الجزء السادس من دراسة ( قدري حفني عالما وسياسيا)
بقلم الدكتور والأديب “خالد محمد عبد الغني”:
سادسا: كتاب “أضواء نفسية على الصراع العربي الإسرائيلي()” يتناول المؤلف في هذا الكتاب عددا من القضايا السياسية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي من خلال نظرة علم النفس، وبدأت تلك الدراسات بإسقاط الضوء على قضية الصراع وفيها شرح علاقة علم النفس بالصهيونية كمنظومة فكرية حديثة تبلورت مع نهايات القرن التاسع عشر تقوم على التسليم بأن ثمة مشكلة يهودية أزلية لا حل لها إلا بإقامة دولة لليهود وسرعان ما تحول الفكر الصهيوني إلى تنظيم حركي سياسي. ويؤكد على أن الصراع الحضاري مع إسرائيل سوف يستمر حتى بعد استكمال إزالة آثار عدوان 1967 إنه صراع الجيران جغرافيا المختلفون حضاريا وسكانيا وصراع أصحاب التاريخ الطويل الدامي .
وفي الدراسة الثانية التي تحمل عنوان “الخطاب الإسرائيلي بين الاستضعاف والاستقواء” وفيها قدم تفسيرا للخطاب الذي تقدمه إسرائيل من حيث الاستضعاف أمام المنظمات العالمية باعتبارهم معتدى عليهم من الفلسطينيين وفي الوقت نفسه تظهر الخطاب الاستقوائي إلي رفض كافة مبادرات السلام العربية والأوروبية والأمريكية على السواء وممارسة العنف ضد الفلسطينيين ليل نهار وهكذا يتم بث الخطابين معا خطاب الاستضعاف للتخدير وطلب العون والمساندة وتوحيد الشارع الإسرائيلي ، أما خطاب الاستقواء بحيث يفزع الفلسطينيين ومناصريهم.
وفي الدراسة الثالثة يقدم رؤيته حول فرويد والصراع العربي الإسرائيلي – وكانت هذه الدراسة الحالية تطورا ومراجعة فكرية قام بها المؤلف حول موقفه من صهيونية فرويد وقد حرص على نشر تلك الدراسة القديمة أيضا في الفصل الرابع – ويؤكد على أن فرويد صهيوني من نوع خاص فيقول “لقد بدأت الصورة تتضح. إن الصهيونية لم تكن أبدا نسيجا واحدا, وكان التباين بين تياراتها شديدا وما زال كذلك, وكان فرويد متعاطفا مع واحد من التيارات الصهيونية النشطة آنذاك, وبالتالي فقد كان معارضا لتيارات أخرى. ولم تكن تلك الحقيقة متاحة لي آنذاك. ترى ما هي ملامح ذلك التيار الصهيوني الذى كان الأقرب لفكر فرويد؟ يبدو أنه ذلك التيار الذى أشارت إليه يوديت يونج مطلقة عليه اسم “حزب السلام”, وغنى عن البيان أنه مجرد تشبيه, فليس ثمة حزب من الأحزاب الصهيونية يحمل هذا الاسم. إنه تحديدا فريق حاييم أورلوسوروف. ترى من هو حاييم أورلوسوروف؟ كان فرويد إذن أقرب إلى ذلك التيار الصهيونى الذى لا ينطلق من رؤية توراتية لأرض الميعاد ولشعب الله المختار. تيار يرى ضرورة أن تكون لليهود دولتهم دون قهر لشعب آخر, وبصرف النظر عن إمكانية ذلك أو استحالته, فقد كان فرويد فى نهاية الأمر صهيونيا ولكن من نوع خاص؛ كما كان أيضا يهوديا من نوع خاص. ويذهب المؤلف إلى أن فرويد يهودي من نوع خاص : فيقول ” يتفق ما سبق من موقف خاص لفرويد من الصهيونية, مع كون فرويد ليس باليهودي التقليدي, بل كان أقرب إلى ذلك الفريق من اليهود العلمانيين. لقد كان يهوديا ينتمى لتاريخ اليهود فى أوروبا, بل وفى ألمانيا بالتحديد, يشعر بمشاعر الأقلية اليهودية التي عانت ما عانت من اضطهاد المجتمع الأوروبي, ولكنه لم يكن مؤمنا بالديانة اليهودية ولا بغيرها من الديانات. لقد كان يهوديا من نوع خاص”.
وفي الدراسة الرابعة التي حملت عنوان : فرويد بين العلم والصهيونية وقد ذهب المؤلف فيها إلى القول ” لقد كان فرويد طموحاً إلى أقصى الحدود فيما يتعلق بالأفاق التي يرجوها لتنظيمه السياسي الصهيوني. ولم يكن يألو جهداً في مد شبكة التنظيم إلى كل دولة يستطيع الوصول إليها. ووفقًا لما أشار إليه فروم “فقد كان للحركة منظمات أو مجموعات دولية، لكل دولة مجموعة يقودها مسئول مرتبط مركزياً، برابطة التحليل النفسي الدولية، ومركزها زيورخ. وتعمل الحركة على كسب العناصر النشيطة، علمياً واجتماعياً، وتوظيفها لخدمتها…”. وقد كان ذلك الطابع الدولي أمراً تفرضه الطبيعة الصهيونية للتنظيم الفرويدي. ولكى لا يختلط علينا الأمر بالتنظيمات الدولية العلمية الأخرى، والتي لا تأتمر بأمر قيادة سياسية سرية، يكفى أن ننظر إلى رؤية فرويد لآفاق الطابع الدولي لحركة التحليل النفسي. فهو يقرر في كتابه عن تاريخ حركة التحليل النفسي “… إنه لمن الواضح أن القتال من أجل التحليل النفسي ينبغي خوضه حتى نهاية فاصلة، حيث تتعاظم المقاومة التي يواجهها، أي بالتحديد، في البلدان ذات الحضارات القديمة…”. ويستطرد قائلا ” وموقف فرويد من الصهيونية غنى عن البيان. وهو موقف لا يتعارض بحال مع ما هو معروف عنه من إلحاد صريح. ولقد نشر بيتر جاي المحلل النفسي، وأستاذ التاريخ في جامعة يال عام 1987 كتابًا بعنوان بالغ الدلالة: “يهودي لا إله له: فرويد، والإلحاد، وخلق التحليل النفسي”. ويشير المؤلف، وهو أيضًا شأنه شأن فرويد يهودي ألماني ممن عانوا من العسف النازي، يشير إلى أنه رغم أن التحليل النفسي ليس علمًا يهوديًا، إلا أنه “حركة يهودية” قامت على أكتاف يهود ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم يهودًا .فالصهيونية في النهاية ليست موقفًا دينيًا يهوديًا على عكس ما يشيعه غالبية أنصارها، بل إنها موقف فكرى عنصري يقوم على التسليم بتمايز اليهود عن غيرهم، وعداء هؤلاء الأغيار لهم، وأن حل تلك المشكلة لا يتأتى إلا بتمسك اليهود بيهوديتهم، وتأكيد تمايزهم، ومقاومة أية مساعي لدمجهم في مجتمعاتهم الأصلية. وبالتالي فليس ثمة تعارض البتة بين الإلحاد والصهيونية. وبالفعل فإن إلحاد فرويد لم يمنعه من تأكيد انتمائه إلى اليهودية، بل والتزامه بالصهيونية، فكراً وتنظيماً. لقد أنضم فرويد إلى جمعية “بناى بريث” (أبناء العهد) الصهيونية منذ عام 1895، أى وهو فى سن التاسعة والثلاثين، واستمرت عضويته فيها طوال 44 عاماً حتى وافته المنية. كما ظل مواظباً لعدة سنوات، على حضور اجتماعاتها نصف الشهرية، وفيها ألقى أولى محاضراته عن تفسير الأحلام. ولقد عرفت له الجمعية الصهيونية فضله، فاحتفلت في السادس من مايو1926 بعيد ميلاده السبعين. وكان خطاب فرويد في هذه المناسبة بالغ الدلالة والوضوح، حيث ورد فيه: “… إن كونكم يهوداً لأمر يوافقني كل الموافقة، لأنني نفسى يهودي.. إنني مدين بالفضل لطبيعتي اليهودية فيما أملك من صفتين مميزتين لم يكن في وسعى الاستغناء عنهما حيال حياتي الشاقة… فلأنني يهودي، وجدت نفسى خلوا من التحيزات التي ضللت غيرى وحالت دون استخدام ملكاتهم الذهنية. وكيهودي، كنت مستعداً للانضمام إلى المعارضة وللتصرف دون موافقة الأغلبية الساحقة. وهكذا وجدت نفسى واحداً منكم، أقوم بدوري في اهتماماتكم الإنسانية والقومية. واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثت الأصدقاء القليلين الذين تبقوا لى على الانضمام إليكم…” ولكن الأمر بالنسبة إلى فرويد كان مختلفاً تماماً. فهو لم يكن مجرد عالم يهودي ملحد ينتمى الى الفكر الصهيوني ويتعاطف مع المنظمات الصهيونية القائمة، بل انه قد تفرد بإقامة تنظيم صهيوني جمع فيه باقتدار، بين أسس التنظيم السياسي السرى، والهدف الصهيوني المتميز، في غلالة علمية جذابة حاكتها، فأحكمت نسيجها يد دربة وعقل عبقري.
ثم قدم لنا في الدراسة الخامسة رؤية نفسية عن شارون رئيس وزراء إسرائيل وجرائمه وعنفه ومذابحه التي هدفت لتقوض المقاومة الفلسطينية وكسر روحها ثم الحديث عن الصهيونية وعلاقتها ببعض الإيديولوجيات وموقف العالم العربي وقرارات الجامعة منها وكيفية التعامل معها مستقبلا.
سابعا: كتاب ” كتابات في علم النفس السياسي ()” وضع المؤلف افتتاحية شاملة لموضوع علم النفس والسياسة في مصر أشار فيه لعلاقته الشخصية بالسياسة فيقول: بدأت تلك العلاقة في منتصف الخمسينيات حين التحقت بالجامعة كانت مصر تشهد تبلور ملامح يوليو 1952 كان غبار أحداث ما عرف بأزمة مارس لم يهدأ بعد ، وقبلها كانت أحداث كفر الدوار كانت كلمات الديمقراطية والإقطاع والاحتلال البريطاني والثورة بل والإسلام أيضا تتردد مختلطة بأسماء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وخالد محيي الدين وأيضا خميس والبقري عمال كفر الدوار الذين تم إعدامهم وعدلي لملموم نموذج الإقطاعي الذي حوكم وسجن وفي مثل هذا المناخ تزدهر عادة التساؤلات الكبرى عن حركة التاريخ وتوجهات المستقبل . وهنا كانت بداية تعرفي على الماركسية وعلى التحليل النفسي معا ، لقد بدت لي الماركسية الجديدة المتألقة مع اتجاهات الفرويديين الجدد بمثابة المصدر النموذجي للإجابة على التساؤلات الوطنية الكبرى التي كانت تشغل جيلي آنذاك ومضيت في طريقي إلى أن وقعت واقعة يونيو 1967 وعندها ارتجف الفكر واهتز اليقين وكان الألم أكثر عمقا وتكشف لي سذاجة التصور عن إسرائيل المزعومة وبدأت أتلفت حولي كمتخصص في علم النفس بحثا عن سبيل للتعرف على ذلك المجهول “إسرائيل” ووجدتني غارقا منذ ذلك الحين فيما خضم علم النفس السياسي . وهكذا حدث التشابه بين كل من فرويد وفونت ووليم جيمس فكلهم أنتج علما وسط تيارات فكرية وعلمية وسياسية مستعرة وكان ذلك العلم مربطا بتلك التيارات والصراعات .
وقدم المؤلف تعريفا لعلم النفس السياسي مفاده أنه ذلك الفرع من فروع علم النفس الذي يقع على منطقة التماس بين علم النفس والسياسة ، يتفاعل مع السياسة أخذا وعطاء ، ينقل من السياسة لبقية فروع علم النفس الأرضية التاريخية السياسية اللازمة لفهم وتفسير نشأة وتطور وذبول النظريات والتطبيقات النفسية، وينقل إلى السياسة من التقنيات والنظريات النفسية التي تساعد الساسة على تفسير الظواهر السياسية ، وتفيد الخطط السياسية في الحرب والسلم على السواء ومن ثم فإن لعلم النفس السياسي دور في تزويد صاحب القرار بما يلزمه من بيانات موضوعية تتعلق باتجاهات الرأي العام المحلي والعالمي الراهنة والمتوقعة بحيث يضمن للقرار السياسي أكبر قدر ممكن من التقبل والتأثير .
وإذا كان علم النفس مرتبط بالسياسة في العالم ففي مصر أيضا كان هناك ارتباك بينهما حيث قام علم النفس في مصر على أكتاف ثلة معدودة من الرواد لعل في مقدمتهم يوسف مراد ومصطفى زيور الذين اصدر مجلة علم النفس عام 1945 واستمرت حتى فبراير 1953 وموضوعات المجلة مملوءة بالموضوعات السياسية مثل موضوعات تتعلق بالجيش وحرب 1948 وساهم يوسف مراد في إدخال الخدمة النفسية في الجيش أيضا وقدم أحمد زكي صالح وعبدالعزيز القوصي خدماتهما لحركة الضباط الأحرار وظل مصطفى زيور ومصطفى سويف بالرغم من تنافرهما العلمي في مدرستين متباينتين إلا إن موقفهما السياسي كان موحدا من دعم الحرية السياسية ورفض قيام إسرائيل . وعن علم النفس السياسي في الوقت الراهن يقول : تأسست رابطة علم النفس السياسي عام 1978 وبلغ حجم عضويتها 1300 عضو وتصدر الرابطة فصلية ومؤتمر سنوي وانبثق عنها الدعوة لتأسيس فرع الدبلوماسية وعلم النفس عام 2000 ويتطلب مجموعة من المعارف والمعلومات يجب أن يتزود بها الدبلوماسي في عمله .
ويضم الكتاب عددا من الأبواب والموضوعات جاءت متناثرة في كتب أخرى ولكن عددا آخر منها لم يسبق عرضه فيما سبق وهذه الموضوعات هي : العلم والتفكير العلمي والإرهاب وفيه استرعى انتباهه أن قادة التنظيمات الإرهابية من دارسي كليات لقمة الطب والهندسة وفسر ذلك بكونهم من الذين علموا أحادية الرأي والرؤية من خلال دراستهم للعلوم الطبيعية ون مقرراتهم الدراسة تخلو من مواد تتعلق بالتفكير العلمي والتدريب عيه ، أو المنطق أو مناهج البحث أو الفلسفة أو العلوم الإنسانية بعامة . ودراسة حول العنف السياسي والديني خلص منها إلى أن محاولة القضاء على الأفكار بدعوى اجتثاث الجذور الفكرية للعنف أو للعنف المضاد ليست سوى أوهام تدحضها حقائق العلم والتاريخ معا ، فحين تحاول السلطة ذلك فإنها لا تنجح في المدى البعيد في القضاء على أي من الفكر أو السلوك وكذلك فحين يحاول المتمردون على السلطة توجيه رصاصاتهم إلى من يعتبرونهم بمثابة رموزها الفكرية فإنهم يغامرون بتعريض مجمل مسعاهم للانتكاس. وحول طريقة معالجة أثار العنف والتعصب تبنى المؤلف طريق الرصاصة مقابل الرصاصة والفكرة مقابل الفكرة والقبول بحق الأفكار جميعا في التعبير عن نفسها مهما كانت درجة الاختلاف معها أو النفور منها بما يتضمنه ذلك القبول من تسليم واع بما سوف ينجم عنه من فوضى فكرية ، إن فوضى الأفكار أقل ضررا من إرهاب العنف وضجيج الكلمات مهما كان ما يسببه من إزعاج أهون كثيرا من صوت لعلة الرصاص .
وحول الشخصية العربية تناول المؤلف مقومات وخصائص الشخصية العربية والصور النمطية المأخوذة عنها ، وبداية دراسة الجماعة وخصائصها ربما كانت مع كتاب لازاروس وستاينتال بعنوان سيكولوجية وفلسفة الشعوب وكتاب فونت بعنوان علم الأخلاق دراسة في حقائق وقوانين الحياة الروحية وكتاب ماكدوجل بعنوان عقل الجماعة وكتاب جينزبرد بعنوان سيكولوجية المجتمع وكتاب باركر بعنوان الطابع القومي والعوامل المساهمة في تكوينه . وكانت كل تلك البحوث تحاول استكشاف متعمق لمجتمعات منفردة وبعد ذلك حاولت خدمة أهداف سياسية مباشرة بما فيها الحروب العالمية التي شهدنها تلك الفترة من القرن العشرين ، وتضمن البحث الحالي تحليل لمضمون التنشئة الاجتماعية باعتبارها بوتقة الانتماء للإنسان العربي , وعوامل تماسك الجماعة العربية وتناقص قدرة الجماعة على الإشباع لحاجات الأفراد كسبب مباشر لتهديد التماسك واكتساب الجماعة خصائص كريهة وأهمية الموقع الجغرافي وخصائص السكان في العالم العربي وعوامل تجمع العرب كاللغة والإسلام والتاريخ الواحد والجغرافيا السهلة .