قراءة في ديوان أنا عشتار لمنال رضوان
بقلم د. حسين عبد البصير مدير متحف الآثار والمشرف على معهد د. زاهي حواس بمكتبة الإسكندرية
في لغة شاعرية مختلفة عن اللغة السائدة في قصيدة النثر التقليدية، تدخل بنا الشاعرة المبدعة والكاتبة المجددة والمثقفة المتألقة دومًا الدكتورة منال رضوان في مجموعتها الشعرية الجديدة “أنا عشتار”، والصادرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في أوائل هذا العام عن دار نشر “وعد للنشر والتوزيع”، بقيادة الناشر المثقف الأستاذ الجميلي أحمد، وبتصميم غلاف بديع من الفنان المبدع المهندس محمد رضوان.
وبعد الإهداء الرقيق والموحي للشاعر الكبير والصحفي المبدع الأستاذ ماهر حسن، تتكون المجموعة الشعرية من تسع مقاطع ذات إيقاعات داخلية منظمة بوعي تام، وهي “بلا ملامح”، و”الكف الفضية”، و”غيمة عشق”، و”لا شيء”، و”أوراق مشطورة”، و”أنا عشتار”، و”الأسفار المحذوفة”، و”لوحة ألوان”، و”نهاية”.
وتمزج اللغة الشاعرية مزجًا قويًا بين الحلم، وتتداخل الصور في تشكيل مرئي بديع، حين “تختزل الضوء كمشكاة مطفأة”، ويظهر لنا مثل “مهد مجرى آخر لدماء تتجمد بعروقك”، ويتحول إلى “وأثناء وقوفك..، أعلى قمة ثلجية لا تثقل رأسك بأسئلة”، وعند ذلك يثب “الظل المبتور”، وفي تلك اللحظة علينا “أن تنتظر سماء وردية، تقترب من كف زرقاء، أو أمل ينبت من خيالات، تداعب ذاكرة صماء”. ثم نرى “الشكل الذي تكور في قلب القمر، يغويك بلا ملامح تأويه، وبلا عذر، هذا الموتور قد ضيع هوية قسمات”، وحينها نعرف أنه “عليك أن تلاحق ظلك مقتولاً، دون الخوف من ميتة شنعاء، وليس لزامًا، أن تعي الفرق، بين ذوبان الثلج، أو سيلان الدم”. وفي “الكف الفضية”، نعلم أنه “تخبرنا الرؤى أن الجامات السبع تجتمع في لوحة غضبي، تنذر بفناء العشق، إذ يغضب الإله، غضبته الكبرى.”
ونعرف أنه “في آخر الزمان، يأتي من يمنح غفرانًا، للأرض بقربان، من دماء أراقها عشقًا، يوقد بعينيه الحرف، بين شقوق الظلمة.” وفي “غيمة عشق” تكتب شاعرتنا المبدعة الدكتورة منال رضوان “إياك وأن تكتب في الأمر كتابًا، اصمت. لا وقت لمزيد من تبرير، في الأساطير، أن يسقط إله أمر، لا يحتاج إلى تفسير.” وفي “لا شيء” تقول “ترتيب الفوضى، كصنع سياج من نور، تحلق حول حديقة جرداء، يتوسطها بناء أبيض، للجسد المطمور، من الموتور.” وفي “أوراق مشطورة” تقول “عاد السن يلكز أوراقي، برغبة فائرة، ثائرة، تمضي الأيام، ولا وقت لدى، الآن..”. وفي “أنا عشتار” التي تحمل المجموعة اسمها تقول “لا تحمل عني أوزاري، فأنا عشتار، قد كسر سواري، بين قضاة جحيم، ألوك الذكرى، ووسط الموت، أعاين بيت الحياة، هنا..، لن يرقد تموز، إلى جواري.”
وفي “الأسفار المحذوفة” ندخل بسرعة “وسط رهج، أنفاس الكتب، المصادرة، فوق الرفوف، بين أخيلة..، الأماني المستحيلة، وخبايا..، الأسفار المحذوفة، ما بالي أفتش، عن ذاك السيد، الذي يسكنني.” وفي “لوحة ألوان” نخطو “خطوات متثائبة، لا تضل طريقها، وسط الظلام..”. وتقول ”كلما لذت بذاك السيد، وجدته، يلتحف النسيان.” وفي “نهاية/أضغاث صحوتي” نصل “إلى نص على شفتيه، أعيد اكتشاف الكلام، وذاك النصل الذي أعاد، الشطر إلى شطره، هنا..، تفاحة وسكين، فلا أحلام تغرقنا، أو موج ينجينا.”
ومن خلال أجواء هذه المجموعة، نغرق في هذه التشكيلات الفنية، والصور الجمالية، والتي توضح ثقافة الكاتبة وارتباطها وعشقها للربة العراقية القديمة، الإلهة عشتار، والثقافة العراقية القديمة عمومًا، عبر مراوحة دالة بين الماضي والحاضر، في كتابة شعرية تقوم على المزج بين الصوت والصورة في لغة تتدفق عشقًا عبر الرصد والتعبير عن جماليات مغايرة لقصيدة النثر المعاصرة. إنها كتابة تزاوج بين السردي والشعري والصورة المكونة من خيالات وإحساسات الشاعرة المتدفقة بالحب والحياة والعشق لكل الناس والكائنات والأشياء والجماليات. فتحية احترام وتقدير للشاعرة المبدعة والكاتبة المجددة والمثقفة المتألقة دومًا الدكتورة منال رضوان على مجموعتها الشعرية الجديدة “أنا عشتار”، والتي تعد إضافة حقيقية لكل إبداعاتها المتميزة سواء في الشعر، أو القص أو النقد، أو الصحافة. وفي انتظار المزيد من إبداعاتها الجميلة.