رن هاتف المنزل الداخلي الذي يسمى “إنتركم” ومجازًا يسميه المصريون “دكتافون” على الرغم من بُعد المعنى والوظيفة، كانت “سمر” تتوقع هذا الاتصال في هذا الوقت، فهو الوقت المحدد لعودة نور من المدرسة، وكان الحاجب على باب البناية يبلغها أن إبنتها قد ركبت المصعد في الطريق للمنزل.
لم تنتظر سمر وهرعت إلى الباب تفتحه لملاقاة قرة عينها نور، لتضمها وتحتويها لعلها ترفع عن كاهلها بعض عناء وأرق يومها الدراسي، وبالفعل استقبلتها بود وحب غامرين، يليقان بملكة أمها المتوجة كما تحب سمر أن تنادي إبنتها.
وبعد مراسم الاستقبال الملكية المعتادة، من استحمام وتمشيط وتبديل ملابس وطعام وشراب، أتت فقرة النكد اليومي، وكيف لا تكون نكدًا وكربًا وهمًا ونور في عامها الدراسي الأصعب والأخطر، بل إن هذه السنة الدراسية ذاع صيتها في بر مصر بأكمله ليغطي على صيت الثانوية العامة، ليتربع الصف الرابع الابتدائي على عرش الأصعب في مصر؛ بحسب منصات التواصل الاجتماعي بالطبع.
وبدأت سمر كعادتها في استكشاف الواجبات والفروض والنشاطات المنزلية التي يتوجب عليها إنجازها مع نور وكانت الأمور طبيعية – إلى حدٍ ما – إلى أن فتحت ورقة النشاط المنزلي الخاص بمادة العلوم وبدأت في قراءتها، وهنا بدأت ملامح الدهشة ثم عدم التصديق ثم الإنكار ثم الفزع ترتسم على وجه سمر، وكانت نور تراقب هذه التطورات المفاجئة والصادمة على محيا أمها فسألتها:
> مالك يا ماما؟ في إيه؟
>> نور يا حبيبتي؛ مين إداكي ورقة النشاط دي؟
> الأستاذ سعيد يا ماما.
>> متأكدة يا بنتي؟ ما يكونش اداكي الورقة بالغلط؟
> لا يا ماما إدانا كلنا نفس الورقة، هي فيها إيه يا ماما؟
>> فيها مرار طافح يا حبيبي؟
> يعني إيه مرار طافح يا ماما؟
>> يعني نشاط العلوم يا حبيبتي.
> هنعمل فيه إيه يا ماما المرار الطافح دا؟
>> عايزينك تعملي كوبري مشاه للسحالي في الصحرا يا حبيبتي.
> يعني إيه كوبري مشاه يا ماما؟
>> هار اسوح! إنت أصلا مش عارفه يعني إيه كوبري مشاه! أومال هتفهمي إزاي إنه للسحالي وفي الصحرا؟
> يعني إيه سحالي يا ماما؟
>> يعني مرار طافح يا حبيبتي.
هنا ظهر الخطأ ٤٠٤ الشهير على وجه نور، دلالة على عدم الفهم واستحالة الاستجابة، فهدأت سمر وأخذت تكلم نفسها:
>> إهدي يا سمووره، يا حلوه يا أمووره، تقدري يا قمر تقدري، خدي نفس من بؤك وطلعيه من مناخيرك وريلاكس كده، إنتي بطلة يا سمووووورة، بطلة، يا رب، المدد من عندك يا رب.
وبعد الكثير من الشهيق والزفير الذي ارتفع صوته حد النحيب والشخير، والمزيد من الأدعية والآيات والحوقلات خاطبت نور بهدوء والتي كانت لا تزال على حالتها:
>> بصي يا ملكة أمك المتوجة، في حيوان من الزواحف في الصحرا اسمه سحلية، شبه البرص كده يا حبيبتي، عارفه البرص.
> أيوه يا ماما، اللي بابا بيجيبه من عالحيط بالشبشب.
>> بالظبط يا روحي، السحالي دي بقا بتعيش في الصحرا، والصحرا دي يا قلبي كبيرة جدا فيها جبال وهضاب وصخور، إحنا بقا عايزين نساعد السحالي دي ونعملها كوبري مشاه عشان تعرف تعدي من على الصخور دي.
> يعني إحنا المفروض نساعد السحالي دي يا ماما مش نضربها بالشبشب؟
>> أيوه يا روحي.
> يا خبر ابيض يا ماما! كده بابا هيخش النار عشان بيضرب الحاجات اللي المفروض نساعدها.
>> إن شاء الله يا حبيبتي، ما تقاطعيش بس، المهم إحنا عايزين بقا يا نور يا أمورة يا قمر إنت، نعمل للسحالي دي كوبري تعدي من على الصخور.
> يا ماما دا البرص دا بيمشي على الحيطة وفي السقف، مش هيعرف يمشي على الصخور؟
>> لا ما هو كده كتير .. كتيييير.
انطلقت سمر وهي تنفخ وتضجر من أسئلة إبنتها المحرجة التي لا تجد المنطق المناسب لإجابتها، وأمسكت هاتفها تحدث زوجها:
>> ألو.
>> يا حسن، هات لنا معاك سحالي وانت جاي.
>> أيوه سحالي.
>> أطبخ سحالي إزاي يا جدع؟ سحالي بلاستيك يا عم بلاستيك، وهات كمان قطع خشب صغيرة.
>> أنا عارفه بقا، اتصرف، هاتها من أي محل لعب.
>> نشاط العلوم عند الست نور يا سيدي، ربنا يعدي رابعة ابتدائي دي على خير قبل ما تعدي علينا زي القطر.
>> سلام.
عادت سمر لإبنتها نور تحاول من جديد محاولات لا جدوى منها ولا طائل في إفهامها طبيعة النشاط والهدف منه دون أن تقتنع أيًا منهما بالنشاط في حد ذاته أو الغرض منه.
وبعد ساعتين من المجادلات التي تشبه مفاوضات بين وفدين إحداهما من الصين والآخر من نيكاراجوا من دون وجود مترجم، رن هاتف سمر من جديد فأجابت:
>> أيوه يا حسن، لاقيتها؟
>> يعني إيه شاحه في السوق؟ دي سحالي بلاستيك؟
>> هو إيه اللي سحلية ب ٤٠٠ جنيه؟ طيب هاتها وخلاص هنعمل إيه يعني؟
>> طيب انت بتتعصب عليا ليه أنا ذنبي إيه؟
>> إنت بتهددني بالطلاق يا حسن؟
هنا سقط الهاتف من يدها فجأة، قبل أن تدور الدنيا من حولها ثم تسود فتسقط سمر أرضًا.
فتنتفض فجأة من أثر السقطة وتفتح عينيها لتدرك أنه كان كابوسًا مزعجًا سببه له منشورات وترندات منصات التواصل التي تتابعها عن كثب، تلك الترندات التي ملؤها الزيف والكذب لغرض واحد هو الانتشار.
حمدت سمر الله على حالها، فهي مازالت بكر ولم تتزوج إلى الآن وقالت وهي تتضرع إلى السماء:
>> الحمد لله يا رب على نعمة العنوسة، ديمها علينا يا رب.
ثم صاحت:
>> مش عايزة اتجوز، مش عايزة اتجوووووز.
* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.
المصدر الجمهورية