تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة تورية لغريب
1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
من الصعب جدا الوقوف على تعريف محدد…أنا ببساطة : إنسانة، وهذا في اعتقادي توصيف يحمل بين طياته، العديد من الإشارات التي تؤكد على الوعي، الحرية، الإرادة والجمال…
أما بالنسبة للتعريف المتداول، فأنا تورية لغريب من مدينة الدار البيضاء، كاتبة صحفية وطالبة باحثة في علم النفس، عاشقة للحرف الراقي، المتمرد والثائر والمميز. لا أصنف نفسي شاعرة أو كاتبة…لأنني لا أحبذ التصنيفات ولا أضع نفسي في خانة معينة.
2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أجمل كتاب، هو الذي لم أقرأه بعد…هكذا نهمي للقراءة لا يكف، أقرأ في الفلسفة، علم النفس،الرواية، القصة القصيرة، الشعر…لكن آخر وأروع ماقرأت، كتاب “سيرة المهجرين بين الأسماء” للرائعين : عبد الرحيم ناصيف ومصطفى استيتو اللذان أسسا فعليا، لأدب الخيريات في المغرب، من خلال هاته الرواية التي كانا من ضمن أبطالها، باعتبارهما نزيلين سابقين بخيرية عين الشق، أو ” الدار الكبيرة ” كما كانوا يطلقون عليها…هي أول سيرة ذاتية توثق بحبكة عالية، مرارة تجربة من مضغوا البؤس والوصم، فأهدتنا مبدعين بهذا الحجم الكبير والزخم الحكائي. وأقول صادقة أن هاته الرواية قد بعثرت دواخلي، وجعلتني أقف على حدود الانبهار والتأثر العميق، بالصدق الممزوج بهول المعاناة…إنها وببساطة من أروع ماقرأت.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
لا أعتقد أنني مررت بمرحلة عمرية، لم أكتب خلالها، اللهم طفولتي الأولى طبعا، لا زلت أتذكر كيف كانت فرحتي كبيرة، عندما نشرت لي جريدة l’opinion des jeunes ” في ملحقها الأسبوعي، أول قصيدة باللغة الفرنسية، وعمري لم يكن يتجاوز 12 سنة، مدينة أنا ماحييت لأخي الأكبر الذي شجعني على التشبع بالقراءة والكتابة منذ سن مبكرة.
لماذا أكتب ؟ أكتب لأعيش، الكتابة بالنسبة لي إكسير الحياة، لن أقول أنها حياة ثانية، لأنني لا أطيق الازدواجية في فلسفتي، أكتب لأنني أتنفس الكتابة، أستهل يومي بها وأسدل ستاره بها، اليوم الذي لا أكتب فيه، (ماينحسبش من عمري ) كما قالت أم كلثوم…
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
الدار البيضاء، مدينتي الصاخبة…حيث مسقط رأسي، حيث نشأت، وترعرعت، وانصهرت بين شوارعها، التي تحمل معظمها ذكريات لتفاصيل صنعتني، هي الشاهدة على سقطاتي، وانتصاراتي الصغيرة، على دموعي وضحكاتي…إنها تسكنني عوض أن أسكنها…زرت مدنا كثيرة لكن سرعان ما يباغثني الحنين للعودة إليها، فهي الحضن الذي احتواني ولأن فيها معظم عائلتي أحبابي وأصدقائي المقربين…هو الانجذاب الرمزي للمكان بكل ما فيه من تفاصيل رائعة…
القاهرة كذلك أسرتني، ولازلت أحن إليها، عشت هناك فترة مهمة في حياتي، أحببت صخبها، وانصهرت في شوارعها، ربما لأن فيها شيئا من الدار البيضاء( مع اختلاف خصوصية كل منهما ).
5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
لو قلت أنني راضية على إنتاجاتيء على قلتهاءسأكون مجحفة في حق المتمردة التي تسكنني، ولكنني أعتقد بأن الصدق والرقي في التعبير، هو أساس أي إبداع…هذا طبعا إلى جانب التمكن اللغوي…وأنا حاولت قدر الإمكان أن أنقل أجمل ما لدي إحساسا ولغة في ما أكتب…
في الحقيقة، عندما أقرأ للبعض أشعر فعلا أنني راضية عن إنتاجاتي، التي أعتمد فيها سهولة الألفاظ وعمق المعنى، لا أحب الحشو والألفاظ المترهلة…
لدي مشروع رواية، ومجموعة قصصية…لا أستعجل النشر، قناعة مني بأن أي عمل إبداعي يجب أن يأخذ حقه في المخاض الإبداعي حتى يخرج للقارىء في أبهى حلة، فليست العبرة بالعدد بل بالجودة.
6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
بحرق أوراقي الإبداعية، أعلن وفاتي بانتحاري…كيف ذلك وأنا من دعاة الحياة والجمال؟
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
يحدث أن يعجبني كتاب ما، لكن أعي تماما أنه بصمة شخص بعينه، نتاج تجربة إبداعية خاصة به، الكتابة يا صديقي كالبصمة، لا تتكرر فلم أتمنى مالا يناسبني ؟
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
من الواجب أن يكون للمبدع أو المثقف عموما دور فعلي مؤثر في المنظومة الاجتماعية، وإلا ما جدوى الإنتاج الإبداعي ؟؟ هذا السؤال يحيلنا إلى مدى وعي المجتمع بقيمة المبدع، ومدى وعي المبدع برسالته داخل المجتمع…ومدى تأثير القيم الجمالية في حياتنا عموما، أتمنى أن نجد صيغة واضحة لهذا المثلث: المبدع/ المجتمع/ والإبداع كموضوع، لتحقيق توازن يخدم الإنسانية جمعاء.
حينما أكتب أو أنظم قصيدة عن العشق مثلا، فأنا أعود بالقارىء الغارق في مستنقع المجتمع المستهلك لقيمة نبيلة وراقية تذكره بإنسانيته، وبالجانب المنير فيه فيستعيد ماهية وجوده ومعنى الحياة، نفس الشيء حينما أكتب عن الوطن، عن الأم….اإلخ.
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
العزلة في حد ذاتها حرية بالنسبة لي، في عزلتي حرية بلا حدود، ألج من خلالها كنه الذات، أسبر أغوارها، وأعيد ترتيب علاقتي ب”الآخر” …
العزلة دواء الأرواح المنهكة من عالم استهلاكي حد التخمة، لكن شريطة أن أختارها، وألا يفرضها أحد أو حدث ما علي، لأنني مثل الطائر الحر، لا أستسيغ القيود، وقد خضت تجربة “الحجر الصحي”، التي كانت قاسية فعلا…أؤمن بأن الحرية إحساس قبل كل شيء…
10. شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
كثيرون من كنت أرغب في لقائهم :
الشاعر محمود درويش : لأستشف منه روعة نظمه وإلقائه…
الأديبة مي زيادة : لأفك طلاسيم عشقها لجبران خليل جبران…
وشخصيات سياسية وثقافية أخرى مثيرة للجدل…
11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
ربما كنت أعدت النظر في علاقتي بأشخاص دخلوا حياتي بالخطأ…ودفعت الثمن باهظا للأسف
لكن بالنسبة لقناعاتي، لا أعتقد أنني سأغيرها.
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
يبقى الكثير من الألم والانكسار…الفقد مرارة إن تعلق بأشخاص ، والأشياء جزء أثت فضاء مشاهد لا تبلى في الذاكرة…
13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن ديوانك الاول الذي سيصدر قريبا “شظايا البلور” . كيف كتب وفي أي ظرف؟
ديوان ” شظايا البلور “…كتبته في فترة انتقالية صاخبة في حياتي، على المستوى الشخصي ، يكفي أن أقول: كل حرف فيه ترميم لشظايا روح، ربتت على نفسها لتستعيد عافيتها وتستأنف المسير…
هو عبارة عن توليفة بين شعر ونثر وومضات، كما أنه يضم لوحات تشكيلية معبرة…باختصار إنه ملحمة الحرف والصورة…
14. الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
أعتقد جازمة أننا تجاوزنا إشكال المساواة بين المرأة والرجل، وأصدقك القول أنني لم أقتنع أبدا بهذه التسمية ” المساواة ” لأن فيها إقرار ضمني بعدم المناصفة، لماذا هذا الصراع الأزلي المفتعل بين الجنسين ؟ صحيح أن المرأة في المجتمعات العربية لازالت تعاني على كل الأصعدة من الحيف، لكن هل الرجل أفضل حالا منها ؟ المشكل بالأساس يرجع للموروث الثقافي الذي اختزل العلاقة بين الجنسين في عداء تاريخي، لا جدوى منه بسبب أعطاب في التنشئة الاجتماعية…القيم الإنسانية النبيلة هي التي من شأنها إماطة هذه العقدة المهترئة عن طريق التقدم والاهتمام بقضايا إنسانية أهم وأخطر…نحتاج فقط لكثير من الموضوعية و التصالح مع الذات وحكومات تحترم إنسانيتنا، هذا كل مافي الأمر.
15. ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
منذ الحضارات القديمة، كان هناك إبداع : كتابة رسما، نحتا وهندسة…إلخ. والكتابة تحديدا، خلود في هاته الأرض وليس سكنا فيها فقط، إنها تنقل صورة الإنسان، بكل مافي الكلمة من معنى على مر العصور.
16. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، بديل فرضته ظروف التحولات التي يعرفها عصر العولمة، خصوصا في عصر الوباء حيث عز التواصل واللقاء مع الآخر…مما أدى إلى استبدال الآليات المتعارف عليها داخل العلاقات الاجتماعية بالعالم الافتراضي، أجده إيجابيا من حيث سهولة الوصول إلى المتلقي ( القارىء) ، رغم اختزال التجاوب معه في زر إعجاب وكتابة تعليق، يعبر به عن رأيه إيجابا أو سلبا، لكن كأي وضع مستجد له سلبيات لعل أسوأها ذلك الكم الهائل من التفاهات والرداءة فيما نتلقاه مرغمين على صفحاتنا وهو ما يؤثر جذريا على مستوى الذوق العام.
17. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
أسوأ ذكرى… هي كل فقد لعزيز، وأولهم أبي رحمة الله عليه، أما أجمل ذكرى فهي كل لحظات فرح انتزعتها من بين براثن الزمن…ستأتي الأجمل حتما…هذا يقيني بالله.
18. كلمة أخيرة او شيء ترغبين الحديث عنه ؟
أود أن أشكرك على رقي هذا الحوار الذي سعدت به معك…
كلمة أخيرة : لننتصر للإنسان فينا، لنحب بعضنا…