كنت رجلا حطَّاباً أجمعُ الحطب ومن ثم أبيعُه بعدةِ دراهمَ تكونُ قوتَ يومي. فقصدتُ مرةً إلي بلادِ الأندلس في زمنِ الملوكِ المسلمين. و الاندلس هي أسبانيا حاليا، وقد مكَثَ فيها الأسلامُ حوالي ثمانية قرون، ومن العجب العجاب أن أسبانيا في زمننا هذا لا يوجد بها كثيرٌ من المسلمين، بل هي أقل بلاد الدنيا من حيث السكان المسلمين، و لعل هذا نتيجة محاكم التفتيش، و الإضطهاد الذي عاملوا به المسلمين حينذاك، لأنه لما سقطتْ آخرُ ممالكِ المسلمين غرناطة، أرغمتُ النصاري كلَّ المسلمين هناك علي التنصر بالإكراه، و من يرفضْ يُعذَّبْ و يحرق ثم يموت.
المهم الذي نحن بصدده أن هذا الحطاب ذهب إلي غرناطة في زمن الملوك المسلمين، وقبل أن تنهار دولة الإسلام هناك. و الآن نتركه يقُصّ القِصةَ كاملةً بنفسه عليكم، لأني لستُ قصاصا جيداً. يقول هذا الحطاب: كنت حطاباً أبيع الحطب، فلما ضاق بي الحال في بلدتي في المغرب، ذهبت إلي بلاد الأندلس، فلما أن وصلتُ إلي غابةٍ مليئة بالأشجار جمعتُ حملَ حطبٍ علي دابتي، ومن ثم قصدت المدينة، و كان معي إناء أضع فيه طعامي الذي أشتريه بالدراهم التي أجنيها و أكتسبها من جمع الحطب، فلما دخلتُ المدينة حيث السوق و المحلات، التقيت بخادمِ فيما يبدو من ملابسه أنه من خدام السلطان. فقال لي الخادم: هل هذا الحطب للبيع. قلتُ له: نعم. قال لي: كم ثمنه. قلتُ له: بكذا من الدراهم. قال لي الخادم: اتفقنا، هيا بنا تَجِي معي و ندفع لك الدراهم. فمشيتُ معه إلي دار السلطان ذات المباني العالية والألوان الزاهية، فلما وصلنا ونزَّلتُ الحطبَ، و أدخلنه الجواري إلي القصر، ومن ثم وقفتُ أنتظر الخادم يحضر لي الدراهم ثمن الحطب، ولكنه تأخر علي و لم يحضر في الحال، فلما طال انتظاري، أردت الدخول إلي دار السلطان، فمنعتني الحراس من الدخول، فصار لي ضجة وانزعاج. و أردت أن أحكي للبواب ما جري و لكنه أدخل أصابعه في أذنيه و لم يستمع لي، فصرختُ فيه لعله يسمع و يستجيب. فلما تعالي صراخي و زعيقي، قبضني البواب من تلابيــــبي و ضربني ضربا موجعا حتي بكيتُ، ثم تركني علي الأرضِ منبطحاً، فلما استفقتُ مما غشيني أخذتُ حماري و حبالي و مشيتُ إلي السوق، و طيلة الطريق أفكر فيما حدث، فقلتُ في نفسي لعل ما حدث لي من الضرب هو ثمن الحطب، وقلتُ هذه هي عملة السلطان في تيك البلاد. فلما دخلت السوق، وكان به ما تشتهي الأنفس، فأردت أن أشتري طعاما، فذهبتُ إلي دكانٍ و مددتُ له وعائي وطلبتُ من صاحب الدكان أن يعمر هذا الطبق بالزيت، فصنع لي ما قلتُ له، و قد ملأ لي الوعاء بالزيت.فلما طالبني بالدراهم حق الزيت، تفكرتُ قليلاً لأني لم أجني مالاً حتي الآن. فقلتُ له شكراً لك أيها الرجل. فزعق في وجهي و أصر عليَّ أن أدفع له ثمن الزيت. حينذاك، طلعتُ له إلي الدكان و دخلتُ له إلي داخل المحل و قبضتُ هذا الزيات و كلته من الضرب ما كلته، يعني ضربته ضربا شديدا في جسده. فقام الزيَّات و ظل يبكي و يصرخ، فتجمعتْ علينا الناسُ و احتشدت، وقبضوا عليَّ حينما قص عليهم الزيات ما فعلت، وكنتُ متعجباً منهم أشد العجب لأني لم أفعل إلا الواجب. فأخذوني و مشوا بي إلي من يحكم بيني و بين هذا الزيات الذي ظل يبكي طوال الطريق وهو يقول بالعيَاط: أنا بالله ثم السلطان. فوصل الخبر إلي الملك، فأمر الملك بإحضارنا و الناس معنا للشهادة عليَّ و الزيات يشتكي. فلما وصلوا بي إلي السلطان اشتكي الزياتُ إليه، وشَهِدتِ الناسُ بما رأوا من الضربِ. فقال السلطان لي: ما حملك علي ضربه. قلتُ: يا مولاي نصرك الله و أعزك، أبعملة السلطان و صرفه يجوز أم لا؟ قال السلطان: سكةُ السلطان تجوز، و لا يقدرُ أحدٌ أنْ يَرُدَّها. فقلتُ له: أنا يا مولاي، حطَّابٌ و جمعتُ بعضا من الحطب ثم أشتراه مني خادمٌ من عند جلالتكم، فبعد أن أخذ هذا الخادمُ الحطبَ مني و دخل بها إلي دار عَظَمَتِكُم. انتظرتُ أنا خارج الدار، فلما تأخر عني، طلبت الدراهم، فضربتني الحراس في جسدي حتي آلموني، فانصرفتُ من أمامهم و أخذت أدواتي، وقلتُ في نفسي هذا صرفُ السلطان و سكته، و به إن شاء الله سأشتري طعاما أتغدي عليه. فلما أشتريت ذاك الزيت من هذا الزيات، وطلب الثمن، فدفعت له بسكة السلطان التي قبضتها في ثمن الحطب.
فضحك السلطان عندئذ، و قال لي ما اسمك قلتُ له عيسي الحطاب. فقال لي الملك أين تقيم. قلتُ له في البلد الفلاني. فقال لي : ارحل إلي أولادك، و أتني بهم جميعا، و اسكن في مدينتي، وتلزم هذه الدار من جملة خدامنا. فامتثلتُ الأمرَ، وكنتُ أدخل علي السلطان و أحكي له ما يُسَرُّ به حتي يضحك مني. و الحمدلله لله رب العالمين.
وعن سيرته الذاتية:
باسم الطيب
كاتب روائي مواليد الإسماعيلية نوفمبر 2003 ، يدرس البرمجة ويهوي القراءة والكتابة ، بدء بنشر أعماله علي المنصات الالكترونية وعلي رأسهم أمازون ،كتب كتاب باللغة الإنجليزية عنوانه “اللغة الأم” وذلك كتابه الأول وشارك في العام الماضي 2021م بمعرض الكتاب السابق في دورته ال ٥٢ بكتاب عنوانه ما وراء الظلام