تَامَّةٌ في جَمَالِهَا
كَامِلَةٌ في عَقْلِهَا، نَاضِجَةٌ في ثمارِهَا
يُنَاغِيهَا النَّهْرُ لأِنَّها زَهْرَتُهُ
وَيَتْبَعُهَا القَمَرُ لأَنَّهَا ابْنَتُهُ
نَارِيَّةٌ وَحَارِقَةٌ، مائيَّةٌ تَشْغَلُ عَنْ سُوق الحياةِ.
تُرَابِيَّةٌ تُلْهِي وَتُفَرِّجُ.
سَلِيلةُ نِسَاءِ العَرَبِ في سطوتهنَّ القَلْبيَّةِ، وَسُلْطَتِهنَّ الروحيَّةِ، وَحُضُورهنَّ الآسرِ، لا تُنْسَى، وَلاَ تُطَلَّقُ في العِشْقِ، تُشْرِق ولا تَغرُبُ، تَصُونُ وَتُصَانُ، مُصَدَّقَةٌ صَدُوقٌ، تَمَّت مَحَاسنُها، جَادَت المُزْنِ بذكراها، وَوَصَفَها طَائِرٌ في سمواتِهِ بِأَنَّها أَجْمَلُ خَلْقِ اللهِ، وَأَعْلاَهُم مَكَانَةً وَشَأْنًا.
لاَ يُجْهَلُ نَسَبُهَا
إلى العُلاَ تَنْحَدِرُ، وإلى العِشْقِ تَنْتَمِي، إيَّاها أُريدُ، وَلَهَا أُنْشِدُ، وَإلَيْهَا أَنْشُدُ، تُرْجَى وَلا تُتْرَكُ، تُوصَلُ وَلاَ تُهْمَلُ.
وإذا كان الحُبُّ – عند العَرَبِ – داءً، فَحُبُّها دَوَاءٌ، ولذا دَانَيْتُها وَقَارَبْتُها. وَلَمَّا جَالَسْتُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، رَأَيْتُ شَفَتَيْنِ إِلهيتينِ، هُمَا تَجليَّانِ للقَدَاسَةِ، وَأَنْشَدتُ في حَضْرَتَيْهِمَا مَا قَال الشَّاعِرُ العَربيُّ:
إِذَا قَبَّلَ الإِنْســَانُ آَخَرَ يَشْتَهِي
ثَنَايَــاهُ، لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَ لَهُ أَجْرَا
فَإنْ زَادَ زادَ اللهُ في حَسـَنَاتِـهِ
مَثَاقِيلَ يَمْحُو اللهُ عَنْهُ بِهَا الوِزْرَا
لَسْتُ أَجْهَلُ وَفَاءَهَا، (وَهِي زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلؤةِ الغَوَّاصِ مِيزَتْ من لُؤلؤٍ مَكْنُونِ).
هِيَ أَحْسَنُ مَنْ تَرَاهَا، أَكْمَلُ النِّسَاءِ حُسْنًا، كَأَنَّها الشَّمْسُ، دْرَّةُ العَذَارَى، كَلِفْتُ بها، وَغَلَبَ عَليَّ حُبُّها، وَلَوْلاَ وَسَاوِسُ فِكْرِهَا لَجُلْتُ في مَنَازِلِهَا، وَطُفْتُ سَمَاواتِهَا، وَدَخَلْتُ بَابَهَا لاَ أَخْرُجُ أَبَدًا.
بِنَفْسي أَقِيهَا، وَبُرُوحِي أَفْدِيها، وَيَمِيني لَهَا، هِيَ جَمُوحٌ، جَسَدُها بَاهِرٌ عَطِرٌ، طَلَبْتُ وَصْلَهَا، وَمُنْذُ ذَاكَ الطَّلَبِ وَأَنَا حَيْرَانُ مِنْ كَرِّهَا وَفرِّها، وَانْشِغَالِهَا بالزَّمَانِ الذي صَرَعتْهُ في كُلِّ جَوْلاَتِهِ، أراها بِقَلْبِي، أَقْفُو أَثَرَهَا، عِنْدَهَا رُوحِي، وَذِكْرُهُا وَذِكْرَاهَا عِنْدِي. وَلَسْتُ أَلذُّ العَيْشَ دُونَها.
لا يطيبُ قَلْبِي وَلاَ تَقَرُّ عَيْنَايَ إلاَّ بِمَرْآَهَا.
رَمَى الجَوَى فُؤَادي.
هِيَ طيِّبَةُ العُنْصِرِ، عَالِيِةُ المَفْخَرِ، تَفِي إذَا وَعَدَتْ، وَتُدْرِكُ إِذَا قَصَدَتْ، وَلاَ تَأْسَفُ
– كثيرًا – عَلَى مَا فَقَدَتْ مِمَّا هُوَ ظَاهِريٌ مَادِيٌّ، أَجْمَلُ نساءِ عَصْرِهَا، بِشَهَادَةِ الكَائِنَاتِ جَميعًا.
وَأَحَسَنُهن أَدَبًا وَكَمَالاً، شَغَفْتُ بِهَا، وَتَاقَتْ نَفْسِي إِلَيْهَا، أَجَالِسُهَا كثيرًا، فَيُهَيِّجُنِي
الشَّوقُ وَلاَ أَقْدِرُ عَلَى الخُلُّوِ بها، رَغْمَ أَنَّ بَيْتًا وَاحِدًا يَجْمَعُنَا، لكنَّني أُرِيدُ أَنْ نكونَ رُوحَيْنِ حَلَلْنَا بَدَنَا، وَسَمِعْتُ الشَّاعرَ العربيَّ يَقُولُ لي:
أَلَيْـسَ عَجِيبـًا أَنَّ بَيْتًا يَضُمُّنَي
وَإِيَّـاكِ لا نَـخْلُو وَلاَ نَتَكَلَّــمُ؟
سِوَىَ أَعْيُنٍ تُبْدِي سـَرَائِرَ أَنْفُسٍ
وَتَقْطِيع أَنْفَاسٍ عَلَى النَّارِ تُضْرَمُ
هِيَ العَطْشَى رَغْمَ سَخَائِها وَوَلَعِهَا بالشَّكِّ، لَوْ كَانَت حَيَاتي تَرْويها لَجُدْتُ بِها. تَشْرَبُ وَتَسْقِينَني، رُوحِي فِدَاؤُها، هِيَ المَدِيدَةُ في سَمْتِهَا، المُتَكَلِّمةُ في صَمْتِهَا، البَهيَّة في طَلْعَتِهَا، سَهْلَةُ المَنْطِقِ، عَذْبَةُ الحَدِيثِ، مَا فِي قَلْبي غَيْرُهَا، أَنَا الأَشْغَفُ بِمَن هي الأَكْرَمُ، في قَلْبِي حَرٌّ لاَ يُطْفَأُ، وَلَسْتُ أَخْشَى أَنْ تُكُونَ مَنيَّتي بِكَفَّيْهَا.
إِنَّها الضَّالَّةُ التي لا تُرَدُّ، مَنْذُ السَّاعَةِ التي جَمَعْتْنِي بِها ذَاتَ ظهيرةٍ، تَمَكَّنَ هَوَاهَا مِنِّي، كَتَمْتُ، وَلَمَّا اشتدَّ بي العِشْقُ بُحْتُ، أَزْدَادُ غَرَامًا، وَتَزْدَادُ حِرْصًا وَشَكًّا وَوسَاوِسَ وَاحْتِجَابًا. مُمْتَزِجَيْن بالأُلْفَةِ، وَالهَوَى يَنْموُ بَيْنَنَا، ولي منها “في الأَحْشَاءِ أَصْدَقُ شَاهِدِ”، وَهِي أَعْطَرُ أَهْلِ زَمَانِها، أَصْبُو إليها وَأَحِنُّ، هي العَالِيَةُ، وَقَدْ سَاَلَ عَقيقُها قُبَالَة بَحْرٍ أَحْمَرَ مَسْكُونٍ بِوَرْدِهَا.
قَالَ لي: لِتُدرِكَهَا، هَبْهَا مِنْ عُمْرِكَ شيئًا. قُلْتُ: وَهَبْتُهَا نِصْفَ عُمْري.
فَأَنا “لا أَكْرَهُ المَوْتَ، إلاَّ أَنَّهُ يُفَرِّق بَيْني وَبَيْنَكِ”.
فَكَانَت تُضِيئُ أيَّ مَوْضِعٍ تَحُلُّ فِيهِ كأنَّها الشَّمْسُ. وَهيَ على مَا أَوْفَرِ ما يكونُ من
المعرفةِ بالغناء والَطَّرب.
وَأَنَا أُسَائِلُهَا مَتَى سَيَكُونُ “كِلاَنَا سَوَاءٌ في الهَوَى”.
أَخْشَى أَنّه إِذَا “دَنَا مَوْتي وَحَانَتْ منيَّتي” أَنْ “أموت بِشَوقٍ في فُؤَادٍ مُبَرِّحِ”
دوامًا أَقُولُ لها: “لو كان عِنْدَكِ منِّي مَا عِنْدِي مِنْكِ مَا ذَكْرتِ قولاً عن الزَّمان والشُّعراء والهَوَى والفَوْتِ وَالِفِرَاقِ والغَدْرِ والبَيْعِ والشَّكِ والرِّيبةِ والصَّمْتِ والغُموضِ، وَلَعِشْتِ في الهَوَى كيْ تَكُوني الذي لم تكونيه أبدًا”.
هِيَ لا تدري أَنَّها تُذْهِبُ العَقْلَ، وَتُطِيرُ الُّلبَّ، وَأَنَّني أَعْشَقُ مِنْهَا، وَأَرْغَبُ، وليسَ لي حَاجَةٌ بها إلاَّ العِشْق، وَلأَجْلِها يَلْزَمُني صَوْمُ الأَبَدُ، والحَجُّ مَاشِيًا حَتَّى أَبْلَغَ نَهْرَ العِشْقِ المُقَدَّسِ، فَقَدْ شَفَّني وَجْدُهَا، وَدَوْمًا أُذَكِّرها بقولِ عمر بن أبي ربيعة “إِنَّ القَلْبَ إِذَا هَوَىَ نَطَقَ الِّلسَانُ بِمَا يَهْوَى”.
كَأَنَّكِ مدينةٌ مُطَلْسَمَةٌ اشْتُهِرَت بجمالها وبهائها، لاَ يَقْدِرُ على فَتْحِهَا وَلاَ هَدْمِهَا إلاَّ بِدَمِ عاشِقٍ مَخْلُوطٍ بِدَمِ هُدهُدِ رُوحِهِ، فَأَنَا أَبٌ لعُذْرَةِ رُوحِهِا وَجَسَدِهِا، وَسَمَها الخَالِقُ بميسم الجَمَالِ، لَيْسَ فيها وَصْمَةٌ يَقْدِرُ أَحَدٌ من النَّاس على ذِكْرِها، تَمْلأُ العَيْنَ والنَّفْسَ، ما رأى الراؤون مِثْلَهَا، مُنْيَةُ المُتَمنِّي، “مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أنَّ مِثْلَ هذه في الدُّنيا” وَأَنَا الذي جَاوَرْتُهَا، وَرَأَيْتُ صُوَرهَا، وَعَرَفْتُ أَخْبَارَهَا قَبْلَ الِّلقاء، إِنَّ الصِّفَةَ لَتَقْصُرَ دُونهَا. “مَالَهَا عِنْدِي ثَمَنٌ إِلاَّ وَهِي أَكْبَرُ مِنْهُ”.