د.خالد عبدالغني: رأيت رضوى عاشور مرة واحدة، وظهر تمردها على السلطة في شخصية سوسن
حوار: “سهير الطويل”
الدكتور “خالد عبدالغني” واحد من الذين أسهموا إسهامات جادة في علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي الإكلينيكي للأدب حتى أصبح من كثرة أعماله التي تجاوزت المئة مقال ودراسة في التحليل النفسي الإكلينيكي للأدب والفكر الثقافي مؤسسا لهذا التيار الذي بدأت إرهاصاته تتشكل لديه في بداية التسعينيات من القرن العشرين عندما قدم تحليلا نفسيا إكلينيكيا لواحدة من الشخصيات الموجودة بكتاب “البخلاء” للجاحظ، وعن واحدة من تجاربه في هذا المجال نتحدث معه حول الروائية والأكاديمية الراحلة د.رضوى عاشور وروايتها خديجة وسوسن يقول الدكتور خالد عبدالغني: كان اهتمامي بجدل السلطة الوالدية والتمرد عليها في رواية “خديجة وسوسن” لـلروائية رضوى عاشور ويتسم إنجاز رضوى عاشور الروائي في كليته بالتركيز على قضايا الانتماء وبروز الموقف السياسي والوعي بالقضية الاجتماعية والقومية والأيديولوجية وبمعنى أكثر تحديدًا علاقة الرواية بالتاريخ والسياق السياسي الاجتماعي وأبرز أعمالها في ضوء هذا الفهم ثلاثية غرناطة. والمتأمل فيما كتبت رضوى عاشور منذ رواية الرحلة “أيام طالبة مصرية في أمريكا” 1983. وحَجَر دافئ 1985. وخديجة وسوسن 1987. ورأيت النخل1987. وسراج 1992. وثلاثية غرناطة 1995. وأطياف 1999. وتقارير السيدة راء 2001. وقطعة من أوروبا 2003. وفرج 2009. والطنطورية 2010. سيجد ذلك الوعي بالتاريخ والقضايا الاجتماعية والسياسية متضمناً في تلك الروايات جميعها بلا استثناء، ولذا لا نجد غرابة حين تقرر بنفسها وتقول: إذا كانت الكتابة مجرد قناع أيديولوجي فلابد أنها رديئة جدًا، وبالمناسبة ففي كل كتابة قدر من الأيديولوجيا، لكن اختزال الكتابة إلى مجرد إيديولوجيا يعني قتلها وتحويلها إلى أفكار غير أدبية. النص الأدبي عندي ـ فيما أعتقدـ نص متعدد المراكز ومتعدد الأصوات ويحتمل التناقض والتشظي ويحتمل أشياء كثيرة، فالقول بأنه أيديولوجيا مقنعة يعني إفقاده ثراء الفن والعديد من العناصر المشكلة لهذا الثراء، أما القول بأني مهمومة سياسيًا فهذا حقيقي، وهو بالمناسبة قاسم مشترك بين كتاب عديدين في الداخل وفي الخارج، أما عن ثلاثية غرناطة فتقول : بدأت في هذه الرواية بعد قصف بغداد سنة 1991، كنت أجلس هنا في القاهرة أمام التلفزيون أشاهد القصف، ورأيت امرأة عارية، وقد تستغرب أن هذا المشهد أتاني ولم أكن أفكر في غرناطة، لكن الخوف مما هو مقبل في ذلك الزمان دفعني للكتابة، الخوف من الاندثار، من الانقراض هو الذي دفعني للبحث عن المراحل التاريخية المشابهة، كان هذا الخوف مقبلًا فبدأت أقرأ عن سقوط غرناطة، ولم يكن ذلك بهدف الكتابة، وإنما لأعرف ما الذي يحدث، قرأت كل ما أمكنني الحصول عليه، لأنني قلقة وخائفة، وأريد أن أعرف، وبعد أكثر من سبعة أشهر فوجئت أن داخلي كتابة، وأنني على وشك كتابة رواية، وعندما جلست للكتابة وجدتني أرسم المشهد الذي رأيته بعيني في ذلك اليوم من أيام أواخر يناير سنة 1991، وأنا جالسة أمام التلفاز أشاهد قصف بغداد، وكأنها صورة تطير، أو كأن المرأة العارية تشي بهول مقبل هذه رواية تتعامل مع نفي وقمع شعب، وتتحدث عن التضييق على عرب الأندلس وتحويلهم من شعب حاضر وله سلطته وكيانه إلى مجتمعات هامشية عليها أحد خيارين، إما الهجرة أو الاختفاء في الزوايا .”
وقال خالد عبدالغني عن رواية خديجة وسوسن:” هي رواية عن جدل السلطة والتمرد عليها تأخذ من حياة أم (خديجة) وابنتها (سوسن) ستارًا لتعبر عنه، وهي (الرواية) أيضًا تلتقط شيئاً من ملامح تاريخنا الراهن في فترة الستينيات والسبعينيات، فخديجة زوجة لطبيب مشهور أنجبت منه ثلاثة أبناء (زينب وسوسن وسعد)، أدارت خديجة مستشفى خاص بزوجها، كانت خديجة متسلطة في رأيها طوال فترة تربية أبنائها فأما زينب فتزوجت وأنجبت وعاشت حياتها بشكل تقليدي، وأما سوسن فكانت طفلة مشاغبة ومتمردة على أمها وانضمت لجماعة معارضة سياسيًا أثناء دراستها الجامعية وما بعدها، عاشت تجربة الحب وفقدته، وأما سعد فأجبرته أمه على دراسة الطب ولكنه سافر إلى الخارج وانتحر وعاد ملفوفاً في كفنه، بعد موت الأب (كمال) تكتشف سوسن أنه كان متزوجًا من امرأة كان يحبها منذ أيام الطفولة ولكنه تزوجها بعد أن تزوج من خديجة وأخفى ذلك الزواج عن المجتمع طوال عمره ولم تعلم به خديجة، وفي الرواية تظهر أحداث نكسة 1967 وموت جمال عبد الناصر 1970 وحرب أكتوبر 1973 واغتيال أنور السادات 1981، وتأثير تلك الأحداث على شخصيات الرواية ومواقفهم منها وانفعالاتهم تجاهها. وصحيح أن الرواية بها الكثير من الْهَمْ التاريخي والواقعي للمجتمع المصري وهذا ما لا تنفيه رضوى عاشور عن مشروعها الروائي، ويؤكده معظم النقاد الذين تناولوا أعمالها بالتحليل.”
وحول أهداف قراءته النقدية النفسية هذه الروية يقول الدكتور خالد عبدالغني : كان هدفنا من دراستنا هذه هو اكتشاف الخصائص النفسية لبعض شخصيات الرواية مثل (خديجة وسوسن)، ومعرفة كيف تأثرت خديجة من خلال تربيتها هي نفسها وبنائها النفسي، وأثرت في تمرد أبنائها (سوسن) عليها وعلاقة ذلك بالترتيب الميلادي لها. وهل خديجة كانت طفلة محبطة ومقهورة أمام السلطة الوالدية؟ ومن ثم فلم يكتمل نموها النفسي بعد فكانت رمزاً لاسم خديجة. وهل تكون سوسن بتوافقها النفسي الذي يسعى للاستثارة وفضها، ومسئوليتها الاجتماعية وانشغالها بقضايا الوطن والمشاركة السياسية في التنظيمات القائمة تكون دلالة على معاني اسم سوسن؟. وهل تكون سوسن رمزًا لرضوى عاشور في سنوات شبابها ؟ سنرى… وسنعمد في دراسة شخصية خديجة إلى تحليل حلم يقظة والتخييل الذي صاحبه، وحلم عانقت فيه صديقًا قديمًا لها، وكابوس كانت تقوم منه باكية وعلاقتها الزوجية. وأما سوسن فسنعمد إلى تحليل مواقفها في علاقتها بالأم وبالأحداث السياسية وتحليل أحد أحلامها لنرى ذلك الجدل بين السلطة (خديجة) والتمرد (سوسن)
وبعد عرضه لنتائج دراسته قال الدكتور “عبدالغني” لقد حُسِم الجدل الدائر بين السلطة والتمرد في هذه الرواية حيث يستمر المتسلط في أداء دوره في قمع من هم دونه، ويقوم المتمرد بالدفاع عن وجوده وقيمه بالاعتراض الدائم عليه وتجنبه ما أمكن ذلك واتخاذ أساليب مضادة لمواجهته، واللجوء للعمل السري – كل ذلك من عمل الشعور، وفي اللاشعور يقوم بإخفائه أو التخلص منه نهائيًا بالموت وإن لم يكن بفعله المباشر عن طريق القتل ولكن عن طريق الموت العادي، وفي هذا دلالة على أن المتمرد في أعماقه ليس عدوانيًا وليس مصابًا بكراهية المجتمع فيكون مضادًا للمجتمع ولكنه راغب في الإصلاح في ظل واقع صعب يصيبه بالإحباط حينًا وبالنجاح حينًا آخر. إن خديجة وسوسن رواية عبرت بعمق عن ذلك الجدل بين السلطة والتمرد في شكلها الأولي المتمثل في علاقة أم بابنتها ثم ما نلبث أن نكتشف بالتحليل الدقيق أنه جدل يمتد ليشمل السلطة في أوسع معانيها ويضم التمرد في أوسع نطاقاته أيضًا.
هل رأيت رضوى عاشور؟ يقول د.خالد عبدالغني :”رأيت رضوى عاشور مرة واحدة في عام 1995″.