يُعتبر محمد التمسماني، وهو الإسم الأصلي للكاتب والروائي الراحل محمد شكري، واحد من أشهر الكُتَاب المغاربة على مر التاريخ، ذلك بسبب شهرته على المستوى العالمي، وإثارة كتبه للكثير من الجدل.
محمد شكري الذي ولد بقبيلة أيث شيشار (بني شيكر) بإقليم الناظور، عام 1935، هاجر وهو في السابعة من العمر مسقط رأسه رفقة أسرته إلى مدينة طنجة في أقصى شمال المغرب، هربا من المجاعة التي جثمت عموم أرجاء الريف، خلال سنوات الأربعينات من القرن المُنصرم (عام الجوع)، إضطرت عائلة شكري على غرار الكثير من “الريافة” إلى النزوح نحو طنجة وتطوان والعرائش على أمل العثور على ما يضمن لهم الإستمرار على قيد الحياة.
عاش شكري، طفولة جد قاسية في أحياء طنجة وشوارعها، حيث إشتغل وهو دون العاشرة في بائعا للسجائر المهربة وحمالا ونادلا في مقهة وبائعا للجرائد والمجلات وماسحا للأحذية، قبل أن تنتقل عائلته مرة أخرى صوب تطوان، لكنه عاد إلى عروس الشمال وحده.
وعلى الرغم من تلك المعاناة والتي إنضاف لها الحاجز اللغوي، إذ أن محمد شكري لم يكن يتحدث إلا الريفية والتي كان يستفزونه بها أقرانه بكونه لا يتحدث الدارجة، صمد شكري وتعلب على ذلك بتمكنه من تعلم الدارجة والتحدث بها، وصار ينغمس في طمي حياة طنجة وعوالمها الساحرة، حتى أن أسرته سرعان ما قررت مرة ثانية الهجرة، وهذه المرة صوب مدينة تطوان.
لكن شكري، قرر العودة ثانية إلى طنجة التي أحبها، ولم يتسطع الصمود كثيرا في تطوان، فعاد مجددا إلى مغامراته في الحياة بجسارة وطيش، قبل أن يقرر وهو في سن العشرين، توديع عالم التشرد والإنحراء، ودخول المدرسة في مدينة جديدة، كانت هذه المرة العرائش.
عاشر شكري النشالين واللصوص وممتهني التهريب والجنس، بالإضافة إلى جذبته طنجة بسحرها وجمال حواريها ولياليها، بينهم أشهر كُتاب العالم وأهل الفن من قبيل بول بولز وجان جونيه وتينسي وليامز وغيرهم.
بعد تخرجه، إشتغل في سلك التعليم حتى حصوله على التقاعد النسبي ليتفرغ للكتابة، بالإضافة إلى إستغاله في المجال الإذاعي خصوصا كمشرف ومقدم للبرامج في إذاعة البحر الأبيض المتوسط (ميدي 1)، وذات مرة أوقف التعامل مع الإذاعة وعزى ذلك إلى: “منذ يومين أرسل لي مدير إذاعة البحر الأبيض المتوسط شخصا يعمل هناك عارضا عليّ إعداد حلقات رمضان التي أعدها كل سنة بمبلغ يتراوح بين 15 و20 ألف درهم بما في ذلك تعويض الشرف لأنهم استغنوا عنّي بتعسف إلى أجل غير مسمى، لا أريد أن أخون عزّي. إذا كان هذا المدير كورسيكي فأنا ريفي. إذا كان جده نابليون فأنا جدّي عبد الكريم الخطابي. هذا ما قلته للشخص الوسيط”
أما علاقته بالأدب والكتابة فإستهلها بتأثير من الكتاب الأجانب الكثيرين الذين كانوا يختارون مدينة طنجة مستقرا لهم في تلك الفترة التاريخية، والذي كان جلهم أصدقائه.
لم يخضع شكري لابتزاز الايدولوجيا قط، لكنه كان متابعا للشأن السياسي في وطنه. لم يكن إيديولوجيا، لكنه أيضا لم يكن في نقطة الصفر من الحياد، يميل إلى البساطة والعفوية، يحب التواصل مع محيطه باللغة التي يفهمها. ذات انتخابات تشريعية، كان نشطاء حزب الطليعة ينظمون حملة لمقاطعة الانتخابات بطنجة، يوزعون المنشورات التي تدعو المواطنين للمقاطعة، وصادف أن التقوا بمحمد شكري ومنحوا له منشور المقاطعة، قرأه شكري بإمعان، فقال لهم ما معنى “الأوليغارشية” التي وردت في المنشور؟ تحرّج الرفاق أمام هيبة محمد شكري ولم يبادلوه الجدال حول الكلمة ودلالاتها، بعد أيام من ذلك سيحل الكاتب الوطني للحزب آنذاك المرحوم أحمد بنجلون بطنجة، واستدعوا المبدع محمد شكري ليحضر اللقاء، على جانب اللقاء التقى أحمد بنجلون بشكري وتجاذب معه أطراف الحديث حول “الاوليغارشية”، فقال له شكري، أنا أيضا لهذه الأسباب وأخرى أقاطع الانتخابات، لكن علاش “الاوليغارشية”؟؟
لم تقتلع شهرة “الخبز الحافي” محمد شكري من عوالم طنجة السفلى، بل ظلّ وفيّا لها، ظل يؤمها ليل نهار، لا يطيق مغادرتها، يعود إليها سريعا مشتاقا متلهفا كلما غادرها لبضعة أيام للضرورة القصوى، وظل يغرف من يومياتها شخوص كتاباته الروائية والقصصية والمسرحية، صارت طنجة هي الفاتنة التي تزوجها شكري، وظل متيما بها، لا يطيق مبارحتها. سئل يوما عن الزواج، فقال “عندما كنت مريضا كنت أريد أن أتزوج ممرضة، وعندما كنت معلما كنت أريد أن أتزوج معلمة، فعدلت عن الموضوع، ويبدو أنني تزوجت طنجة”.
وفي يوم 15 نونبر 2003 توفي محمد شكري بعد صراع مع المرض، “غادرنا أمير الصعاليك بهيبة الملوك” كما كتب عبد الرحمان منيف في رثائه، “غادر هذه الدنيا بعد أن شبع منها وملّها، غادر غي اسف على شيء لم يذقه، وعلى مكان لم يره، فقد احتشدت ذاكرته بكم هائل من الوجوه والأصوات، وأصبحت رؤية وجوه أكثر، او سماع أصوات اكثر، لا تطاق، ولذلك قرر ان يغادر دون ان يلتفت الى الخلف…”.
أعلن وزير الثقافة المغربي في صيف 2002 محمد الأشعري ميلاد مؤسسة شكري للثقافة، للحفاظ على تركة الأديب محمد شكري وجمعها في متحف يحمل اسمه، لكن المؤسسة لم تفعّل بالشكل المطلوب وبقيت شبه جامدة.
ياسين الحسناوي || الناظور – المغرب