من الصعب أن يدرك الإنسانُ أنه من حيث طبيعته الجوهرية مختلفٌ عن تصوّره لنفسه. فمن فرط استعماله لحواسه، ومن فرط تقمّصه للذهن الذي يُهمن عليه الإيجو لم يعدْ يرى دلالة حقيقتِه من وراء حساسيته المادية.
يقول العلماء المختصون إننا على عتبات نهاية هذه الدورة التي ستليها دورةٌ مختلفة لا محالة، لأن ابن آدم خُلق لكي ينمو خارج حدوده المادية، ولكي يُقرَّ في النهاية أنه ينتمي إلى اللانهاية.
إن ما يشهده العالم من اضطرابات وصراعات ليس سوى تمهيدٍ لنهاية الدورة “الذهنية الحواسية” الحالية، ومجيء دورة جديدة يتجاوز فيها الإنسان، بفضل نموّ وعيِه الجديد، حدودَه الضيقة، ليكتشف إمكانات بأبعادٍ جديدة طالما طمَسها الذهنُ وشوّهَها الإيجو المتعجرف الذي ظل لآلاف السنين يقف وراء كل المآسي التي يتخبط فيها العالم، حتى صار الإنسان ليس عدُوًّا لجاره وحسب، وإنما عدوًّا لذاته أيضا، من حيث يدري ومن حيث لا يدري.
لم تنقرضْ الحضارت التي سبقتنا وكانت أرقى من حضارة العالم الحالية إلا عندما استبدّ بها الذهنُ المغرور وأوقعها في فخ الحواس الخمس التي لا تدرك من أشياء الحياة إلا صغيرها، ومن الكون إلا أبعاده الضيقة.
فهل فكّرنا، مثلا في الحاسة السادسة، المعطلة فينا، والتي يتفوق بها الحيوان والنبات، علينا؟ من منكم رأى “حادث سير” بين الطيور وهي تحلق في السماء؟
نهاية العالم التي يُرَوَّج لها كثيرًا في هذه الأيام يجب أن تُفهم بهذا المعنى. إنها نهاية حقبة تاريخية في حياة البشرية، وميلاد حقبة جديدة سيسبقها مخاضٌ وعواصف مؤلمة يجب أن نهيّء أنفسنا لها.
كتبه الكاتب والباحث : ” مدني قصري ”