ترتبط الكتابة النسوية بعدة خصائص تتعلق بالمرأة كأنثى في تعبيرها عن الهموم النسائية في سياق تاريخي معين ونسق اجتماعي محدد، وفي سعيها إلى الكشف عن منظومات القهر عامة؛ حيث يتقاطع الصراع التقليدي بين الجنسين – الرجل والمرأة – مع علاقات قوى أخرى عديدة، في مقدمتها الانتماء العرقي والاتجاه السياسي والعقيدة الدينية وغيرها من أشكال الفروق الإقصائية بين البشر.
تنطلق الكتابة النسوية من اعتماد أغلب الكاتبات على فكرة ضمنية تتعلق بالدوافع التي تولّد هذه الكتابة، مثل: التخلص من القوالب الثقافية ونمطية التمثيل والسلطة الذكورية والنظام الأبوي وغيرها من دوافع تستدعي حضورا واضحا للذات في مواجهة (الآخر)، لذلك أصبحت كتابات المرأة توصف بالذاتية التي تتجاوز حدود (الأنا) النسوية وتنطلق إلى أفق الجماعية؛ حيث تتلاقى مختلف أنماط النساء في مقاومة القهر الأبوي والزوجي والمجتمعي في ظل الظروف القهرية العرفية منها والتقليدية ومحاولة تمكين المرأة، وتحمل الكتابات – بالتالي – مزيجاً من الاحتمالات الخطابية المتقاطعة.
وقد نبع هذا التغير في مفهوم (الذاتية) من إدراك الكاتبات – خاصة في بلدان العالم الثالث، علماً أن الذات النسوية لن تتشكل بمعزل عن الذوات الأخرى بكافة أنواعها، فطرحت نصوصهن قضايا الهوية والاختلاف، وعرضت مسألة تقويض الانقسامات المجتمعية والفروق العنصرية كخطوة أولى وملحّة في سبيل تحرير المرأة وتحسين أوضاعها. وبالتالي، جاءت المطالبة بتعديل الظروف الاجتماعية بوصفها جزءاً رئيساً من القهر الذي تواجهه المرأة بجوار مواجهة النظام الذكوري وممارساته القمعية داخل النص الواحد، فعبَرَ السّرد النسوي في كثير من الأحيان من الذاتية إلى الجماعية.
من هنا أصبح النّص النسّوي مطالباً ليس فقط بمحاربة الوصاية الذكورية والبُنى التراتبية الخاصة بها التي رسختها الذهنية الذكورية عن المرأة من أجل وضعها في أدوار تقليدية تؤهلها للخضوع والطاعة، بل أيضاً بإعادة تعريف الذات النسوية كذات متعددة التشكيل يتقاطع في تكوينها إلى جانب النوع عناصر أخرى مثل الطبقة والعرق والأصل القومي.
ولذلك اقترن التجريب في بعض السرود النسوية بفكرة ضرورة تمثيل التجارب المركّبة للنساء، والتي لا يدخل في تكوينها كونهن نساء فحسب، وإنما أيضاً الانتماءات والهويات التي يكتسبنها بسبب مواقعهن المختلفة في المجتمع، ولذلك (تقاطعت داخل النص قضايا العدالة الجندرية مع قضايا النضال ضد العنصرية) التي تتعرض لها المرأة بسبب هويتها المركبة كأنثى وسوداء، أو كأنثى ومسلمة، أو كأنثى وفقيرة، أو كأنثى ذات ميول جنسية مختلفة، وغيرها من أنواع التصنيفات العنصرية التي تفرض عليها التهميش والإقصاء.
ومن ثم، تنبع خصوصية كتابات النساء في محكيها الذاتي من تعالق الخطاب النسوي الذاتي الذي يعيد تشكيل علاقات القوى الجندرية ويجسد اهتمام المرأة بتنمية وعيها بنفسها، مع الخطاب ما بعد الكولونيالي الذي ينشغل بعلاقات القوى بين المستعمِر والمستعمَر، ويطرح قضايا الهوية والعلاقات الثقافية القائمة على ثنائية المركزية الغربية وهامشية الآخرين، حيث أصبحت قضايا نضال المرأة ضد الاستعمار والعنصرية والطبقية والتصنيف العنصري على أساس اللون أو الدين أو القومية أو غيرها من أهم ما تجسده الكتابة الذاتية للمرأة، بجوار كفاحها المعتاد ضد السلطة الأبوية والهيمنة الذكورية.
كما يمكن القول بأن الخطاب النسوي في الفترة الأخيرة لم يقتصر على تجسيد ظروف القهر التي تعوق تحرر المرأة داخل المجتمعات الذكوية المنحازة لثقافة جنسها، إنما انشغل في الأساس بضرورة تمثيل وعي المرأة وإثبات فعاليتها بالمجتمع حتى تخرج عن إطار الوصاية الذكورية، مما سمح للنص النسوي بالخروج عن الصورة النمطية التي ترتكز حول المرأة المنكسرة المهزومة والرجل الظالم المتسلّط، وتجاوزها لتصوير وعي المرأة بذاتها وبدورها الفاعل في وطنها وتعزيز ثقتها في قدرتها على الانتصار لهويتها متعددة الأبعاد، كنواة رئيسة لتحريرها.