استكمالاً لفعالية المائدة المستديرة التي استضافتها مجلة “أدب ونقد”، حول “محددات العلاقات الشعبية والثقافية بين مصر والسودان.. بين المحفزات والمثبطات”، في المسارات غير الرسمية والشعبية، وضرورة الوصول إلى ما يشبه الإطار الثقافي الشعبي المقبول، كوسيلة لدفع العلاقات الشعبية بين الجانبين، بوصفها وثيقة ثقافية شعبية تعمل كرافعة للعلاقات بين البلدين على المستوى غير الرسمي..
تشكلت لجنة مشتركة لصياغة هذه الوثيقة الثقافية الشعبية من الجانبين؛ مثل الجانب المصري فيها الكاتب والأكاديمي الدكتور/ حاتم الجوهري، ومثل الجانب السوداني فيها الكاتب والباحث في التراث/ عادل محمد سليمان.
وقد توصلت لجنة الصياغة إلى هذه الوثيقة تتويجًا لعمل المائدة المستديرة وما طرح فيها، وعلى أن تعتبر الوثيقة نصًا مفتوحًا تُطرح من خلاله للنقاش العام، وتقبل الحذف والإضافة من الجانبين على المستوى الشعبي والثقافي، آملين أن تخرج منها نسخة محدثة ونهائية تعبر عن هدفها بحلول نهاية العام أو بداية العام الجديد، بعدما تكون طرحت للحوار المفتوح بين الجانبين.
وهذا هو نص الوثيقة الثقافية الشعبية المفتوحة -والإطار النظري العام- التي يرى فيها الجانبان القدرة على العمل كرافعة ومحفز للعلاقات الشعبية والثقافية بين البلدين:
– ضرورة تَحمل مثقفي البلدين مسئوليتهما في رصف ورفد المسافات بين الشعبين السوداني والمصري، ومهما كانت المسئولية ثقيلة فإن المعرفة والثقافة وحدهما ليسا فضيلة، إلا أن يتحولا لقدرة على المواجهة والمكاشفة والفهم المتبادل، ووضع الحلول والتفاهمات المشتركة عبر خطاب واقعي يحقق الحد الأدنى المتفق عليه بداية، ويأمل في التراكم بالإصرار والصبر والعمل وصولاً للحد الأقصى.
– أهمية تجاوز الأحكام المسبقة والصور النمطية، وما هو مستقر ومسلم به إيجابًا أو سلبًا، والعمل على التعرف من جديد عن قرب على سمات الشخصية القومية بين الجانبين، وتبادل النقاش حولها، لفهم السمات التاريخية والثقافية والشعبية والاجتماعية بين البلدين مجددًا، بما يسمح بالاستيعاب المتبادل لوجهات النظر حتى وإن اختلفت في منطلقاتها بعض الشيء، لكن الفهم المتبادل لسمات الشخصية القومية بين الجانبين كفيل بالتأكيد على الاحترام المتبادل، والتأسيس لعلاقات مستقبلية أكثر تفهمًا وقبولاً.
– التأكيد على أن الصلات الطبيعية وجغرافيا نهر النيل التي تربط البلدين شعبيًا واجتماعيًا عبر التاريخ والحضارة المتراكمة والمتبادلة، هي الأساس الحاضر والضابط باستمرار لتقلبات شئون السياسية وفروضها ومقتضياتها المتغيرة، وأن تجديد هذه الصلات الحضارية والثقافية والشعبية الاجتماعية في العصر الحديث، كفيل بأن يحقق أرضية مشتركة متينة يمكن لها في يوم ما أن تدعم التقاربات السياسية الرسمية، وتقلل مساحة التباعد، حيث يمثل شعبي وادي النيل وحدة جغرافية طبيعية منحتها الطبيعة حماية من كل الجوانب بالرمال والبحار والصخور.
– الإيمان بالتاريخ الحضاري والثقافي للشعبين، مع الدعوة إلى خلق وعي علمي ونقدي صحيح لكسر الحواجز الطارئة والصور النمطية بين الشعبين، وإلقاء الضوء على أبرز تجليات العادات والتقاليد المشتركة للشعبين عبر التاريخ وحتى الآن، وتبني الدعوة لفكرة الجامعة الشعبية بين البلدين وإنشاء مجالس للحكمة وورش في فنون الحضارة، والإشارة لدور التوعية عن طريق التعليم والمبادرات المنهجية في المدارس والجامعات، وكذلك مراكز البحوث والأنشطة المختلفة، والدعوة لأن تكون هناك توأمة بين الجامعات السودانية والمصرية، وذلك كله برؤية استراتيجية وفعالية مهنية احترافية.
– الدعوة إلى إحياء دور الفنون في تعزيز أواصر الشعبين ثقافيًا واجتماعيًا وحتى تجاريًا، والترويج للدعوة للتعريف بالأماكن الحضارية والثقافية وكذلك المناطق السياحية بين البلدين، مع التعريف بالتاريخ النضالي بين الشعبين إبان فترة الاستعمار.
– الدعوة إلى مراجعة السلبيات بين البلدين في وسائل الإعلام المختلفة التقليدية منها والحديثة، والدراما والسينما والمسرح والكتاب والفن والشعر والرواية والقصة والحكاية الشعبية، وإبراز الإيجابيات والسعي لتطويرها والبناء عليها.
– الدعوة على إبراز الأدب وفنونه المختلفة ونشره بين البلدين والتعريف به وإقامة الندوات والمعارض للكتاب والملتقيات الثقافية المشتركة بين الشعبين عبر الثقافة الحديثة والتقليدية، وإبراز دور الغناء والموسيقى والتعريف به عبر الفنانين الشعبيين والحداثيين والفرق الجوالة الغنائية والمسرحية والتراثية بين الشعبين، والمدائح النبوية والتراث الصوفي الإسلامي بين الشعبين.
– الدعوة لزيادة مساحات التبادل الثقافي والزيارات المتبادلة بين الجانبين، وزيادة الفعاليات الثقافية والشعبية والاجتماعية المشتركة، والاجتهاد في بحث وسائل وآليات تطبيق ذلك وتفعيله، مثل إقامة معارض الفنون الشعبية والفنون التشكيلية والصناعات اليدوية التراثية بين الشعبين، والتي تسهم في وضع العلاقات الثقافية والشعبية في مسارها الصحيح، وأن يمتد نشاط الوثيقة عند تنفيذ آلياتها وفعالياتها إلى الأقاليم والمحافظات.
– الارتكاز على قدرة الحاضنة الشعبية بين البلدين في احتواء المتنوع، والتجاور والتعايش بين مختلف الأنماط الثقافية والإنسانية والاجتماعية والعقائدية، وذلك عبر التاريخ الطويل حيث كانت الحاضنة الشعبية تملك آليتها الخاصة في التعامل مع الأنماط السائدة، وفي الوقت نفسه قدرة الأنماط المتراكمة وطبقاتها المتنوعة الأخرى على التعايش والحياة مع النمط السائد أو الذي تتبناه الجماعة العريضة في الحاضنة الشعبية، بما يؤكد على وجود سمة طبيعية وفطرية في حاضنة وادي النيل على الحياة في ظل التنوع.
– احترام “مستودع الهوية” المتراكم بطبيعته في وادي النيل، والتأكيد على تعايش طبقاته وتجاورها عبر السنين، مع الاعتزاز بعناصر الطبقة الهوياتية الأخيرة لمستودع هوية الذات العربية/ الإسلامية، وتعايشها التاريخي مع التنوع داخلها، خاصة فيما قبل حضور الاستعمار الأوربي وتناقضاته التي فجرها واعتمدها وسيلة لتأجيج التناحر بين شعبي وادي النيل، والتأكيد على أن قيم الذات العربية/ الإسلامية الحقيقية هي ضد كل تطرف وتشدد بل تؤكد على قيم الخير والجمال والإنسانية بين الشعوب العربية الإسلامية وكافة شعوب العالم.
– النظر بتقدير إلى فلسفة “التجاوز والتحرر” من “المسألة الأوربية” ومتلازماتها الثقافية، بوصفها كانت المحرك الرئيسي لمعظم تناقضات شعبي وادي النيل، والتأكيد على قدرة الشعبين والذات التاريخية الخاصة بهما، على الحركة من خلال منهج “دراسة الحالة” بينهما وخصوصيتها، وصولا لحلول وصياغات نظرية وخطابات غير تقليدية، تحملهما للمستقبل وآفاقه الواسعة والآملة.
– تأجيل طرح آليات تفعيل هذه الوثيقة الثقافية الشعبية المفتوحة إلى المرحلة التالية، بعد طرحها للحوار المجتمعي بين البلدين ومثقفيهما.
– اعتبار أن هذه الوثيقة إطارًا ثقافيًا عامًا مفتوحًا للحوار المجتمعي بين الجانبين، قابلاً للحذف والإضافة والتعديل، حتى خروج نسخة محدثة منها نهاية هذه العام أو بداية العام الجديد، آملين أن تصاحبها عدة فعاليات مشتركة بين الجانبين، تمهيدا للانتقال للجانب التنفيذي وتلقي اقتراحات وآليات تفعيل هذه الوثيقة الثقافية الشعبية.
– تأمل هذه الوثيقة الثقافية المفتوحة بعد طرحها للنقاش المجتمي العام بين الجانبين، وبعد الوصول لصيغتها النهائية، في أن تكون رافعة على المستوى الشعبي غير الرسمي، مع دعوة المؤسسات الثقافية والجهات المعنية الرسمية بين البلدين، لتلقي نسخة من الوثيقة والمساهمة في تنفيذ إطارها العام، وآليات تفعيلها.