تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
رضوان بن شيكار
ضيفة حلقة الأسبوع الأديبة السورية ريما آل كلزلي.
1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
في البدء أرحّب بك وبالأصدقاء المتابعين .. ما زلت أتعرّف إليّ وأحياناً أكاد لا أعرفني، وأكتشفني في كلّ مرّة أحاول فيها فكّ الحروف حين تتسرّب من شفة اللغة بانزياحٍ شقيّ… أنا امرأة تتجدّد مع كل شروق، جوهري الأصالة مع اختلاف الشكل والمسمّى، أرفض الكلمات كلّما جاءتني بإنتاجها القديم، حتى فساتينها الجميلة، أحتاج أن أعيد تشكيلها دائماً لتليق بي من جديد، فهي ندّي الوحيد.
2. ماذا تقرئين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ كتاب ( نظريّات السرد الحديثة) والاس مارتن. و ليس هناك أجمل كتاب في نظري، فالجمال نسبي ما يجعل التفاضل فقط بين النوعيّة .. أميل للروايات العالمية، وكتب الفلسفة والنقد.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
الكتابة تبدعنا ولا نبدأها فهي حيّة تولد بولادتنا، وتنمو كلّما قرأنا أكثر، كنت في المرحلة الابتدائية دائمة الحضور في مسابقات الموهوبين في مجال القصّة والتعبير، وفي المرحلة التي بعدها قرأت كثيراً حتى ختمت برواية الحب والحرب قبل البداية بالكتابة. أمّا لماذا أكتب فهذا السؤال الأهمّ في نظري، أكتب لأنّ الكتابة صنعتني.. شكّلتني، وأحيتني بعد أن أماتتني ألفًا، الكتابة أنقذتني من الغرق في الوحدة والعجز والنقص فرأيت الأمل.. أنقذتني من الاستسلام فكتبت عن الحلول، وعلّمتني أنّ للحروف أرواحًا تعرف كيف تضمّد جراح نازفها، وتتقن لعبة الإغواء، وفي الوقت نفسه تعرف كيف تتحوّل إلى رصاص متفجّر يتشظّى ويخترق جلد الكاتب حدّ الهلاك.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكّع في أزقتها وبين دروبها؟
مدينتي الخالدة في روحي (حمص) حتى بعد أنينها وألمها باتت أُمّاً وعليّ الاهتمام بها.
5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
الرضى غرور تام ونحن في طريق الإبداع نتعلّم كل يوم أكثر حتى تتقزّم أعمالنا القديمة في أعيننا لذلك هناك توافق معها في طريق الرضى.
6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
ليست مهمّتي الحرق أنا أبذر الكلمات حتّى تنمو حقولاً وارفة تغذّي العين والفكر . والاعتزال كلمة ممحوّة من قاموسي.
7. ما هو العمل الذي تمنّيتِ أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
ربّما تمنيت يوما أن أكتب مثل دوستوفسكي في الجريمة والعقاب، ومثل اورهان باموق لكنّي الآن أطمح لأن أكون مثلاً يحتذى. أمّا عن الطقوس فأنا طقس للكتابة حين تحضرني، أصبح في حالة خاصة تنتابني، قد أحضر وسيلة لأكتب بها أينما كنت، وقد يفي الهاتف المحمول بالمهمة أحياناً عندما أكون خارج المنزل.
8. هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
لم تعد الثقافة حكراً كما في السابق حيث كانت تخصّ النخبة، فالتكنولوجيا ووسائل التواصل صنعت مثقفين جدداً تختلف رؤاهم، ولكن ما أهمية وجود المثقف في المنظومة الاجتماعيّة إذا لم يكن له دورٌ مؤثر؟ في رأيي إنّ كل من يتقن عمله مثقف في مجاله..
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟
وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟ عندما يتصالح الإنسان مع كل تناقضات الحياة، ويتجاوز المحن بحيث يتنقل بين ضفّتي الألم والسرور بكلّ يُسر وسهولة تكون العزلة خياراً مرغوباً به، وبهذا يبلغ الحرية الكاملة.
10. شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
كنت سأحب أن أرى جلال الدين الرومي وأسأله عن التصوف من منظوره الخاص، فما معنى أن يتصوّف المرء؟ وأن يكون صوفياً هل يستغرق ذاك الفردُ في التحرر ليحرر جسدَه من الارتباطات المثقلة بالواجبات أو ليمنح الراحةَ للنفس بفك ارتباطها من الالتزامات القهرية للشرائع الدنيويّة التي سُجلتْ على أقوام الأرض؟ .
11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
جميع الأمور التي حدثت لي في حياتي ساهمت في صنع شخصيّتي كما أنا الآن كاتبة روائية تعشق الشعر والحياة، أخوض تجارب نقدية واعية بالصورة التي ترضيني، لذلك كنت سأتمنّى أن تتكرر بالصورة نفسها دون أي تغيير.
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
تبقى الذكريات وما أجمل أن تكون الذكريات صادقة أمينة لا تطالها يد العبث والزيف!.
13. صياغة الآداب لا تأتي من فراغ بل لابدّ من وجود محرّكات مكانيّة وزمانية، حدثينا عن روايتك الصادرة مؤخّراً (في فم الذئب) كيف كتبت وفي أي ظرف؟
روايتي الأخيرة (في فم الذئب) تجربة تقارب النضج في علم النفس الحديث حيث حاولت أن تحيط بما يحدث في المجتمع الخليجي عامّة والسعودي خاصّة من تحولات جسّدها أبطال الرواية، والتي تتجلّى في:
١ الصراع الصامت والصاخب بين الأجيال المختلفة من خلال رمزيّة (الأب) وما تعنيه من التزام بالتقاليد القديمة ومحاولة الانفلات منها.
٢ المشكلات الناتجة عن الانفتاح والتي تجلّت في ضياع الشخصيّتين الأساسيتين بأشكال مختلفة؛ الانغماس في الملذّات والمخدّرات ء تعدّد العلاقات الصراع النفسي مع الذات ء استجداء الماضي من خلال الرغبة العميقة في عودة الأب الذي يمثّل الملاذ الآمن والسكينة. لكنّ ذلك لا يعني أنّني ضدّ الانفتاح، فالبدايات دائماً تكون قلقةً وفيها اهتزازات عنيفة، ولا بدّ أن تأخذ مسارها حين تصبح أكثر مصالحةً مع الذات والعصر، وحين تتكاتف الجهود في سبيل نقل المجتمع إلى طورٍ أكثر حداثةً، مع ترسيخ مفهوم المسؤوليّة الذاتيّة.
٣ تسليط الضوء على الفوارق الاجتماعيّة وما تعكسه من تناقضات وازدواجيّة؛ فللشخصيّات وجوه متعدّدة؛ وكأنّ الحقيقة ستظل ضائعة مهما حاولنا إيجادها.
٤ الدعوة بشكل غير مباشر إلى تطوير المفاهيم من خلال: التركيز ولو بصورة سريعة على الحاجة إلى تطوير القوانين وتفعيل دور الطب النفسي للانتقال بالمجتمع إلى أطوار أكثر إنسانية الإحساس العميق بمسؤولية الكاتب والمؤسّسات الثقافية عن التغيير الإيجابي وردم الهوّة العميقة بين المعاصرة والتقاليد من أجل الانتقال السلس والآمن إلى معاصرة متوازنة لا تحدث شروخًا شاسعة في ذات الفرد. الدعوة غير المباشرة للآباء إلى تقبل الجيل بأفكاره الجديدة والسير معه إلى حياة لم يعد الابتعاد عنها ممكنًا. أخيرًا : الرواية بوصفها حدثًا أدبيًّا تترك المتلقّي أمام أسئلة وجودية ليساهم بدوره في صنع النهايات.
14. إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز. إلى دهاء وحكمة بلقيس أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
المساواة في نظري ظلم للمرأة، المرأة خلقت لتؤدّي دوراً عظيماً لا يمكن مساواته بنظير، والقوانين فرضت كثيراً من الحقوق لصالحها الآن، لكن العوائق المجتمعية المتمثلة بالأعراف والتقاليد والتي هي سبب في فرض القيود، مازالت تعيق نتاج المرأة.
15. ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟
الكتابة الإبداعية هي أساس الأعمال الأدبية الخالدة حيث الإبداع هو الكشف عن إنسانيتنا وهو في الوقت ذاته تعميق وتجذير لهذه الانسانية.. تهدف بشكل أساسي إلى مشاركة التجارب الإنسانية، حيث يسعى الكاتب الإبداعي من خلال أعماله إلى الوصول إلى الحقائق الإنسانية بطريقة أدبية. فالكتابات الإبداعية أو السرديّة ليست مجرد بديلٍ انطباعيٍّ عن الواقع، إنّما هي طريقة لفهم الماضي، لها أساسها المنطقي، حيث خلص الباحثون إلى أنّ دراسة السلوك القائم على المحاكاة مهمّة أهميّة القياس الكمّي في شرح تطوّر التفاعل الاجتماعي، لتعود المحاكاة والسرد من وضعيّتهما الثانوية بوصفهما مظاهر من التخيل، حتى يشغلا مركز حقول المعرفة الأخرى بوصفهما صيغَ شرحٍ ضرورية لفهم الحياة.
16. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
النشر في مواقع التواصل يتيح معرفة رأي القارئ مباشرة ولا ألذّ من رغيف عندما يكون حاراً.
17. من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك مقروءة؟
القراء هم صانو النصوص الحقيقيّة هكذا أراهم، هناك من تعرفه وهناك من تألفه وهناك من تلتقي به مصادفة وهناك من لا تعرفه. وفي كل الحالات فالقارئ يصنع كاتبه، والقارئ الجيد هو من يقرأ كاتبه من خلال كتاباته. أحب كل قرائي، وأستمتع كثيراً بذلك الذي يقرأني ويعرفني ويفهمني.
18. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
الأجمل ستجعلني أبتسم لأكتب ما يدعو للفرح حيث السيمائيات الدلالية والجمالية للألفاظ تكون مدفوعة من خلال فكّ الشفرة الرمزية للولوج الى محدّدات الأمكنة وامتداد الزمن والحدث الذي يعبره. بينما الأسوأ منها ستمنحني الأمل لأكتب عنه بكثافة.
19. كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه ؟
ما أحب أن اختم به حديثي هو أنّني صاحبة مشروع يرصد حركة الأدب العربي معنيّاً بالتجديد، فإذا كنت ماهراً في الكتابة، عليكَ القول إنّه ليس لديّ وقت للملل، لأنّ الكتابة بالمفهوم الحداثي للسرد، لها معانٍ أخرى بعيداً عن الرتابة والكلاسيكيّة، حيث الخلق مهمّة الحكّائين العظام، للتمتّع بالجمال الأدبي بخبرة التمرّد على الواقع المألوف. محلّقاً بين رفض التنازل عن القيم، وعدم تشويه القواعد المجتمعيّة الأسريّة الثابتة، رافعاً علم الحريّة الرصينة الخالية من التكلف والابتذال، لإضافة محاولات واقعيّة في العثور على معنى لعشوائيّة هذا العالم الفوضوي. الكتابة نوع من التكامل الذي يشكّل النواة الايديولوجيّة الأخلاقية التي يجب إضافتها بوعي إلى الرواية أو القصة. ومراعاة الفجوة بين الأجيال مهمّة يجب أن تكون حاضرة في ذهن الكاتب، لأنّ إلقاء المواعظ فنّ يبغضه الشباب، حتّى النصائح والاقتراحات غير مُحبَّبة، ومن ثمّ فإنّه لا يملك أيّ صلاحية لذلك. في النهاية أكرّر الشكر لهذا الحوار الثري والأسئلة القيمة .