حوار الكاتب ” أحمد الجمال ” مع الكاتب و المترجم الجزائري ” مدني قصري ”
القاهرة – #أحمد_الجمَّال
يترجمُ كمبدعٍ، إذ يتعامل مع النص الأصل باعتباره لوحة فنية يعيد إبداعها بريشته، وليس أدل على ذلك من ترجمته الرائعة لرواية «فتاة البرتقال» للكاتب النرويجي جوستاين غاردر، بما تطرحه من أسئلة وجودية مهمة تحتاج إلى مترجم متمكن من أدواته مثل الجزائري مدني قصري. في حوار أجرته معه «الجريدة» من القاهرة، قال قصري المقيم في الأردن منذ عام 2001، إن الترجمة مسؤولية أخلاقية ولا تقبل أي تدنيس، لافتاً إلى أن حركة الترجمة في عالمنا العربي تعيش حالة من الركود المثير للقلق والحيرة، لكنه يستثني الكويت والإمارات ولبنان من هذه الحالة… وفيما يلي نص الحوار:
● ترجماتك متنوعة بين الأدب وعلم النفس والتاريخ، على أي أساس تختار العمل لنقله إلى «العربية»؟
– تتنوع ترجماتي بين الأدب، وعلم النفس، وعلم ما وراء النفس، وعلم الطاقة النفسية وتطبيقاتها العلاجية، وعلم الأرقام، وفيزياء الكم، وغيرها، لأني مطلٌّ على هذه الحقول المعرفية وباحث مشغوف بها.
● أولى ترجماتك كانت لرواية «فتاة البرتقال» للكاتب النرويجي جوستاين غاردر فما سبب تحمسك لترجمة هذا العمل؟
– اهتمامي برواية «فتاة البرتقال»، نابع من الأسئلة الوجوديّة التي يطرحها مؤلفها: ما هو الإنسان؟ والكون؟ إلى أين يمضي العالم؟ إضافة إلى الأسئلة الخالدة التي يلفّها الغموض والقلق والحيرة، تلك التي خاض فيها الفلاسفة من غير أن يجدوا لها إجابات شافية، والتي ما فتئت تشغل العقل البشريّ منذ القِدَم، كالعدم والوجود، والزمان والمكان، والعوالم الموازية، والحياة ما بعد الموت، التي لا ندركها إلا بالوعي خارج الحواس.
● يضم كتابك «من برج بابل إلى أبراج نيويورك» مقالات علمية مترجمة عن الفرنسية… إلى أي مدى تبدو أهمية هذه النوعية من الكتب للقارئ العربي؟
– يضم الكتاب حوارات فكرية بالدرجة الأولى، فهو تواصلٌ متنوّع وثري، يتناول حوارات فكرية وفلسفية وأدبية وفنية من الغرب والشرق، ومن هنا كان أملي أن أضعها بين أيدي القراء الذين يؤثرون أوّلا فهْم الآخر المختلف، قبل الحُكم عليه.
● إلى أين وصلت في مشروعك لترجمة الشعر من العربيّة إلى الفرنسيّة، والعكس، الذي بدأته قبل سنوات؟
– أهم إنجازاتي ترجمتي لقصيدة «سلالتي الريح… عنواني المطر» للشاعر الأردني موسى حوامدة، والتي نال عنها جائزتين فرنسيتين، هما الجائزة الكبرى من مؤسسة أورياني الثقافية وجائزة «الريشة» من مهرجان تيرانوفا الشعري الفرنسي في الدورة الرابعة، وقد مُنِحت هذه الجائزة في دورات سابقة للشاعر الإيطالي إدواردو سانيغونيتي (2003)، والشاعر الإسباني فيرناندو أرابال (2004)، والشاعر الإيطالي أنتونيو بيرتولي (2005).
● في عالمنا العربي، لماذا يحظى الإبداع باهتمام أكبر من الترجمة؟
– لأننا بحكم اشتراطاتنا اللاشعورية والتاريخية وحتى الدينية لا نزال محكومين بالخوف من الآخر، وبالعادات والتابوهات والمعتقدات التي تَعتبِر فكر الآخر خطراً عليها. اهتمامُنا بالآخر منصب على النواحي الفنية التكنولوجية، وهذا غير كاف. ولأننا لا نملك بعد الأدوات الكاملة لاستيعاب فِكر الآخر. فضلاً عن أن الإبداع موهبة جاهزة ومتاحة، بينما فكرُ الآخر يحتاج إلى فهمٍ وجهد وتخصّص.
حركة الترجمة في عالمنا العربيّ، باستثناء ما تحققه بعض البلدان الشقيقة، مثل الكويت والإمارات، ولبنان، تعيش ركوداً مثيراً للقلق والحيرة، إذ ما زالت حركة محصورة ضمن المبادرات والجهود الفرديّة الضيّقة، ولا ترقى الترجمة إلى مستوى تاريخ العرب الحضاريّ؛ فالترجمة العلميّة والأدبيّة والوظيفيّة لا تحظى بأيّ منهجيّة من جانب الجهات المسؤولة، ولا بسوق تروّج للأعمال المترجَمة، ولا ببنك معلومات يخصّ المترجمين العرب وأعمالهم المترجمة، ولا بدور نشر تهتمّ بنشر ما يُترجم. لذلك، صرنا نفتقد إلى المصادر العربيّة التي يمكن أن يرجع إليها الباحث العربيّ، أو حتّى الأجنبيّ الدارس للّغة العربيّة والمهتمّ بثقافتها. فهل القرار السياسيّ هو السبب؟ أم هو تقاعس الجامعات والمعاهد ودور النشر العربيّة عن القيام بهذه المهمّة؟ ليست الترجمة في بلادنا، على عكس بلدان متقدّمة، في مستوى التحدّيات الثقافيّة والسياسيّة والحضاريّة.
●هل الترجمة دائماً خيانة للنص الأصلي؟ ومتى تكون «إعادة إبداع»؟
* إنّها كذلك أحياناً، وليس دائماً، إذ يستطيع المترجم تجاوز مصاعب الترجمة من دون خيانة النصّ الأصل، إذا توفّرت لديه الأدوات اللغويّة والمعرفيّة الواسعة الضروريّة، لذلك، فإنّ اللغة عنصر أساسيّ في عمليّة الترجمة، تربطها بها علاقة حميمة لا جدال فيها؛ فالمترجم يشتغل بلغتين مختلفتين (أو أكثر)، وعليه أن يتقنهما معاً حتّى لا ينقل إلى المتلقّي نصًّاً مشوّهاً، لأنّ المتلقّي لا يعرف الكاتب الأصليّ. لذا، يتعيّن على المترجم أن يكون مطّلعاً على السمات الأساسيّة للمجتمعات، وعلى سياقاتها الحضارية والثقافية، ودلالاتها اللغوية، وخلفيّاتها الفكرية والروحية والرمزية، حتى لا يشوِّه تصوّرات هذه المجتمعات.
إعادة الإبداع في الترجمة نلمسُه حين لا نشعر أنّ النصَّ ترجمة، بحيث يمكن أن تأتي الترجمة أجمل من النصّ الأصل.
● برأيك، ما المواصفات التي يجب أن تتوافر في المترجم الجيد؟
– على المترجم، عندما ينقل نصًّاً من لغة إلى لغة، أن يتحكّم باللغة الأصل، بل عليه أوّلاً أن يُتقن اللغة ‹الهدف»، أي اللغة الأمّ. فكم من نصّ أدبيّ جميل، أبدعه مبدع كبير، استحال إلى نصّ إنشائيّ باهت! هنا الخيانة. ناهيك عن أنّ المترجم يجب ألّا يكتفي بما يملكه من أدوات لغويّة، فهو قريب من الأديب، ومن رجل القانون، والمفكّر، ومن رجل العلم… إلخ. والمترجم، فوق ذلك، باحث متعدّد الآفاق، فهو يبحث في اللغات، وفي الثقافات، وفي الحقول الفكريّة والعلميّة والاجتماعيّة والنفسية، وغيرها.
في كثير من الأحيان، نجد مترجماً يتقن اللغة «الأصل» ولا يتقن اللغة «الهدف»، وهي لغته الأمّ في غالب الأحيان، فتنتُج عن ذلك ترجمة رديئة، فيسيء بذلك للكاتب الأصليّ، ويُسيء لقارئه أيضاً، وبذلك يكون قد أخلّ بمسؤوليّته في نقل فِكر الآخر نقلاً أميناً، لأنّ الترجمة مسؤولية أخلاقية ولا تقبل أيّ تدنيس.
● ما الظروف التي دفعتك للاستقرار في الأردن منذ عام 2001؟
– الأردن جزء من انتمائي الفطري للشرق العربي عموماً. وفي عمّان التي عشقتُها عشقَ الكائن للمرأة النائمة في أعماق ذاته، اكتشفتُ أن هذه المدينة الساحرة التي لا تحمل أسواراً، هي رمزٌ حيّ للتواصل مع الذات والعالم، ونموذج للأرض التي لا يشعر فيها أيُّ غريب بالغربة.
● أخيراً، ما العمل الذي تعكف على ترجمته حالياً؟
– أنجزتُ أخيراً ترجمة رواية فرنسية من روائع أدب القرن التاسع عشر. عنوانُها «قلبُنا» وستصدر قريباً. وأعكف الآن على ترجمة رواية سويدية دسِمة عنوانها المؤقت «بِاسْم أقاربي».
نقلا عن الجريدة الكويتية