انتهيت منذ أيام قليلة من قراءة كتاب ” أسرار الملوك والملكات في مصر القديمة “، تلك الدراسة الماتعة والراقية للأستاذ الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار والمشرف على معهد الدكتور زاهي حواس بمكتبة الإسكندرية.
وقد صدر الكتاب عن دار دون في حوالي ثلاثمائة صفحة، ويبدأ دكتور حسين هذا المرجع المهم بإهداء يحمل روح الوفاء والمحبة وتأصيل قيمة إنسانية نبيلة حيث يقول:
إهداء
إلى ملوك وملكات مصر القديمة
أوائل العائلات المالكة في العالم
وإلى مصر أصل الحضارة وإلى أهل مصر الطيبين
وإلى أستاذي الكبير الأستاذ نجيب محفوظ ( ١١ ديسمبر ١٩١١ – ٣٠ اغسطس ٢٠٠٦) الذي علمني بقوة عشق مصر القديمة في ذكرى رحيله الخامسة عشرة.
ثم يبدأ الكتاب الذي يستعرض كاتبه فيه من خلال مقدمة شائقة لا تخلو بحال من متعة العرض والطرح وتهيئة القارىء لمعايشة أجواء تلك الدراسة الماتعة، فيورد المقولة الأشهر لأبو التاريخ هيرودت مصوبًا إياها على نحو يراه عالم المصريات الكبير د. حسين عبد البصير – وبحق – هو الوصف الأدق والسليم فيعيد به الأمر إلى نصابه حيث قال ” مصر هبة النيل والمصريين” فلولا المصريون لما نشأت الحضارة المصرية العظيمة، وينتقل بنا عاشق التاريخ د. عبد البصير في رحلة محببة نتعرف خلالها على معنى اسم مصر والتأصيل التاريخي للمفردة التي أخذت عن التعبير المصري القديم (حوت كابتاح) ويعني معبد قرين بتاح وهو اسم معبد مصري قديم خصص للمعبود المصري القديم بتاح- إله مدينة منف.
ثم تستكمل المقدمة في سلاسة لا تخلو من الأسلوب السردي الماتع لعالم كبير وروائي يدرك ماهية السرد وأهميته فيغزل معلوماته لغير المتخصصين في وشيج ذكي يجمع فيما بين القصة الجميلة والمعلومة الموثقة، فيتكلم د. بصير والحاصل مؤخرًا على تكريم المعهد الألماني للآثار بالقاهرة حيث منح عضوية دائمة وهي العضوية التي تمنح فقط لأهم علماء الآثار في العالم. فيتحدث عالمنا الجليل عن قصة توحيد مصر وأيضًا الدور المهم لمكتبة الإسكندرية درة تاج العالم والثقافة، كما يتكلم عن الموقع الجغرافي المميز لمصر والنظام الملكي.. حيث تم اعتبار الملك رأس السلطات عند أجدادنا القدماء.
وينتقل بنا هودج كلمات د. حسين خلال مقدمته الماتعة ويستعرض دور المرأة في مصر القديمة وكيف كانت سيدة العالم ورمانة الميزان ومركز التحفيز على العمل وقدرتها على الدفع بمجتمعها نحو التقدم والرقي ودورها العظيم في الدفاع عن الوطن.
ثم يأخذنا د. بصير في رحلة غاية في الروعة حملت في طياتها الثقافة والمتعة تميز أسلوبه فيها كعادته بطريقة العرض الجاذب والذي يرتكز على محورين مهمين:
أولهما الحرص على تقديم التاريخ لغير المتخصصين بشكل مبسط دون الإخلال بقواعد البحث العلمي وأدواته التي استقر العمل عليها لعالم يعد من أهم علماء الآثار في مصر والعالم، والمحور الثاني يتمثل في الالتزام الشديد بمنهج الطرح وفق التقسيم الزمني والتاريخي لاستفادة الطلاب والباحثين من دراساته المتعددة والتي تعد من أهم المراجع التي يتم الرجوع إليها.
وفي خمسة أبواب يتكلم الكاتب عن عصر الأسرات منذ الأسرة المبكرة والدولة القديمة وأهم ملوكها وملكاتها وتوثيق مراحل حكم ملوك وملكات لا يعلم بعضنا عنهم غير النزر اليسير وربما تبدو اسماء بعضهم غريبة على أذن غير المتخصصين وعلى سبيل المثال الملكة ني ماعت حاب والتي تمثل حلقة الوصل بين ملوك الأسرة الثانية وملوك الأسرة الثالثة والتي لقبت بكثير من الألقاب والصفات، مثل أم الملك وأم الأبناء الملكيين وغيرها نظرًا لدورها المؤثر والمهم الذي تعلمنا عنه هذه الدراسة الكثير والكثير،وأيضًا الملكة حتب حرس الأولى، والملكة حرنيت، والملك خوفو وغيرهم.
ثم ينتقل بنا الكاتب إلى الباب الثاني والذي حمل عنوان عصر الدولة الوسطى والانتقال الثاني، وأهم ملوكه وملكاته مثل الملكة سوبك نفرو أو جمال سوبك التي أصبحت أول امرأة تحكم منفردة وفق المصادر التاريخية الموثقة، والملك كامس وغيره، ثم يورد الكتاب اسماء وقصص حياة وظروف حكم ملوك وملكات عصر الدولة الحديثة في باب ثالث كالملك أحمس الأول والملك أمنحتب الأول والملكة حتشبسوت..
ثم يحدثنا الباب الرابع عن عصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر وملوكه وملكاته.. كالملك شاشانق الأول والملك طاهر قا. والملك نختنبو الثاني وغيرهم من ملوك ربما نتعرف إليهم للمرة الأولى.
وأخيرًا يتحدث الباب الخامس عن العصر البطلمي بملوكه وملكاته وزخم أحداثه ومجرياته.
ومن أجمل ما يميز ذلك المرجع المهم حرص كاتبه على وضع الخرائط مع جدول زمني للتأريخ اشتمل على تاريخ مصر القديمة منذ عصر ما قبل الأسرات ٥٣٠٠ – ٣٠٠٠ ق.م وحتى العصر الروماني ٣٠ق.م – ٣٩٥م .
بالإضافة إلى مراجع مهمة ومنتقاة بعين العالم الحصيف وضعها دكتور حسين عبد البصير في نهاية كتابه لمزيد من القراءة والبحث من طلاب العلم والباحثين والمهتمين بحضارتنا المصرية القديمة.
خالص الشكر والتقدير على هذا الجهد المثمن من عالم جليل والشكر موصول إلى دار دون هذه المنصة الثقافية الواعية على ذلك الكتاب الأهم.