الأستاذ الدكتور، عادل خلف القليعي، أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
يكتب:
بداية لابد أن أنوه إلي الدافع الذي حدي بي إلي الحديث عن هؤلاء الأخيار، الذين ضربوا أروع الأمثلة في التقوي والزهد والورع، ففازوا برضوان الله تعالي، لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.
حالنا الذي وصلنا إليه، انتشار الموبقات المهلكات عيانا بيانا في وضح النهار، الرذائل، المعاصي، كل صنوف المناكير، لاخوف ولا خشية من الله تعالي، لا محاسبة ولا مراقبة له تعالي في كل أعمالنا، وللأسف الشديد إذا نصحت لله قد تتعرض تارة للسخرية، وتارة أخري للسب والقذف، وليس لك غاية إلا النصح لله تعالي والإصلاح والدعوة إلي الله تعالي، لا اعمم أحكامي، فليس الجميع علي هذه الأحوال، لماذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم، الخير في وفي أمتي إلي قيام الساعة.
محاولة من جانبي لإبراز سير هؤلاء الذين هداهم الله تعالي، لعلنا بهداهم نقتدي ونسير علي دروبهم ونتمثل خصالهم الحسنة.
الحسن البصري ربيب بيت النبوة، فقد نشأ في بيت السيدة أم سلمة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
فكانت أمه خيرة مولي لأم المؤمنين تخدمها وتقوم علي حاجاتها، وكانت عندما ترسلها في أمر ما، وكانت تتأخر ويبكي الحسن، فكانت أم المؤمنين ترضعه لتشغله ويسكت، وكانت دوما تخرجه للصحابة يداعبونه ويدعون له، وقد دعي له عمربن الخطاب أن الله يفقهه في الدين ويحبب القلوب إليه، وهذه التربية وهذه الأدعية هي التي جعلته بارعا في الفقه والعلوم الشرعية.
هو الحسن بن يسار أبو سعيد، وكان أبوه مولي زيد بن ثابت الأنصاري.
ولد عام 21ه، حفظ القرآن الكريم في عمر عشر سنين، انتقل عام 37ه إلي البصرة، وبدأ مجالسة العلماء وزاع صيته في البصرة وفي أرجاء العراق والعالم الإسلامي.
من أشهر تلاميذه واصل بن عطاء الذي أعتزل مجلس الحسن لخلاف حول مرتكب الكبيرة فقال الحسن لقد اعتزلنا واصل.
دخل السوق فوجد الناس تبيع وتشتري في وقت الصلاة،فقال مالكم تقفون هنا وميراث رسول الله يقسم في المسجد، فهرول الناس إلي المسجد فوجدوا السجود والركوع وحلقات العلم والدرس فذهبوا إليه، ما عهدنا عليك كذبا ياربيب بيت النبوة ما وجدنا في المسجد ميراث قال أحقا ما وجدتم، وماذا وجدتم، قالوا وجدنا السجود وهكذا، قال وهل علمتم أن الأنبياء لهم ميراث خلاف ذلك رأيتكم أخترمتكم الدنيا وفتنتم بها، فأردت أن أعيدكم إلي دينكم.
من مواقفه التي خلدها التاريخ موقفه مع الحجاج الذي بني قصرا مشيدا ودعي الناس حتي يمتدحوه فلم يذهب الحسن وسأل الناس ماذا وجدتم، رأهم قد افتتنوا بهذا القصر، فقال هذه قصور لاقيمة لها إنما العيش الحقيقي في طاعة الله ورضوانه، وبعد يعدد لهم طغيان الحجاج وجبروته وتألهه علي الله، اشتاط الحجاج غضبا وأرسل إليه وعندما ذهب إليه واثقا في خطاه هابهه الحجاج واجلسه مكانه وطرح عليه بعض الأسئلة الفقهية، وطيب لحيته وتركه لينصرف، فأوقفه الحاجب قال ماذا قلت وانت داخل عليه، قال قلت:(يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي ، أجعل نقمته بردا وسلاما علي كما جعلت النار بردا وسلاما علي إبراهيم عليه السلام).
توفي عام 110للهجرة عن عمر ناهز 88عاما، دفن في البصرة.
أسس البصري مدرسة البصرة،والذي أخذ الزهد فيها منحيين، أولهما:الزهد القائم علي الرهبة والخوف الشديد من الله تعالي، والنظر إلي الدنيا وتسخيرها وجعلها مطية الآخرة.
ومثله الحسن البصري وتلاميذه.
وثانيهما:الحب الشديد لله تعالي، الحب المنزه المفارق، ومثلته أم الخير رابعة العدوية.
كان الحسن البصري شديد الحزن، كثير البكاء، أشد الناس خشية لله، أشد الناس زهدا، أكثر الناس خوفا من الله تعالي، دوما ما كان يردد في مجالسه، من خاف من الله تعالي، أخاف الله منه كل شيئ، ومن خاف الناس أخافه الله من كل شيء.
ومن أقواله، عجبا لمن خاف العقاب ولم يكف، ولمن رجا الثواب ولم يعمل.
كان يري أن البكاء مدعاة لرحمة الله وأن البكاء من خشية الله تعالي طريق إلي الجنة عينان لاتمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
ودوما ما كان يسأله تلاميذه، يا إمام لم كل هذا الحزن، ويجيبهم قائلا:يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله مشهده أن يطول حزنه.
فالخوف من الآخرة وعذاب الآخرة، إن عذاب ربهم غير مأمون، كل ذلك ولد حزنا شديدا عنده.
والبصري أعتمد في هذا علي القرآن الكريم، الذي جعل الخشية مقاما في العلم حققه بها متمثلا قوله تعالي (إنما يخشي الله من عباده العلماء)
ومن مناقبه في العلم الشرعي، أن أحدا ذهب إلي أنس بن مالك يسئله مسألة فقهية، فقال له الإمام أنس أذهب إلي الحسن، فقد سمعنا وحفظنا ونسيا، أما الحسن فقد سمع وحفظ ولم ينسي.
نحن لانطالبكم بالزهد المطلق، وانما نطالب بالتوسط والاعتدال فلا ميل بالكلية إلي الدنيا بكل مافيها، ولا إهمالها بالكلية وتحريم ما أحل الله لنا من الطيبات فالمنهج القويم السليم، التوسط والاعتدال، وهذه هي وسطية الإسلام، التي أمرنا الله بها والتي دعي إليها النبي صل الله عليه وسلم، طارحا التطرف والتشدد والمغالاة.
فهل طبقنا منهجنا القويم في العبادات، والمعاملات.
هل تدارسنا سير الأولين السابقين الذين ملأوا الدنيا فقها وعلما، لنأخذ منها العظات والعبر، حتي نفيق من سباتنا، وتقال عثرتنا، ونعود سيرتنا الأولي.
رضي اللّه عن الحسن البصري أبا سعيد في الأولين وفي الآخرين.