طرح مؤتمر “المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والآمال” الذي استضافته يوم الثلاثاء الماضي مجلة “أدب ونقد” ورأسه الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب؛ مجالا بحثيا جديدا على المشهد الثقافي والأكاديمي العربي، وهذا الطرح هو مجال “الدراسات الثقافية العربية المقارنة” التي تقوم على فلسفة المشترك الثقافي وتنوعاته، خلافا لمدرسة “الدراسات الثقافية” الغربية ومن اتبعها التي قامت على تفجير التناقضات والانتصار للهوامش والتفكيك وسياقات ما بعد الحداثة، وعجز العقل الأوربي عن مواجهة متونه الأساسية الحاكمة وترويجه للهوامش كنوع من الترف الفكري وإعلان التمرد الدعائي على تلك المتون.
بينما يؤكد المجال البحثي الجديد الذي طرحه مؤتمر مصر وتونس على أن المتن العربي نفسه في حاجة للعمل والجهد على خلاف المتن الغربي/ الأوربي الذي يتفجر الآن بدوره في ظل ما بعد كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا وظهور تحالف أكوس العسكري البحري، وصعود الذهنية الجرمانية المتطرفة التي كانت تختبأ خلف الشعارات الأيديولوجية لليمين واليسار في أوربا وأمريكا.
حيث يطرح ذلك المجال البحثي الجديد للدراسات الثقافية العربية المقارنة في مقاربته للمتون العربية ضرورة البحث عن استعادتها ورأب تشققاتها، استجابة للحظة التاريخية الحضارية الحرجة التي تشهد إعادة تشكيل العالم في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وذلك وفق فلسفة ومذهب جديد يؤكد على “المشترك الثقافي” العربي الذي يقبل بالتنوع ويتسم بالرحابة وتجاور طبقاته التاريخية بطبيعته.
هذا وكان حاتم الجوهري قد أعلن عن المؤتمر ودعى إليه وتشكيل هيئته في نهاية شهر ديسمبر 2021م وتلقي الأوراق البحثية الكاملة في منتصف فبراير 2022م، في سياق العام الثقافي المصري التونسي 2021/ 2022م، ورغم ضيق المدة إلا أن المؤتمر استقطب 21 ورقة بحثية من مصر وتونس وكافة الدول العربية، نرصد تحديدا خمس أوراق بحثية منهم رفدوا النظرية الجديدة عن فلسفة “المشترك الثقافي” ومجال “الدراسات الثقافية العربية المقارنة”.
وقدم في هذه الأوراق الخمسة أسماء عدة من دول عربية عدة توزعت على محورين في كتاب أبحاث المؤتمر الذي صدر بالتواكب مع انعقاده، حيث صدر كتاب المؤتمر في سبعة محاور وفي كل محور ثلاث ورقات بحثية، وجاءت الدراسات الخمسة التي تساهم كل منها في رفد النظرية الجديدة في المحورين الأول والثاني.
كان المحور الأول بعنوان: المشترك الثقافي العربي وتدافعاته النظرية، قدم فيه حاتم الجوهري رئيس المؤتمر أول الأوراق البحثية بمساهمته النظرية تحت عنوان: “الدراسات الثقافية العربية المقارنة.. فلسفة المشترك الثقافي وتحدياتها”، محاولًا وضع الأسس العامة الفلسفية والمعرفية والمنهجية لـ”مشروع الدراسات الثقافية العربية”، والتحديات التي تواجه فلسفة “المشترك الثقافي” على معظم المستويات الرئيسية، والتي بينت افتتاحية المؤتمر التي كتبها الجوهري أنه قد عمل من خلالها لضبط الأبحاث التطبيقية المشاركة في محاور المؤتمر المتنوعة الأخرى، وهي الدراسة المركزية التي تعد لب الإطار النظري للمؤتمر وعموده الأساسي.
أما الورقة الثانية في رفد الإطار النظري للمؤتمر فقدمها الدكتور/ عمر كامل حسن من العراق بعنوان: “السياسات الثقافية المقترحة لتعزيز المشترك الثقافي العربي”، وفيها اجتهد لمحاولة الوصول إلى معايير لتوجيه السياسات الثقافية العربية لدعم فكرة “المشترك الثقافي”، وما قد يواجه ذلك من صعوبات نظرية وتطبيقية.
والورقة الثالثة قدمها الدكتور/ قاسم المحبشي من اليمن بعنوان: “المشترك الثقافي العربي والنخب الثقافية في عالم متعدد الثقافات، وفيها يطرح فكرة “المشترك الثقافي” العربي في مواجهة الحضور والهيمنة الثقافية لفكرة العولمة أو الأنماط الغربية عمومًا، ويحاول أن يتلمس طريق هذه الفكرة في عالم ثقافي ضاغط يتسم بالهيمنة.
والورقتين الرابعة والخامسة ظهرا في المحور الثاني الذي جاء بعنوان: المسارات التطبيقية للمشترك الثقافي العربي، وقدم الورقة الرابعة الدكتور/ أحمد برقاوي، الذي ينتمي للأصل والجذور الفلسطينية، بعنوان: “الفكر العربي المعاصر بين المشرق والمغرب.. وحدة الأسئلة واختلاف الأجوبة”، وفيها يطرح فكرة “المشترك الثقافي” والهوياتي للتدافع والتجاذب بين المشرق والمغرب العربي، مستعرضًا المشاريع الفكرية التي قدمت هنا وهناك وجذورها الفلسفية، ليترك للمستقبل مشقة الإجابة.
وقدم الورقة الخامسة الدكتور/ بهاء درويش من مصر، بعنوان: “الهم الفكري المشترك بين مصر وتونس.. من خلال فلسفة التنوع لدى فتحي التريكي”، حيث قدم بحثًا عن “المشترك الثقافي” بين البلدين وقضاياه، من خلال المقارنة بين المشتركات والاختيارات في مواقف فتحي التريكي ومجموعة من المفكرين المصريين، خاصة فيما يتعلق باللحظة الراهنة والقدرة على تجاوزها.
والجدير بالذكر أن المؤتمر قد حظى بحضور واسع ومشاركة عربية على المستوى البلوماسي والثقافي والعلمي؛ فحضر جلسته الافتتاحية السفير التونسي بمصر محمد بن يوسف وألقى كلمة بالمناسبة، والملحق الثقافي بالسفارة التونسية الدكتورة ضحى الشويخ، كما حضره الدكتور عبد الرقيب منصور المستشار الإعلامي بسفارة اليمن، والسفير الليبي الأسبق بالقاهرة عمر الحامدي.
كما أن أعمال المؤتمر وأبحاثه صدرت في يوم انعقاد المؤتمر نفسه، وذلك كتاب حمل عنوان: “فلسفة المشترك الثقافي: نحو دراسات ثقافية عربية مقارنة”، قاربت صفحاته الـ 600.