أتى صوت الهاتف من أعماق جب سحيق، وكان صداه اللحوح يتردد في أرجاء ذلك القصر الفخم الذي يسكنه أمين، وكأنه يصر أن يقطع عليه استمتاعه بذلك السيجار الكوبي الفخم الذي بدأ للتو في سحب أولى أنفاسه، وبعدما تواصل إلحاح الهاتف اللعين، نظر أمين بتململ إلى أولئك الحسنوات من حوله واللاتي يعملن على خدمته وتلبية حاجياته، كانت نظرة مضطر، أرغمته الظروف على الوداع، فمد يده اليمنى على استقامتها يبحث عن ذلك الهاتف اللعين على الكومود الذي يجاور سريره العتيق، بعد أن قطع عليه واحد من أجمل أحلامه، نظر للهاتف بين الصحو والنوم وهو يحاول أن يفيق من غفوته وأحلامه فإذا به رقم مجهول، فتح الخط وقال بصوت متحشرج:
> ألو
>> مساء الخير يا فندم، مع حضرتك محمد سعيد خدمة عملاء البنك المركزي.
> إيه؟؟؟
>> البنك المركزي يا فندم .. خدمة العملاء.
> بنك إيه اللي عايزني؟ برا عني أنا الحوارات دي؟
>> حوارات إيه يا فندم؟ مفيش مع حضرتك فيزا كارت؟
> فيزة إيه ياعم؟ بقولك سوليطي موليطي؟ على الله يا دولي، ولو جالي حسنه بكمرها تحت البلاطة.
>> كلنا على الله يا هندسة، وحلو بردو موضوع البلاطة دا، البنوك دلوقتي كلها حوارات وهسس.
> أيوه سمعت أنا الحوار دا، البنوك فيها حوارات مش تمام، بيقولك نصبوا على بنك الكريكول دا، صح بنك الكريكول؟
>> يا باشا هما بينصبوا على كل البنوك.
> وانت متصل بيا عشان تنصب عليا؟
>> حاولت بس فشلت!
> انت يعني من النصابين اللي بيشتغلوا الناس؟
>> أيوووه.
> يا لعيييب، وانت يعني جاي مع واحد واقع، على باب الله مش لاقي اللضا.
>> يا عم لو محتاج أحولك ولا يهمك.
> لا يا اسطى انت لو محتاج ١٠٠ جنيه ولا ٢٠٠ جنيه أحولك يا اسطى عادي، بس أقولك بلاش تنصب على الناس، ولا أقولك الناس اللي معاها فلوس ومريشة انصب عليها عادي، بس اللي تكسبه طلع نصه لله عشان ربنا يباركلك.
>> حلو بردو.
> ماشي يا اسطى، الله يباركلك، اسمك ايه بقا؟
>> محمد سعيد
> لا الحقيقي بقى.
>> شريف نزيه
> ماشي يا اسطى ولو احتاجت أي حاجه كلمني، وانا هشوف ناس بردو ابعتهالك ونصص سوا.
>> الله عليك يا كبير، علي النعمة انت فوق العظمة.
أغلق الخط ولكنه فتح من وراءه ألف خط وخط، يرسمون خطة مكتملة التفاصيل، الخطة التي ستضع نهاية لحالة الفقر والضنك التي يعاني منها لسنين، وما أن اختمرت تلك الخطة في دماغ أمين حتى أمسك بهاتف المنزل لكي يبدو رقم الاتصال أكثر مصداقية، وهداه تفكيره أن الأرقام المنمقة الرنانة لابد أن أصحابها كذلك منمقين وجيوبهم حبلى بالكروت والأموال، فضرب الرقم الذي أهداه له القدر وراح يراجع في ذهنه ألف مرة أثناء الرنين السيناريو الدقيق الذي يشبه إلى حد كبير سيناريو شريف إلى أن أتاه من الطرف الآخر صوت رخيم تبدو عليه كل علامات الثراء الفاحش.
>> ألو
> مساء الخير يا فندم، مع حضرتك محمد سعيد خدمة عملاء البنك المركزي.
>> والله
> أيوه يا فندم، حضرتك معاك فيزا كارت.
>> أيوه طبعا تحب أمليك رقمها.
> يا ريت يا فندم الرقم بالكامل والاسم وتاريخ الانتهاء والرقم اللي بيبقى في الظهر.
>> طبعا يا حبيبي الاسم: عادل العشماوي؛ لواء بإدارة المباحث العامة، وبالنسبة لرقم الفيزا والرقم اللي في الظهر خليك يا حبيبي في البيت زي ما انت أنا جايلك أنا والرجالة لحد عندك أديك الفيزا بنفسي.
* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصية حقيقية.
المصدر الجمهورية