من عتباتِ النصِ إلى الرحم الآمن
قراءة نفسية في “أنامُ بين قَوْسَيْن” لسهير الطويل
د. خالد محمد عبدالغني
لم أكن يومًا ممن يهتمون بقضيةِ عتباتِ النصِ. إذ كيف نحاسبُ الشاعرَ على غلافٍ لم يصممه هو نفسه وعلى عنوانٍ ربما لم يكن حرًا في اختياره ولا إهداءٍ قد تفرضه عليه ضروراتٍ كثيرةٍ. ولكن برغم موقفي هذا؛ إلا إن هذا الديوانَ “أنامُ بين قَوْسيْنِ ” للشاعرة سهير الطويل والصادر منذ أيامٍ؛ جعلني أحاول الاستفادةَ من ذلك التوجه النقدي. ولكن من خلالِ توظيفِه نفسيًا، بل وتطبيقه على البناء النفسي للشاعرة نفسها وما تكابده من معاناةٍ أو آلامٍ خلال عملية الإبداعِ لهذا النص الشعري. ولقد اهتمت مناهجُ النقدِ الحديثةِ بعتباتِ النصِ أو النصُ الموازي، لما تمثله من أهميةِ كونها، هي الجسرُ الأولُ الذي يعبره القارئُ نحو العمل. فكان “جيرار جينيت” من السباقين في تبني قضيةَ العتباتِ عبر دراساتٍ معمَّقةٍ على مستوى التنظيرِ، والخلاصة أن العتباتُ هي كل ما يحيطُ النصَ من عنوانٍ وغلافٍ و إهداءِ أو كلمةُ ناشرٍ أو حتى من مقابلاتٍ مع الكاتبِ أو دراساتٍ حول النصِ.
ولعتباتِ النصِ وظيفتان:
وظيفةٌ جماليةٌ تتمثل في تزيينِ الكتابَ وتنميقَه، ووظيفةٌ تداوليةً تكمن في استقطابِ القارئَ واستغوائِه فتشجعه على تصفحِ الكتابِ في البدايةِ ثم الاقتناعُ بالكتابِ واقتنائِه. ويعتبرُ العنوانُ أولَ العتباتِ وأهمِها، حيثُ هو أولُ ما تقع عليه عين القارئِ، فإن شدّه العنوانَ أخذَ الكتابَ ليتصفحه و إن لم يشُدّ انتباهِهِ فإنه لن يمسك الكتابَ أصلاً. و هكذا فإنه يقومُ بعملٍ (دعائيٍ) للكتابِ. وكما قال “محمد مفتاح” عن العنوان: ” العنوانُ معرفةٌ لضبطِ انسجامِ النصِ وفهمُ ما غمُض منه، إذ هو المحورُ الذي يتوالدُ ويتنامى ويعيدُ إنتاج نفسِهِ، وهو الذي يحددُ هويةَ العملِ. فهو إن صحت المشابهة – بمثابةِ الرأسِ للجسدِ -، والأساسُ الذي تُبْنى عليه،غير أنه إما أن يكونَ طويلًا فيساعد على توقعِ المضمونِ الذي يتلوه، وإما أن يكونَ قصيرًا.
والعنوانُ هنا “أنامُ بَيْنَ قَوْسَيْنِ” ولابد من معرفةِ دلالةِ النومِ ومعناه ووظائفه حتى نستطيعُ فهمَ المقصودَ منه؛ النومُ نكوصٌ بدنيٌ إلي مرحلةٍ مبكرةٍ وعودٌ قدرُ المستطاعِ إلي مرحلةِ ما قبل الميلادِ، -وهي المرحلةُ الجنينيةُ داخِل الرحمِ- ويعتبرُ النومُ سيكولوجيًا نكوصًا إلي مراحلٍ أوليةٍ ، وبخاصة المرحلةُ التي يصِفُها بالنرجسيةِ البدائيةِ والإشباعِ الهلاسي للرغباتِ، أما من حيث أنه نكوصٌ إلي مرحلةِ النرجسيةِ البدائيةِ فإن النومَ يعني أن المرءَ قد صرف كل اهتماماتِه عن العالمِ الخارجي وركزه حول نفسِهِ، إذ تنصرفُ الأنا أثناء النومِ عن العالمِ إلي داخلِ ذاتِها في شكلِ عشقٍ ذاتيٍ نرجسيٍ. ومن هنا جاءت تسميةُ – نرجسيةَ النوم – وفي الإشباعِ الهلاسي للرغباتِ الذي يُعدُّ وسيلةً خاصةً للتعاملِ مع الإثاراتِ الباطنيةِ اللاشعوريةِ التي تتميز بتفوِقِها علي الرقيبِ من حيث قوتها مما يجعلها مثارَ ألمٍ وضيقٍ إذا نجحت في الوصولِ إلي القبشعور أو الشعور. كما أن النومَ حالةٌ تنسحبُ فيها الشحناتِ المفرغةِ علي الموضوعاتِ وتعودُ إلي الأنا مرةً ثانيةً فيه. -النوم- تُعادُ الحالةُ الأولي لتوزيع الليبيدو، أي أن النومَ حالةُ انسحابِ طاقةِ الغريزةِ من موضوعاتِه الخارجيةِ وارتداده إلي منبعِهِ الأصلي؛ وهو الشخصُ نفسُه حيث يعودُ إلى عشقِ ذاتِه أي إلي النرجسيةِ. فالنومُ حالةٌ وسطي بين اليقظةِ والموتِ، وهو غير عضوي؛ لأن الأعضاءَ الحيويةَ تقومُ بأعمالهِا بحركةٍ منتظمةٍ وهي واقعيةٌ -علي الأكثر- تحت سلطةِ العضلاتِ اللاإرادية، وأنه يُعد حالةً يعمد إليها الإنسانَ لإشباعِ حاجتِه للراحةِ، إذ تنقطعُ رغبتُه في معرفةِ الواقعِ. ولذا فالنومُ حالةُ ضعفٍ نسبيٍ للأنا، وتقويةٌ للأنا الأعلى، والهو، ومنحهما القدرةُ للحفزِ والفعلِ وبهذا يكونُ النومُ راحةٌ نفسيةٌ وبدنيةٌ وإشباعٌ للرغباتِ المكبوتةِ. والنومُ هو الحالةُ التي يعمدُ إليها الكائنُ الحيُ لإشباعِ حاجتِه إلي الراحةِ، أو علي وجهِ التحديدِ حاجتَهُ إلي الإغفاءِ، فالنومُ الهادئُ الخالي من الأحلامِ هو أقصى ما يستطيع أن يصل إليه كائنٌ حيٌ من خفضٍ للتوترِ، والنائمً تنقطع رغبتَهُ في معرفةِ الواقعِ، وبذلك فإن النومَ يُعتبرُ حالةَ ضعفٍ نسبيٍ للأنا وتقويةً نسبيةً للمنظمتين الأخريتين للحفزِ والفعلِ، وهما الهو والأنا الأعلى. ومن الناحيةِ التكوينيةِ يخلعُ “فرويد” على النومِ معنى العودةِ إلى الحياةِ السابقةِ على الميلادِ: “نحن ننشئُ لأنفسِنا بالأحرى ظروفًا قريبةَ الشبهِ من ظروفِ هذه الحياةِ: الحرارةُ والظلامُ وانعدامُ المثيراتِ. وبعضُنا يَلُفُّ نفسَهُ في لفةٍ (قرفصائية) محكمةٍ ويعطي جسمَه أثناءَ نومِه وضعًا شبيهًا بالوضعِ الذي كان عليهِ في رحمِ أمه. فالنومُ إذن يتضمنُ سيطرةَ الحاجةِ إلى النومِ وضعفَ الحاجاتِ الأخرى. وبالتالي فإن اضطراب النومِ أو النومِ الذي لا يمنحُ الجسمَ الراحةَ المطلوبةَ أو حدوثَ الأرقِ الناتجِ ضغطًا عن التوتراتِ المزعجةِ وظهورُ بعض حالاتِ الأرقِ متأثرةً بالتنبيهاتِ الخارجيةِ كالضوضاءِ أو الهمومِ الشعوريةِ الحادةِ أو الترقبِ المشحونِ بانفعالاتِ لذةٍ أو مؤلمةٍ أو تهيجٍ جنسيٍ بدونِ إشباعٍ أو غضبٍ مكبوتٍ ويغلبُ أن يرتبطَ بإغراءٍ أو خوفٍ من عقابٍ، وقد يكونُ الضعفُ المؤقتُ للأنا مصدرًا للخوفِ؛ بمعنى أن تضعفَ قدرةَ الأنا على الدفاعِ عن نفسِها ضدَ الحوافزِ غيرِ المقبولةِ مثل الهروبُ في الأرقِ، فضلاً عما يتضمنه الأرقُ من معنى العقابِ، ولدى بعضُ الناسِ يتم استخدامُ النومِ كدفاعٍ ضدِ عالمٍ واقعيٍ قليلِ الإرضاءِ، أو ضدِ توتراتٍ مؤلمةٍ فيتجهون لفرطِ النومِ وهو ما يسمى بالهروبِ إلى النومِ.
وجاء القوسان كدائرةٍ منقسمةٍ وكنتِ أنتِ أيْتُها الشاعرةُ بداخِلِها (سهير) للحمايةِ. ولماذا جاء القوسان في حالةِ النومِ ؟ لحاجةِ الإنسانِ للحمايةِ أثناءَ النومِ وللوقايةِ من الأخطارِ، ومن يمكن أن يحمي الشاعرة؟ بالطبع أولادّها الاثنين، فقد كان من الممكن أن تقولَ الشاعرةُ أنامُ بين أقواسٍ، لكن لأن اللاشعور يعرفُ أنهما اثنان جاء ليكون قوسين اثنين.
وهناك كذلك لوحةُ الغلافُ وقد أخرجه الفنان “حسام عنتر”، ويحمل عملًا نحتيًّا بارزًا للفنان “عماد عزت”، وهو نحتٌ لجسمٍ نائمٍ وكأنه في وضعٍ جنينيٍ وكأننا هنا أيضًا أمامَ حالةِ نكوصٍ لمرحلةِ الراحةِ والاعتماديةِ على الأمِ في المأكلِ والمشربِ والدفءِ والأمانِ وهي مرحلةُ الجنينِ حيث رَحِمُ الأمِ ذلك الفردوسُ الآمن دومًا. ويأتي الإهداءُ حيث أهدت الشاعرةُ “سهير الطويل” ديوانَها للشاعرِ “أحمد الشهاوي” متذكرةً فضلِه في عودتِها لكتابةِ الشعر مرةً أخرى بعد انقطاعٍ دام أكثرَ من عشر سنواتٍ. وهي أي الشاعرةُ في حالةِ امتنانٍ لأفضالِ الشاعرِ “أحمد الشهاوي” ومن ثم أثبتت ذلك في الإهداءِ لتقول:
إلى الشَّاعرِ أحمدَ الشَّهاوي
قبسٌ من نِجومِكَ على أنامِلي
طيبٌ من روحِك على قلبي
أبٌ حيث تسعى طُيوري
جناحانُ لشروقِ كلِماتِي
شكرًا لِكَوْنِكَ كونٌ
سلامًا على قلبِكَ
و حياةٌ
ويبدو أن حالةِ الانزواءِ بين القوسين كدلالةٍ على العزلةِ والوحدةِ وجدت ما يعبرُ عنها في قصائدِ الديوانِ إذ تقولُ الشاعرةُ:
جميلٌ أنت تشاركُني الوحدةُ غُرفَتي
لكنَّ النجُومَ التي خبأتُها في رُوحي
وشَتْ بي كثيرًا
فما عُدتُ أغرسُ المِلحَ تحتَ ثيابي
ولا أزرعُ الحُبَّ في سماءٍ
لا تنجبُ المطرَ .
وتذهبُ الشاعرةُ في وحدتِها قمةً شاهقةً إذ تضعُ عنوانًا لإحدى قصائدُها هو: “لمن الموتُ اليومَ” وكأنه الحقيقةُ الوحيدةُ الباقيةُ. وفي هذا الاستخدامِ النفسي الدالُ على الحزنِ وفقدانِ المعنى ما يتناص مع القرءانِ الكريمِ في قولِه تعالى ” لمن الملكُ اليوم” ولكن بتوظيفٍ مخالفٍ للآيةِ القرآنيةِ. وتستمرُ دلالةُ الرغبةِ في العودةِ للحياةِ داخل الرحمِ حين تعبرُ عن ذلك بقولِها “نقفزُ معًا في قبرِ يُوسُف” وما القبرُ إلّا ذاك المكانِ الآمنِ من الصراعاتِ والمخاوفِ والمشكلاتِ، ولكن الشاعرةَ غيرت من مكوناتِ قصةِ يُوسِفَ بأن جعلت مكانَ الجبِ “البئر” قبرًا، يناسبُ حالةَ الموتِ أيضًا الدالُ على فقدانِ المعنى والوحدةِ. ويأتي تناص آخر مع القرءان إذ تقول :
” أَضَعُ على كلِّ جبلٍ قصيدةً لكَ
أدْعُوهَا لِتْأتِيَ إليَّ
فلا قلْبُكَ يحْيَا
ولا لونُكَ عادَ يُمَطّرَ العِشقَ”.
إن تمحورَ قصائدِ الديوانِ بين ثيمتين أساسيتين هما الوحدةُ والموتُ وما يتجلى عنهما من رغبةٍ في الابتعادِ عن الحياةِ بصخبِها، وأحيانًا من ظلمِها، إذ تُعَبِّرُ الشاعرةُ عن ذلك الروحِ المهزومِ فتقولُ :
أيَا كل الكوابيسِ المعلقةِ في نوافذي
اتركي لي نصفَ حياةٍ لأراني
تعلمتُ الصَّمتَ في حضرةِ الحُلمِ
لكنَّ الحُروفَ التي هجرتْ قصائدي
لم تغرُبْ عن صوتي
لا الحُزنُ قادرٌ أن يعارِكَ الموتَ على رأسي
ولا الموتُ قادرٌ أن يقتلَ أحزاني .
وهنا سيتضحُ أن حالةَ النومِ لم تكن مريحةً أو ممتعةً، بل كان بها كوابيسٌ مزعجةٌ تفقد النومَ راحتَه وبهجتَه ووظائفَه الطيبةَ للبدنِ والنفسِ معًا. وهناك ما دعا الشاعرةُ لتكرارِ تناصٍ متعددٍ.
وككثيرَ مع قميصِ يُوسُفَ المفردةُ الأشهرُ والأكثرُ استخدمًا من قِبَلِ الشعراءَ في قصائدِهم، ولكن لأن آليةَ إجبارِ التكرارِ تدفعُ الشاعرةُ لهذا الاستخدامِ فقد جاء على هذا النحوِ إذ تقول:
تبحثُ عن قميصِ نومٍ يواري عشقًا لا دينَ له. ؟
هنا قميصٌ للنومِ وليس قميصًا للسعي والحياةِ، ثم تقولُ: “أخلعُ عن عقلي قميصًا” وهنا قميصٌ يسترُ العقلَ فتريدُ التخلصَ منه لِما له من سيطرةٍ على وجدانِ وعواطفِ الشاعرةِ، وتقولُ أخيرًا: “ولا قميصَ نومٍ لصيفِ قصائدي” وهنا حرمانُ من النومِ الهادِئ بفقدانِ القميصِ الذي يهبُ القصائدَ الحياةَ في حرارةِ الصيفِ.
ولقد تعددت أشكالُ التناص في قصائدِ الديوان من قبيل ” وأنَّ الشُّعراءَ إذا دخلُوا قريةً عمَّرُوها” . و” أستعيذُ بالله من القلمِ الرجيمِ”..
وكذلك تعددت دلالةُ الفقدِ والحرمانِ والوحدةِ والموتِ. لتقولَ في آخرِ قصائدِ الديوان:
“حين يخلعُ الموتُ ثيابَهُ..
سيقفُ عاريًا يرتديني
ينفخُ في رُوحي مخاضَ الليلِ للكوابيسِ.
وفي قصيدة حملت عنوان “أعرِّي ساقيَّ أرفعُهُما للمطرِ” تتأكد رغبة الشاعرة سهير الطويل في نيل الأمان ومواجهة الخطر والخوف الداخلي الناتج عن معركة الحياة والفشل أمام قسوتها فتذهب إلى أن تكون الملائكة مصاحبة لها على سريرها او فراشها الذي تنام فيه فتقول :
” ألملمُ ما تبقَّى من أنفاسٍ
باتتْ على مضْجعِها رائحةُ الملائكةِ”
وليس على أدل من تلك الرغبة للأمان من ذلك الوضع التي تنام فيه الشاعرة على هذا النحول فتقول :
“أحفرُ فيها ثقبيْنِ لأرانِي من بعيدٍ
أنامُ فوق ظهري واضعةً ساقا فوقَ أخرى “.
ولقد تملكت من الشاعرة الرمزية الموحية بدلالة البيت والنوم على الرغبة في الراحة والاستقرار كدفاع أولي للأنا لمواجهة الخوف والقلق فتمتد تلك الدلالة لتشير إلى البرزخ والكهف والفنجان وكلها أشياء تشير إلى السكينة والمتعة والراحة المتمناة إذ تهرب من مواجهة الواقع بفعل الطيران الذي تتجاوز به الأنا الواقع فتقول :
“حطَّمتُ برزَخًا بين كهفِي وفنجانٍ من العشقِ
أحلِّق فوقَ صحراءٍ
على جانبيَّ طائرةٌ ورقيةٌ
رأسُها للشَّمالِ .. ذيلُها في الشَّمسِ” .
ثم تغيب المرأة – الأنوثة – وراء تلك الإشارات الرهيفة على الانهزام في معركة الحياة وكأنها تلجأ في الأخير إلى كبت الحب فتقول :
“تُرى إن خبأتُ أنوثتي في دُولابٍ للقططَ
أصِرْ قطةً لها أظافرُ
أم شماعةً فارغةً
تبحثُ عن قميصِ نومٍ يواري عشقًا لا دينَ له ؟
الحُبُّ صلاةٌ لا نيةَ لها ولا آذان
لذا سأقفزُ
وأرى إن حييتَ” .
وتمتد الدلالة على الرغبة في السكن والأمن والراحة في قصيدة تحمل عنوان “أحْمِلُ قبْرَكَ على ظهري وأرحلُ” وهي موجهة فيما تبدو من رموزها إلى شاعر أو أب كان له في قلب ووجدان الشاعرة موقعا مميزا ، وتكثر دلالة القبر على الراحة فتقول:
” الظَّلامُ لا يُغنِّي في القبُورِ”
حتى أن الأرحام أيضا ما هي إلا المكان الآمن للطفل فتقول أيضا:
“ألقتْ قَصَائِدَكَ على أرحامِ بَنَاتِك”َ
وفي ختام القصيدة توجز الشاعرة ما تعانيه وتتأمله في آن فتقول :
اشتقتُ كثيرًا ولم تأتِ
سأنامُ هذه الليلةَ بدونِ سماءٍ
أغْمِضُ عليكَ عينيَّ
أنْتَظِرُكَ
أحْمِلُ قبْرَكَ على ظهري وأرحلُ “.
وفي قصيدة تشرح المقصود والمعني في هذه القصيدة لتفول :
“إلى قلبِ أمي
لِتُدْخِلني خلسةً من دُون رُؤيةِ ندمِ والدي
الذي ربَّاني على أشعارِ جَدي الذي لم يرهُ “.
وهنا اتضح أن الشاعر المقصود ربما يكون الجد.
لتقول في قصيدة أخرى وبوضوح عن الجد :
“بين الحرْفِ والحرْفِ ازرعي ياسمينةً من ياسمينِ جدِّكِ
بين الكلمةِ والكِلمةِ شمسٌ
بين السَّطرِ والسَّطرِ سجدةُ لذَّةِ حلمك
بين الصفحةِ والصفحةِ ملاكٌ لأفكارك
وعندما أموتُ
اجمعي الياسمينَ من أشعاركِ
واتلها على قبري” .
وتكرر الشاعرة مشهد الموت والقبر في مواضع شتى من قصائدها نشير هنا لمشهد واحد تاركين للقارئ فعل المتابعة والجمع لشتات تكرار تلك الثيمة فتقول :
” قبرٌ بَنَيتُهُ فوق شجرةِ حُلْمٍ لم تُثْمِرْ
أفكارٌ دَفَنْتُهَا على عَتَبَاتِ عَجْزِي
أسْرَارٌ تَرْتَدي عَبَاءَتِي السَوْدَاءَ
ربما أشْعُرُ بالهذيانِ”.
وهكذا يتأكدَ لدينا محوريةُ قصائدِ الديوان حول الموتِ والوحدةِ والمعاناةِ من عدم الراحةِ في النومِ والرغبة في نوم مريح ورؤية أحلام طيبة كأنه العودة للرحم الآمن من ضوضاء وضجر الحياة الذي كان بين قوسين للحمايةِ والأمانِ. ومن الجدير بالذكر أن الشاعرة سهير الطويل المولودة في الثامن عشر من يناير عام 1977، في شبرا الخيمة محافظة القليوبية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية وهي لا تزال في الثالثة من عمرها . تكتب شعر الفصحى، غير أنها كتبت العامية المصرية أيضا ، حيث صدر لها ديوانٌ بعنوان “تكعيبة قلق” نُشر عام ٢٠١١. وكتبت الأغنية ولُحِّن لها بعضٌ منها، وكتبت المسرح والسيناريو ونُشر لها العديد من القصائد والمقالات والدراسات – في مجال علم النفس الذي درسته في كلية الآداب جامعة القاهرة – في الجرائد والمجلات المختلفة .