألف جنيه عام 1960، لينام عليه (الفنان) بعدما غرُبت وغابت شمس (أفندينا).
الحريق- بعد مرور أسبوعين- تسبب فى تصدع أجزاء كبيرة من الشقة التى بها غرفة نومه، مما أدى إلى سقوط سقفها، لينجو بأعجوبة، وينتقل بمساعدة الجيران إلى شقة ابنه محمد فى نفس العقار.
•••
(شارع محمد مظهر- بعد مرور 5 دقائق)
«رد يا أستاذ».. هكذا كرر الفنان حسن مصطفى سؤاله لىّ وهو يبتسم فى سخرية قائلًا: «من الحمار فيهما.. القانون أم عويجة أفندى»؟ قلت: والله يا أستاذ حسن الأفضل نسأل عويجة أفندى ذات نفسه! ابتسم وهو يتجه نحو سيارته فى الشارع قبل أن يقول: «عمومًا الأستاذ فؤاد بخير وأنا لسه نازل من عنده.. ابقى أكتب كده فى صحيفتك، وضمئن جمهوره عليه»! ثم تركنى أمام باب العمارة، وتحرك بخطوات سريعة وسط زحام أعداد غفيرة من الناس (أغلبهم مواطنون عاديون جاءوا لمؤازرة نجمهم المفضل الذى كان يسعدهم بالضحك والصدق معًا) حتى أن قوات الشرطة تدخلت أكثر من مرة لإبعادهم حتى تتمكن النيابة العامة من معاينة موقع الحادث الذى نشب بسبب ماس كهربائى فى ذلك الحين! بعد هذا الحادث لم يعش فؤاد المهندس، إلا شهورًا قليلة زاد عليه فيها المرض، حيث كان يعانى من ضعف فى عضلة القلب، وتصلب فى الشرايين، وارتفاع مستمر فى ضغط الدم إلى أن مات فى مثل هذا اليوم ( 16 سبتمبر عام 2006 ) ودفن بمقابر الأسرة فى «تُرب الغفير» بمنطقة الجمالية وسط القاهرة.
•••
«إذا خسرنا الحرب، لا غرابة
لأننا ندخلها
بكل ما يملكه الشرقى من مواهب الخطابة
بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها
بمنطق الطبله والربابة»
(القاهرة 1968)
فى هذا العام أعادت السينما المصرية تقديم نسخة جديدة من رواية يوسف السباعى (أرض النفاق) بنفس الاسم بعدما قدمتها من قبل باسم (أخلاق للبيع) عام 1950 ولعب دور البطولة فى النسخة الأولى فاتن حمامة وقام بالتمثيل والإخراج محمود ذو الفقار. وفى النسخة الثانية- عام 1968- لعب البطولة فؤاد المهندس وشويكار وحسن مصطفى ومعهم سعد الدين وهبة الذى كتب السيناريو ـ وصُناع هذه النسخة من (أرض النفاق) أرادوا – فيما اعتقد – أن يقولوا للرئيس جمال عبدالناصر إن النفاق (خاصة نفاق السلطة) كان أحد أهم الأسباب الرئيسية التى جعلت العدو يجتاح الأراضى العربية صباح 5 يونيو 1967 فيما سمى وقتها بالنكسةـ حسب مصطلح أطلقه محمد حسنين هيكل- وواقع الأمر هى هزيمة مخزية، ومحزنة، ومألمة، وجرح دائر، وغائر، فى الجسد العربى، مازال ينزف دمًا حتى يومنا هذا!
•••
«كل يوم بيجى يجيب وياه مآسى
والبلاوى يصبها فوق أم رأسي
ابنى مجدى والزمن يهدم أساسي
وأما أغنى ينقلب نوح فوق لسانى»
(القاهرة 2012)
فى منتصف يوم ربيعى من ذلك العام كنت فى مدينة الإنتاج الإعلامى (حيث عملت عدة سنوات فى الفضائيات بعد فصلى من الصحيفة لأسباب ليس الآن مجال ذكرها) عندما لمحت الفنان حسن مصطفى يجلس على مقهى بالحى الشعبى بعدما انتهى من تصوير آخر مشاهده فى فيلم اسمه (جدو حبيبي) مع الراحل محمود ياسين. تقدمت منه وتحدثنا عن الأحداث الجارية فى مصر بعد 25 يناير، ثم تذكرت معه اللقاء الذى تم بيننا أمام منزل الراحل فؤاد المهندس عام 2006 فى الزمالك عندما ذهبت لتغطية واقعة الحريق للصحيفة، وذهب هو ليطمئن على زميله وصديقه وعشرة العمر. بعد دقائق أقنعته أن نعود بالزمن إلى عام 1968 عندما لعب دور عويجة أفندى وأن نذهب معًا إلى المقابر لزيارة الفنان فؤاد المهندس. بعد فترة من الصمت والتفكير.. هز رأسه قائلًا: «يله بينا.. الراجل ده وحشنى والله».. وهذا ما حدث بالفعل! حيث تحركنا من مدينة الإنتاج الإعلامى (تقع غرب القاهرة) بسيارة المحطة الفضائية التى كنت أعمل بها وقتها، واتجهنا عبر الطريق الدائرى، ومنه إلى المحور ثم اخترقنا وسط البلد ومنها إلى شارع صلاح سالم الذى وصلنا من خلاله إلى المقابر بعد 90 دقيقة تقريبًا.
•••
فردت إيدى اليمين
وبسطت إيدى الشمال
وقعدت أكلمهم
سَرح الخيال بينهم
الرعشة هزتنى
ونسيت.. أنا ابقى مين»
(ماسبيرو 1963 )
«فى مكتب بابا شارو (محمد محمود شعبان) إحدى أهم القامات والأصوات الإذاعية الكبيرة جلست أمامه- هكذا يتذكر فؤاد المهندس- ذات مساء مقبض ودار بيننا الحوار التالى:
– يا فؤاد.. أنت مش خلاص تزوجت شويكار (ونسيت تبقى مين) كما تقول!
ـ نعم.. يا أستاذ محمود.. هذه هى الحقيقة!
ـ طيب يا أخى.. طلق عفت بقي!
ـ عفت مراتى؟ أم الأولاد.. أطلقها إزاى.. دى روحى وما استغناش عنها أبدا!
ـ خلاص.. يبقى طلق شويكار؟
ـ وده معقول برضه؟
ـ يعنى إنت سعيد دلوقتى كده؟
ـ لأ!
ـ أمال إيه اللى رماك على المُر يا فؤاد؟!
ـ الأمر منه.. يا أستاذ.
هذا الحوار يا عويجة أفندى دار بينى وبين بابا شارو بعد زواجى مباشرة من شويكار. وكانت زوجتى الست الفاضلة عفت سرور تعمل معه فى التليفزيون فى قسم العلاقات الدولية وبمثابة ابنته. وهذا يدل على أننى كنت أحبها، وأقدرها وأعرف أنها تحملت صدمة زواجى بكل صبر وقوة من أجل الأولاد.. بعد سحابة صمت خيمت على المقابر رد عويجة أفندى: يا أستاذ فؤاد أنا لم آت هنا للحديث عن زواجك وغرامياتك وحياتك الشخصية الذى طرح هذا السؤال عليك هو الأخ (وأشار علىّ) الذى يقف معنا الآن!
ـ إذن ما الذى جاء بك يا عويجة أفندى لزيارتى فى المقابر؟ ثم استدرك قائلًا: «مصيبة لحسن تكون جاى وجايب معاك ملف الشنكل… فاكر دوسيه الشنكل يا عويجة أفندى» (قالها وهو يضحك)؟
ـ رد: طبعًا.. وأنت فاكر ماذا حدث يومها بالتأكيد. وأنا مازلت عند موقفى القديم، ولو عاد بى الزمن مرة أخرى، لكررت ما قمت به من تنفيذ القانون على المقاول الذى لم يركب (الشنكل) من أجل الصالح العام، ولن أتراجع عن حق الشركة وأموالها! والذى من أجله- كما تذكر- شكلت لجنة عامة، واللجنة العامة، شكلت لجنة فرعية، واللجنة الفرعية شكلت لجنة داخلية، وكل هذه اللجان من أجل (الشنكل)! ويومها كتبت 1000 مكاتبة رسمية حكومية موقعة من 6 موظفين، وكل خطاب استغرق من وقت العمل 3 ساعات ثم طلبت من الشئون القانونية تحريك دعوى أمام القضاء ضد المقاول الذى ركب (الشنكل) و«مسبتوش»! وطاردته فى كل مكان، هنا تدخلت فى الحديث قائلًا: «ولماذا كل هذا يا عويجه أفندى.. الموضوع بسيط»! رد مندهشًا: «بسيط إزاى؟ هذه أموال عامة وأمانة فى عنقى يا أستاذ.. والقانون هو القانون.. وأنا راجل أحترم القانون»، رد فؤاد المهندس: «لكن أظن الزمن تغير فى ظل التقدم الإدارى والتكنولوجيا الحديثة، والحكومات المميكنة، ولم يعد هناك مكان لمثل هذا الأعمال الروتينية والبيروقراطية العقيمة؟ بحلق عويجة أفندى ناحيتى ونظر يمينًا ويسارًا ولم يعلق ولو بكلمة إلى أن باغته فؤاد المهندس قائلًا: «ألم يتطور الوضع- عما كان عليه عام 1968- فى دولاب العمل الحكومى يا عويجة أفندى»؟ سكت ولم يرد! فى الوقت الذى قلت فيه: التغيير الذى حدث قليل، حيث ما زال أحفاد عويجة أفندى يعملون فى سراديب مؤسسات الدولة الحكومية ودواوينها الروتينية، ويرفضون التطور، والتحضر، والتقدم. ويعشقون الروتين المميت ويعطلون المراكب السيرة، لأنهم بذلك- الروتين – يحافظون على مواقعهم، ومناصبهم، وأرباحهم، وفسادهم وكل ذلك يأتى على كاهل المواطن وعلى ميزانية الدولة وتقدمها! ثم أكملت قائلًا: يا أستاذ فؤاد: ملف الشنكل مثلًا كان فى عام 1968، حيث كان الفساد له حدود، والسرقة لها شروط، والنصب أقل، والنفاق يُعد حالة على الهامش، وليس كما نراه الآن بعدما تحول إلى منهج وأسلوب حياة! وإذا زادت جرعة النفاق فى البلد، ارتفع معها معدل الفساد إلى أرقام خيالية، وطال العديد من المؤسسات الحكومية!
رد عويجة أفندى بسخرية: «وكيف ترى وضع الصحافة مع النفاق؟ قلت: فى كل زمن وكل عصر النفاق حاضر وبقوة فى الصحافة والثقافة والسياسة والإعلام بصورة مزعجة ولا أحد ينكر ذلك! زمان على سبيل المثال كان النفاق له ناسه المحترمة حتى فى نفاقها، لأنها كانت تفعله بمهارة، ودراسه، وعقل، وفهم، ووعى. أما اليوم فلقد تغير أسلوب النفاق كمنهج وطريقة وأسلوب وتدهور مستواه حتى أصبح مقززًا، ومنفرًا، ومزعجًا، ومتواضعًا وفى أقل مستوياته! زمان كان المنافق حتى ـ وهو ينافق- حريص على مصلحة غيره ومصلحة بلده! أما اليوم فلا يعرف المنافق إلا مصلحة نفسه فقط حتى على حساب بلده. هنا تكلم عويجة أفندى قائلًا: «هذه سياسة يا هذا وأنا لا اتحدث فى السياسة». رد فؤاد المهندس: «عندك حق يا عويجة أفندى.. أنا مثلك لا أحب الحديث فى السياسة، فمنذ طفولتى فى حوارى العباسية أوصانى والدى بالبعد عنها، لأنه كان يخاف علىّ من المظاهرات» قلت: والوطن يا أستاذ فؤاد؟: رد متحمسًا: «الوطنية شعور وانتماء أما السياسة فهى مهنة وأنا مهنتى الفن وليس السياسة» ثم أكمل قائلًا: «أما فيما يخص النفاق.. وهل تغير عن الأمس»؟ إليك ما كتبه يوسف السباعى فى راويته (أرض النفاق)، حيث قال: «إن الإنسان.. هو الإنسان.. غشاش ومخادع.. وكذاب، ومنافق.. فى كل أمة.. وفى كل جيل. لا تقولوا: رحم الله آباءنا وأجدادنا.. لأنهم كانوا خيرًا منا، وأفضل خلقًا..لا تقولوا ذلك.. فما كانوا يقلون عنا.. ردءة وسفالة»! رد عويجة أفندى بحماس وسعادة واضحة فى صوته: «فعلًا يا فنان.. هكذا كتب يوسف السباعى فى روايته وأنا موافقه فى ذلك» بعد فترة من الصمت قلت موجهًا كلامى للفنان فؤاد المهندس: «هل تسمح لى أسألك عن الحوار الذى دار بينك وبين الكاتب الراحل جليل البندارى بعد زواجك من شويكار؟ رد: اتفضل!
•••
«بشرب حزن فرحى
وارفض فرح حزنى
واشتاق لأن جرحى
فكرنى بكل شىء»
(القاهرة 1964)
بعد دقائق دار فيها حديث هامس بينه وبين عويجة أفندى رد فؤاد المهندس قائلًا: «بعد 10 أشهر من زواجى من شويكار وبالتحديد يوم 2 يوليو 1964 نشبت الخلافات بينى وبينها ثم تركتها وعدت إلى بيت العباسية للعيش مع الأولاد وتركت صديقى صلاح ذو الفقار يتولى إجراءات الطلاق بيننا وبالفعل حدث الطلاق الأول فى نفس اليوم. قلت: «ومتى كان الزواج؟ رد: «يوم 28 نوفمبر 1963 وكان الشهود عليه حسن الصيفى ومحمود الصيفى وأذكر أننا أيقظنا المأذون من النوم وقتها (قالها وهو يضحك)! وعندما عرفت زوجتى عفت قالت:
«ليه كده يا فؤاد؟ قلت: بصراحة أنا اتورطت.. وأنت عارفة يا عفت يا حببتى أنا ضعيف أمام الستات».
ـ ردت: والحل؟
ـ قلت: «اللى تشوفيه يا عفت»!
قالت: «لا يمكن أوافق على هذا الوضع.. طلقنى يا فؤاد»!
ـ قلت: لأ.. طبعًا.. مش هطلقك؟ لكنها ذهبت للمحكمة فى عام 1965 وطلبت الطلاق بالفعل وحكمت لها محكمة القاهرة للأحوال الشخصية بنفقة 150 جنيهًا»!
قلت: ومتى حدث الطلاق الثانى؟ رد: حدث فى 1975 وقتها كنت بالفعل قررت الزواج من فتاة من خارج الوسط الفنى كانت تعمل معيدة جامعية لكن اكتشفت أننى لا أستطيع الحياة بدون شويكار.. وعدنا مرة جديدة.. الحب وسنينه بقى! واستمرت حياتنا الزوجية والعملية حتى جاء عام 1980 الذى حدث فيه الطلاق الثالث والأخير.
•••
«ما الذى أفعل فى هذه المدينة؟
أفتح المذياع..
كالعادة فى كل الليالى
أم كلثوم.. تغنى:
«إنها قصة حبى»
وأغنى: «إنها قصة حزنى»
(المقابر بعد مرور 40 دقيقة )
بعد مرور هذا الوقت قلت: يا أستاذ فؤاد.. حضرتك حتى الآن لم تحدثنى عن اللقاء الذى دار بينك وبين الراحل جليل البندارى؟
ـ «اسمع يا سيدى؟ بعدما تزوجت شويكار حدثت بعض المتاعب الأسرية والخلافات الطبيعية التى تحدث بين الأزواج وكان البندارى صديقى فذهبت إليه أشكو له ما أنا فيه. يومها قال: «يا فؤاد.. كيف تبحث عن رواية جديدة وأنت الآن تعيش الرواية التى لن تستطيع أن تعثر على أجمل منها».
قلت بدهشة: رواية إيه يا أستاذ بنداري؟
رد وهو يضحك: «رواية الرجل الحائر بين زوجين وبيتين وضميرين» ثم يكمل المهندس: «والحقيقة كان البندارى معه كل الحق فلقد عشت هذه الفترة فى حيرة شديدة بسبب حبى لشويكار وفى نفس الوقت حبى لزوجتى الأولى والأولاد. قلت: لكن كيف تعرفت على شويكار»؟ رد: «النصيب.. ذات يوم اعتذر الفنان السيد بدير عن الاشتراك فى مسرحية السكرتير الفنى وتم ترشيحى للدور.. ومنذ الجلسة الأولى فى البروفات تعرفت عليها.. فهى كانت ممثلة مغمورة لم تقدم سوى أعمال فنية قليلة وكان اسم دلعها (إش.. إش) (قالها وهو يضحك) يومها التقت عينى بعينها، وشعورى بشعورها، وإحساسى بإحساسها، ليتوج ذلك بالزواج حتى أننى طلبت يدها على المسرح ووافقت على الفور!
•••
(المقابر- بعد مرور 60 دقيقة)
الوقت يمر… وعمو فؤاد بعد فترة صمت استأذن فى الانصراف.. وعويجة أفندى منذ قليل اختفى من أمامنا. تجولت بين القبور حتى لمحته يمشى بهدوء حتى وقف بجوار قبر له مساحة فسيحة أمامه. تسللت حتى وصلت إليه وقلت له: «قبر من هذا؟ رد: هذا قبر السيد وزير الاقتصاد والتجارة الأسبق» قلت نعم أعرفه. رد مبتهجًا وهو يقول: «طيب يا أخى ألا تعرف أن ابنه الكبير مرشح الآن للوزارة»؟! ثم أكمل قائلًا: « لذلك قلت إنه من الواجب- وهذا لوجه الله- أن أمُر عليه وأقرأ على روحه الفاتحة»،
قلت وأنا أغادر المقابر مسرعًا: (واجب برضه.. يا عويجه أفندى)!
••
حضر الزيارة:
خيرى حسن
• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.
•• الأشعار المصاحب للكتابة للشعراء:
• سميح القاسم.
• نزار قبانى.
• مجدى نجيب.
• محمد عبدالمنعم
••الصور:
فؤاد المهندس
شويكار
حسن مصطفى
•••
جمال عبد الناصر
محمد حسنين هيكل
•• المصادر:
أرض النفاق/ رواية – يوسف السباعى. مكتبة الأسرة 2012.
•• الصحف:
الأخبار/ الوفد/ الأهرام/ الجمهورية.
•• المجلات:
الكواكب/ الإذاعة والتليفزيون/ صباح الخير/ نصف الدنيا/ أخبار النجوم.