مؤلف الكتاب خالد محمد عبد الغني أديب مصري و دكتور في علم النفس ، وُلد بمحافظة «القليوبية» عام ١٩٧٠م. تخرَّج في كلية الآداب بجامعة بنها عام ١٩٩٢م؛ حيث نال درجة الليسانس من قسم علم النفس. وفي عام ١٩٩٦م نال درجةَ دبلوم الخدمة النفسية من شعبة علم النفس الإكلينيكي من قسم علم النفس بكلية الآداب، جامعة عين شمس. وفي عام ١٩٩٨م نال درجةَ الماجستير بتقدير ممتاز من قسم علم النفس بكلية الآداب، جامعة عين شمس، عن موضوع: «أنماط اضطرابات النوم لدى الراشدين والمُسِنين وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية، دراسة مقارنة بين الذكور والإناث». وفي عام ٢٠٠٣م، حصل على درجة الدكتوراه في الآداب بمرتبة الشرف الأولى من قسم علم النفس بجامعة بنها، وذلك عن موضوع: «دراسة تطوُّر رسوم الأطفال والمراهقين العاديين في اختبارِ رسم المنزل والشجرة والشخص، ومقارنتها برسوم المرضى النفسيين والفئات الخاصة». وقدَّم «خالد محمد عبد الغني» العديدَ من البرامج الإذاعية والتليفزيونية في إذاعة مونتكارلو الدولية، كذلك في الإذاعتَين المصرية والقَطرية، كما قدَّم العديدَ من الحلقات في التليفزيون المصري، وكان له بَرنامجٌ ثابت أُذيع طوالَ شهر رمضان بإذاعة القاهرة الكبرى بعنوان «كنوز مَنسية ولألئ مصر المحروسة وأعلام عند القمة »، هذا فضلًا عن الحوارات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية التي أُجرِيت معه على مستوى الإعلام العربي والغربي. وشارَك في العديد من المؤتمرات والندوات على المستويَين الدولي والإقليمي، وقد رُشِّح «خالد عبد الغني» لعددٍ من الجوائز المصرية والعربية، وفاز بجائزة الدكتور «علاء الدين كفافي» في علم النفس الأسري من القاهرة عام ٢٠١٠م، كما حصل على جائزة «عبد الستار إبراهيم» و«رضوى إبراهيم» في الأصالة والإبداع العالمية في العلوم النفسية السلوكية من ولاية ماريلاند الأمريكية لعام ٢٠١٨م. له الكثيرُ من المُؤلَّفات، نذكر منها: «التحليل النفسي والأدب»، و«الذكاء والشخصية»، و«الدلالات النفسية لتطوُّر رسوم الأطفال»، و«نجيب محفوظ وسردياته العجائبية»، هذا فضلًا عن العديد من المقالات والبحوث العلمية المنشورة.
وتناول الكتاب عدة جوانب من أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ منها الجوانب النفسية والفلسفية فضلا عن جوانب الحب والعزلة والموت والنرجسية والخلود والرمز وذلك في سبعة فصول فيقول لم يكن نجيب محفوظ كما عرفته خلال دراستي لتخصص علم النفس بالجامعة غريبا عني فقد كان الدارسون لتخصص الفلسفة في الفترة التي درس فيها نجيب محفوظ الفلسفة بالجامعة المصرية – 1930 – يدرسون إلى جانبها علم النفس والاجتماع والمنطق وكثير من تلك الأجيال تخصص في علم النفس والتحليل النفسي فيما بعد مثل يوسف مراد ومصطفى زيور ومصطفى سويف ومصطفى صفوان وصلاح مخيمر وعبدالرحمن العيسوي وغيرهم الكثير، بل كان بحق كما كان يقول فرج أحمد فرج إنه أستاذ لعلماء النفس والمحللين النفسيين أيضا، ولقد كتب نجيب محفوظ مبكرا عددا ضخما من المقالات الفلسفية والنفسية والنقدية خلال الفترة من بداية الثلاثينيات من القرن العشرين إلى ما بعد منتصفها، يهمنا منها المقالات النفسية حول الحب والإدراك الحسي والعقل والمعتقدات والسيكولوجيا الجديدة ..الخ، فهو بهذا لم يكن غريبا على علم النفس والتحليل النفسي لا دراسة ولا اهتماما ولا إبداعا، ومن ثم فلم يكن غريبا أن نقرأه خلال الجامعة باعتباره عالما نفسيا كبقية علمائنا المؤسسين لعلم النفس والتحليل النفسي، ولقد ظهرت أثار تلك الاهتمامات الفكرية المبكرة في أعمال نجيب محفوظ الروائية فيما بعد، فمقالاته عن الحب و المرأة والجنس والوظائف العامة المنشورة عام 1930 بمجلة الجديدة والذي ناقش فيها التغيرات الاجتماعية والأسرية الناتجة عن تعليم المرأة وتوليها للوظائف العامة وتغير نظرتها للبيت والزواج نتيجة تعليمها وعملها ومركزها المالي الآخذ في الظهور واستقلالها المالي والكدر العائلي الذي قد ينتج عن ذلك واحتمالية الطلاق وبطالة الرجال نتيجة لزيادة فرص عمل المرأة ومنافستها القوية للرجل، نجده قد تناولها في رواية “الحب فوق هضبة الهرم” وبعض موضوعات رواية “يوم قتل الزعيم”، ونجده يقدم نظرية علم النفس الحديث في تفسير الحب فيقول “إن علم النفس الحديث يدرس الظاهرات النفسية كالحب دراسة علمية والحب عنده ظاهرة من هذه الظاهرات فهو يفسره على أساس أنه ظاهرة ذاتية تتعلق بنفس المحب لا بنفس المحبوب، إننا نحب الشيء تباعا لهوانا من غير تدخل جدارة الشيء أو عدم جدارته فالحب وثبة نفسية ماهيتها أن تمتلك ما تظنه يشبع هواك، وصعوبة التفسير للحب كان مرده دوما لأن أمر النفس مبهم رغم كل هذه البحوث والتقدم في الرؤى حوله.
ودراسته حول ” الحب والعزلة والموت”، ودراسة حول شخصية نجيب محفوظ وعاشور الناجي في ملحمة “الحرافيش” باعتباره إسقاط للذات والمصير، ومن ثم الاستبصار بالسيرة الذاتية في المستقبل والموت المؤجل، وهذا ما لم يتطرق إليه الباحثون في دراساتهم عن ملحمة الحرافيش، وفيه أيضاً تحليل نفسي لشخصية نجيب محفوظ وعاشور الناجي على اعتبار أن شخصية عاشور الناجي هي شخصية نجيب محفوظ، وقد استبصر نجيب محفوظ في تلك الشخصية بمصيره، وهذه الرؤية التحليلية تقدم جديداً يضاف إلى ما كتب عن حرافيش نجيب محفوظ ، فهو نفسه – نجيب محفوظ – لم يدرك ذلك الاستبصار ، حيث أنه يقول :” أنا موجود بقوة في رواياتي قشتمر فأنا الذي أتكلم وأروي ، وهناك أجزاء من هذه السيرة في المرايا والثلاثية وصباح الورد ، وقد اعترف بشكل محدد “أنا كمال عبدالجواد في الثلاثية”. والتحليل النفسي لآخر ما كتب نجيب محفوظ وهو “أحلام فترة النقاهة” الذي وبلا أدنى شك يعد عمله المعجز، ويعد آخر أشكال السرد في الأجناس الأدبية بعد المقامة والرواية والقصة، ومن ثم كانت العناية بنقديم التحليل النفسي لهذه الأحلام التي كشفت عن البناء النفسي لنجيب محفوظ ، وهناك بعد آخر من أبعاد إبداع نجيب محفوظ الخارق وتحليل أبعاد الاستبصار بالمستقبل وبخاصة بعض المشكلات المجتمعية التي تنبا بها نجيب محفوظ خلال تلك الأحلام كون ذلك التنبوء هو أية المبدع الحق إذ الإبداع في أعمق جوانبه هو قوة إلهامية بقدر ما هو قدرة على التنظيم والدقة ومواصلة الاتجاه وتوجيه الأداء ..الخ ولا أدل على ذلك من قوة استخدامه للعجائبي وربطه بالمشكلات الواقعية” فالأحلام الأخيرة للكاتب الكبير المبدع الراحل نجيب محفوظ والذي يعد استكمالا لكتاب أحلام فترة النقاهة حيث يحتوي على أحلام لم تنشر من قبل ، الاحلام هي الخلاصة. اللب والجوهر ..القرب والبعد والعمق وقمم الارتفاع ..الجهات الأربع في قلب بوصلة الحكي ..حصاد العمر فى سطور تلغرافية ..نجيب الذى يرى ما لا نراه بالحس والاستشعار والموهبة ..نجيب الكاتب القارئ لكف الأدب الذى أدرك السر لأدب الدخول فى قرن جديد ..أزرار السرعة .. الإيجاز فى قالب حلم ..العمر فى جملة والعصر فى سطر والسنة فى كلمة والمشوار بأدق تفاصيله ومنحنياته وآلامه وأوجاعه وأوهامه يسرده محفوظ فى بلاغة فائقة وقد ضمن محفوظ أحلامه في مؤلفه هذا مفاهيم العدالة الاجتماعية وثنائية الشعب والسلطة. ومحاولة للابحار في عقل نجيب محفوظ أثناء عملية إبداعه لرواية “اللص والكلاب”، حيث أراد ابتكار “أوديب” على النمط المصري، وقد تجلى ذلك في شخصية سعيد مهران بطل رواية اللص والكلاب مستفيداً من التراث الأسطوري الذي اعتمد عليه نجيب محفوظ في رواياته الرمزية والتاريخية، بالإضافة لأسطورة الملك أوديب لسيفوكليس، ولعلي أخالف رأي لطيفة الزيات القائل “بأن سعيد مهران في اللص والكلاب شأنه شأن فرعون رادوبيس شخصية مرسومة من منظور هيجلي للشخصة التراجيدية ، شخصية تملى عليها خاصيتها النمطية التطرف والسير إلى آخر الطريق المر . ولا تملك سوى أن تفعل . فنجيب محفوظ تمثل الشخصية الأسطورية “أوديب” عند كتابة روايته، كما أخالف أيضا ما يقول به ممدوح النابي “من أن سعيد مهران بطل حاول تطبيق أفكاره في المجتمع المعاند له”، وهو في هذه الدراسة – ممدوح النابي- يجاري أغلب الدراسات السابقة التي اعتبرت الرواية صراع بين الإنسان صاحب المبادئ مع الثورة – 1952 – والتي سرقها البعض واستبد باسمها، وعندما درس رجب السيد تأثير السينيما على الرواية لم يأت على ذكر أية إشارة رمزية لسعيد مهران مع أوديب. وفي هذا الكتاب أيضا محاولة لفهم البناء النفسي لدى البغايا كما ظهر لدى نفيسة بطلة رواية “بداية ونهاية” وكيف سبق نجيب محفوظ كل البحوث النفسية والتحليلية التي درست هذه الظاهرة، وهو ما يعد أحد جوانب عبقريته. وفي إجابة نجيب محفوظ على السؤال التالي : ” من يحلل أعمالك الروائية البارزة برؤية نقدية جدلية ، كبداية ونهاية واللص والكلاب وثرثرة فوق النيل وميرامار وليالي ألف ليلة وليلة يجد أنها تحمل في مضمونها وأحداثها ورموزها أحداثاً وقعت في مصر بعد أن كتبت الرواية وكأنها النبوءة مثل بداية ونهاية ينتحر الضابط حسنين الذي قاده طموحه لتغيير واقع الأسرة بطريقة فردية .
مقال منشور بمجلة الشارقة الثقافية في العدد 61 نوفمبر 2021 .