ثمة روايتان عربيتان ساعدتا الدراما التليفزيونية في رفع منسوب قراءتهما، وذلك للأداء العالي في تمثيلهما ، هما رواية أديب لطه حسين ، ورواية نهاية رجل شجاع لحنا مينا .
فقد وصل الممثل نور الشريف درجة البراعة والاتقان في أداء الدور ، كما قدمت الممثلة نورا واحدا من أجمل أدوارها في الدراما التليفزيونية ، وذلك في تمثيل حكاية إبراهيم الأديب الشاب القادم من الريف الذي يعاني من دمامة خلقته وهذا يحيلنا على بطل رواية سيرانو يرجراك الفرنسي “الشاعر” وملاحظة إن كان طه حسين تأثر بها . وهذا الشاب لم ترضه مع انه أحبها فخطبها ، فيقترن فتاة أخرى من القرية “حميدة” التي تقدم صورة مثالية للعطاء والتفاني ، ولكن إبراهيم يضطر إل طلاقها ليسافر في بعثة إل فرنسا ، وهناك يجري التحول الخطير في حياته حيث يتهالك على الملذات ليبدد حالة الندم والاغتراب والفقد .
يرجع الدكتور خالد عبدالغني هذه الأعراض التي اصابت الكاتب إلى حالة من الإصابة بداء الاضطهاد والعظمة البارانويا حيث يتوهم أنه مضطهد من الأساتذة بالجامعة وأن الحلفاء يريدون قتله والتخلص منه خلال الحرب لعالمية الأولى ، ويفترض تعاطف طه حسين مع الروائي “حيث إن ذلك هو الشكل الوحيد الذي يمكن ان تتحقق فيه علاقة صداقة قوية كاملة بين قبيح الوجه وفاقد البصر الذي لن يتمكن من رؤية وجه وشكل صاحبه”. فيقدم تبريرات مقنعة من خلال المعالجة الدرامية حيث يبرر طلاق لزوجته امتناعه عن الكذب في تقديم البيانات، وايثاره للعلم والمعرفة. أسماها خالد عبدالغني التعقيل والمثالية الكاذبة وهي ضمن الحيل الدفاعية التي استتر بها إبراهيم ، لكنها سرعان ما انكشفت أمام موجة ندمه العاتي في باريس.
ببحثه المهم المستطيل عن أديب يرى الدكتور خالد عبدالغني تفصيلات مهمة في لوحة البارانويا العظيمة التي رسمتها حياةأديب في فصلها الأخير “الفصل الباريسي” حيث مجموة من الأعراض الذهانية :”تسلك أحيانا مصيرا مزمنا وأحيانا أخرى نوبات متكررة. والفصام وهذاءات العظمة وارتباط كل هذا بالابداع من حيث إن المبدع يشعر أيضا بأنه سجين داخل الأشياء بحسب الدكتور عبدالغني .
وتحيلنا افتراضات الباحث خالد عدالغي إلى نماذج كثيرة من الأدب اقترب فيها الأدباء من شخوص أبطالهم وأجلسوهم على أريكة التحليل النفسي – الشازلونج – ، ربما كان نجيب محفوظ أبرع من عالج هذه الشخصيات عربيا وذلك حسب ما تناوله خالد عبدالغني في قراءته النفسية لروايات محفوظ والتي جاءت في كتابه “ثلاثية التاريخ والواقع والرمز في أعمال نجيب محفوظ ” وفيه عالج عددا من القضايا النفسية لدى أبطال الروايات مثل سعيد مهران ونفيسة ورادوبيس وعاشور الناجي ، بالاضافة لشخصية نجيب محفوظ كما تجلت في اخر ما كتب وهو عمله المهم أحلام فترة النقاهة ” .
ولم ينس خالد عبالغني قراءة روايات جيل الستينيات في مصر مثل إبراهيم أاصلان وإبراهيم عبدالمجيد وخيري شلبي ورضوى عاشور، إلى جانب أعمال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوي وذلك في كتابه “الشخصية المحورية في الرواية العربية “…ووو .
وكان الدكتور عبدالغني في سنواته العشر الأخيرة مهتما بالإبداع العربي فقدم قراءة نفسية لأعمال الأديب العراقي على لفتة سعيد والأديبة المغربية ثريا لهي ، بالإضافة إلى عدد كبير منالأدباء والشعراء المعاصرين من أجيال شابة ساهم في تقديمهم للساحة الأدبية فكتب مقدمات لرواياتهم ودواوينهم ومسرحياتهم الشعرية وتابع بدقة منجز الكثير منهم في دراسات مستقلة أو ندوات جماهيرية حيث جمعت في سلسلة النقد التحليلي النفسيللأدب العربيالمعاصر – ثلاثة مجلدات -.
وبهذا الكم الضخم من الدراسات النفسية للأدب التي بلغت ما يزيد عن مائة دراسة حتى الآن يمكن القول إن مشروع الباحث الدكتور خالد عبدالغني في قراءة الأدب العربي نفسيا وتطبيقه من خلال نماذج جديدة يقدم من خلالها خدمة جليلة للمشهد الأدبي العربي.