أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الكاتب المصري سامح مبروك
1. كيف تعرف نفسك في سطرين؟
سامح مبروك، كاتب وروائي مصري، من مواليد ١٩٨١، حاصل على بكالوريوس العلوم، صدرت لي رواية “زرادوستاز نبي أهل النار” عن دار الحلم، دشنت طبعتها الأولى في معرض الشارقة الدولي للكتاب أكتوبر ٢٠٢٠، وتلتها طبعتها الثانية في معرض القاهرة الدولي للكتاب يونيو ٢٠٢١، وتصدر لي رواية “كاتاتونيا أعراض انسحاب” في نوفمبر٢٠٢١.
2. ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
حاليًا أُعيد قراءة كتاب “النداهة” للدكتور يوسف إدريس، وهو مجموعة قصصية غاية في الإمتاع والإبداع والعمق، كما أنها تنبع من أعماق المجتمع المصري بحواريه وأزقته وشخصياته المتباينة، وربما هذا ما يميز الدكتور يوسف إدريس؛ البساطة والعمق الشديدين. ولكن بالنسبة لأجمل ما قرأت فهو سؤال صعب للغاية، فكلما أبحرت في غمار كتاب أو رواية جديدة وعانقت عيناي موجات أفكاره حتمًا يصيبني الكثير من الجمال، فالإبداع هو مهد الجمال بالتأكيد، وأيضًا تكمن صعوبة هذا السؤال في ذاكرة الإنسان الانتقائية التي طالما أحبت وميزت ما هو قريب، ونسيت ملامح ما هو بعيد بل وربما تواريه ثرى الذكريات بمرور الأيام.
لكن يلمع في ذاكرتي دومًا كتابان غاية في التباين.
مزرعة الحيوان لجورج أورويل الكاتب الإنجليزي الشهير برمزيتها وعبقريتها التي جعلتها تناسب كل العصور.
وكتاب قصة الإيمان للشيخ اللبناني نديم الجسر، والذي يعد في نظري من أبرز الأطروحات الفلسفية التي تناولت التوحيد والخلق.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
الكتابة بالشكل الاحترافي بدأت منذ ثلاث سنوات، بينما كتابة الخواطر والأفكار لا أستطيع أن أجزم متى بدأت، فهي الملجأ الذي دومًا احتواني وقتما حاولت الهرب من الواقع.
أما بالنسبة للسبب، فإني أكتب لأفهم، أكتب لأتفكر، أكتب لأشعر، أكتب لأهرب من الواقع بضغوطه وضيقه للخيال برحابته، كما ذكرت أكتب لأهرب.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
لن أجيب عن هذا السؤال بالدبلوماسية الواجبة مع تلك الأسئلة، فما من كائن لا يسكنه مهده ووطنه ومنشأه، ولكن المكان الذي سحرني واحتواني لأحتويه في قلبي كان مدينة “إنترلاكن” السويسرية بطبيعتها الخلابة المتفردة.
5. هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
حقيقة لا أعلم إن كان يتوجب علي الرضا أم الطموح، ولكني مقتنع بأني أقدم أعمال لها قيمة، فرواية “زرادوستار ء نبي أهل النار” تناقش شخصية وفترة زمنية مسكوت عنها، فهي محاكاة أدبية لحياة زرادشت وتلك الفترة التي تقبع في العمق السحيق للتاريخ، ومن خلالها حاولت أن أبلور ذلك الصراع الأزلي ما بين قطبي الحياة، الإنسان والشيطان، الطين والنار، وما تخلله هذا الصراع من معارك وحروب مكررة ومعادة ودامية.
وتصدر لي مطلع الشهر القادم رواية “كاتاتونيا ء أعراض انسحاب”، والتي تناقش ارتكاز العالم الحالي بالكلية على التكنولوجيا ودورها المحوري في حياة البشر، حتى أدمنها البشر كافة، وأصبحت الحياة من دون أشكالها المتنوعة أساسية كانت أو حتى ترفيهية مستحيلة، وافترضت في عقدة الرواية انهيار التكنولوجيا في العالم كله وكيف سينسحب أكتوبر الحالي.
هذا وأحضر لرواية جديدة من نوعية الرعب أسطر الآن سطورها الأخيرة، أتمنى أن أنشرها العام القادم.
6. متى ستحرق أوراقك الإبداعية بشكل نهائي وتعتزل الكتابة؟
لا أعتقد أن هذا وارد، ولا يجب للمبدع أن يعتزل إبداعه، لأنه بصدق أول المستفيدين، فحياة من حباهم الله بتلك الملكة يضخ الدم فيها خيالهم وإبداعهم، فمن هذا الذي يعتزل محرك حياته و يتخلى عن قلبه النابض؟
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أعتقد أن العمل الإبداعي الأكبر والوحيد الذي حاز أعلى جائزة أدبية في العالم وهي نوبل بالتأكيد كان أولاد حارتنا للأستاذ الراحل نجيب محفوظ، وهو بكل المقاييس تحفة فتية ببساطة ألفاظه ولغته الجميلة وعمق فكرته ورمزيته، ورغم هذا الجدل الذي صاحب صدوره إلا أنه سيظل من أعظم تراث ثقافتنا العربية في العصر الحديث وأي مبدع كان ليتمنى أن يكون هذا الإبداع بجرأته وعظمته من إنتاجه.
حقيقة لم أمارس أية طقوس أثناء الكتابة، فالفكرة تأتيني فأكتبها، بدون أية مقدمات، ومتى تمنعت تلك الفكرة عن الحضور استعصت عليَّ الكتابة.
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
يجب على المبدع والمثقف أن يستقي نتاجه من نهر المجتمع، ليعيد ضخه من جديد بالشكل الذي يعالج قصورًا أو على الأقل يسلط عليه الضوء، دور المثقف والمبدع تنوير المجتمع والارتقاء معه وبه ولو انفصل عن نسيج مجتمعه أصبح كمطرب يصدح بصوته الرنان ليطرب مجموعة من الطرشان.
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
من وجهة نظري العزلة قيد مشروط، فالعزلة الاختيارية لوقت محدود تمنح الفرصة للتفكر والتدبر وقد يحتاجها الكاتب والمبدع من حين لآخر، بينما العزلة الإجبارية هي قطعة من الجحيم، ولو فجرت بعضًا من جوانب إبداعية كانت مدفونة، إنها بالمقابل بالتأكيد تقتل العديد من المشاعر والقدرات، فالحرية هي الفطرة وأصل الحياة، بدونها تفتقد حياة الإنسان لأسمى مقوماتها.
10. شخصية في الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
أتمنى لو أتيحت لي الفرصة أن أقابل الدكتور مصطفى محمود، فلهذا الرجل تجربة ثرية في الأدب والثقافة والعلم والدين، وبالتأكيد كانت لرحلته الثرية تلك نتاج فكري هائل كنت، أتمنى أن أنهل منه ولو القليل.
11. ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
حقيقة هذا أصعب سؤال واجهته حتى الآن، واستوقفني لدقائق أفكر في إجابة مناسبة ولم أجد، أو ربما تزاحم الأفكار والإجابات أظلم عقلي واستعصى عليه تمييز إجابة واحدة لكتابتها هنا، ولكن ما قفز لذهني فقط هو المفتاح الذي يجعل الحياة تستمر ألا وهو “التأقلم”، فأرجوك لا تحرمني من هذا السلاح ودع اختياراتي الخاطئة ترقد في سلام في قبرها العتيد.
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
ذاكرة الإنسان انتقائية برجماتية بحتة، تنتقي ما تريد بحلوه ومره لتضعه في خانة الذكريات، وما ترفضه أو تتغافل عنه تضعه في خانة الفراغ.
13.صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثنا عن روايتك الأخيرةالأخيرة ” كاتاتونيا ” . كيف كتبت وفي أي ظرف؟
انغماس المجتمع في إدمان منصات التواصل الاجتماعي التي وصفتها على لسان بطل الرواية “منصات التباعد الاجتماعي”، والتي أصبحت المحرك الأساسي للمجتمع، فضلًا عن التكنولوجيا بكافة أنواعها والتي أصبحت كالروح ومن دونها قد يموت جسد المجتمع الذي نعرفه، ذلك الإدمان قد دق ناقوس الخطر في ذهني ورفع ألف راية حمراء، ماذا لو فقدنا التكنولوجيا، ماذا سيحدث لنسيج المجتمع المتشبع بها؟ وكانت حيرتي ما بين كثر أنا منهم يقضون أكثر من ثلث حياتهم على فيس بوك وآخرون على تويتر وإنستجرام وفتايات انجرت إلى ساحات الغواء في تيك توك وأطفال يُنومون مغناطيسيا بيوتيوب، هنا لمعت الأسئلة كالبرق في ظلام عقلي، ماذا لو فقدنا هذا كله؟ ماذا لو فقدنا الكهرباء؟ ماذا لو توقفت التكنولوجيا؟ هل سيعود المجتمع لما كان عليه قبل هذا كله بسهولة؟ أم سيعاني أعراض انسحاب؟ آلاف الأسئلة التي حاولت البحث فيها من خلال هذا العمل الذي أتمنى أن يستشعر من يقرأه هذا الخطر الذي استشعرته ويشاركني البحث عن حلول لعلاج هذا النوع الخطير من الإدمان.
14. ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
الكتابات الإبداعية هي غذاء روح من يتناولها، هي تناول مختلف لقضايا نعيشها، طرح حلول لمشاكل نواجهها، رحلات مجانية لأراضي وأزمان بعيدة حقيقية وأخرى خيالية، ومن توغل في أعماقها ناله صيب من فيض جمالها وإمتاعها فضلا عن المعلومات التي قد تحتويها، ويظل الإنسان بفطرته في حلقات من البحث المتواصل عن المعلومة والسعادة والجمال والمتعة التي حتمًا قد يجد بعضًا منها في كتاب أو رواية أو قصة أو قصيدة، والدليل على أهمية الكتاب والنص الإبداعي أن السبيل الذي اختاره الخالق للتواصل مع عباده كان الكتاب، فقد أنزل سبحانه من عليائه على من اصطفى من رسله ألواح وكلمات وكتب، كانت السبيل الوحيد للمخلوق لإدراك ماهية خالقه، ويظل القرآن أبدع الكتب وأعظمها.
15. كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
تجربة محفوفة بالمخاطر في رأيي، تحكمها عوامل كثيرة منها الجيد بالتأكيد كالانتشار وسهولة الوصول وانعدام التكلفة، لكنها لا تخلو من السرقات وضياع الحقوق الفكرية وسيطرة أصحاب تلك المنصات على المحتوى وتقنينه وفلترته تبعًا لأهوائهم، أو مصالحهم، فيحجب ما يريد وينشر ما يريد ويقيض ما يريد من الوصول إلى الناس، وتلك أزمة حرية حقيقية.
16. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
سأبدأ بالأسوأ لتمحوها الذكرى الجميلة في النهاية، كانت وفاة أمي هي الذكرى الأسوء بلا نزاع، وتظل لحظة طالعت عيناي بيت الله الحرام لأول مرة الأجمل في حياتي.
17. كلمة أخيرة أو شيء ترغب الحديث عنه؟
أود أن أشكركم على تلك الأسئلة التي نقبت في مناطق كان التراب قد تراكم فوقها مع ضغوط الحياة، وفي النهاية أتمنى لمن يطالع أعمالي أن يصادف فيها صورة تسعده، أو تعبيرًا يمتعه أو معلومة تفيده، ولكم ولكل قاريء جزيل الشكر والامتنان.