كتب عقيل منقوش:
لقد منحها الله الجمال الآشوري الآسر والعقل العراقي المتوقّد ،إنها الطبيبة العراقيّة مريم دورين سركيس، لقد عرفت كل الصعاب في حياتها، أولها هجرتها القسريّة من بلدها العراق إلى مخيمات اللجوء في الجبال خارج الحدود وقبلها توقفها عن الدراسة قبل
٣ أشهر من التخرح كطبيبة من كلية الطب جامعة بغداد لما بدأ القصف الأمريكي على العاصمة وتوقفت الحياة سنة ١٩٩١، كان يجب عليها أن تنجو بحياتها وترجع إلى كركوك كي تلتحق بأهلها وحينما وصلت إلى كركوك بدأت الحرب والمقاومة بين الأكراد والحكومة ،وقد كانت وقتها في بيت الأهل مع عائلتها حينما دخل عليهم مقاتلو الأكراد من الحديقة وأخذوا تبادل الإطلاقات مع الجيش الحكومي، حيث تعرض بيتهم للقصف الشديد وهم بداخله لكنهم نجوا بأعجوبة وتمكنوا من الهرب إلى بيت الجيران، ومن ثم كان عليهم الهرب إلى مدينة أربيل (الواقعة باتجاه شمال كركوك). بعدها عرفوا أن الحكومة تلاحق الهاربين وتوجهوا إلى دهوك ( شمال العراق) وقرر أهلها الفرار ، وهكذا بدأت رحلة جديدة من حياتها في جبال تركيا كلاجئة ومن ثم وبعد أكثر من سنة استطاعت وأهلها الوصول الى استراليا كلاجئين سنة١٩٩٢ . وبعد سنة بدأت بدراسة الطب مرة أخرى في جامعة سدني وتخرجت سنة ١٩٩٧، وبعد العمل لعدت سنوات كطبيبة في المستشفيات قررت دارسة
اختصاص أمراض الشيخوخة وتخرجت ٢٠٠٥ للعمل كطبيبة اختصاص المسنين والباطنية ، وفي نفس الوقت كانت ماتزال تعمل كمتطوعة في مؤسسات اجتماعية، خيرية وطبية عراقية وآشورية ، كان عملها لجميع الجالية وبدون أي تفريق ، بالإضافة كونها طبيبة تهتم بمرضاها من كبار السن ، هي أيضا أم لمراهقين، مازالت تصطحب والدتها للتسوق والنزهة كل أسبوع مرّة، تحب أصولها العراقيّة الآشوريّة ولا تتردّد في ارتداء أزياء الملكات الآشوريات في كلّ المناسبات التي تحتفل فيها الجاليّة العراقيّة الآشوريّة في أستراليا، لها خاصيّة محبّبة في صورها الفوتوغرافيّة في وقفتها التي تشبه وقفة عارضات الأزياء الجميلات، قلبها ناصع بحبها لجميع أطياف العراق، معها كلّ التهذيب والطيبة، أحياناَ تنتابني مشاعر فرح واطمئنان كبيرين حينما أدرك بأن الحياة تسير ولا تتوقف بوجود هكذا مخلوقات رائعة تجعل لإشراقة الشمس ومجيء كل يوم جديد معنى يستحق التأمل والإصرار على الذهاب بعيدا في الحلم الذي يجعل الواحد منّا نحن البشر يستمر في العطاء من أجل أن يصل إلى الهدف الذي يبدو في المستطاع مهما بلغت الصعاب،
جهودها الأخيرة مع مجموعة من الأطباء العراقيين المنحدرين من إصول آشوريّة جعلتهم يكوّنون جمعيّة طبّية آشوريّة أستراليّة تهتم بتقديم الخدمات والنصائح الطبيّبة لأبناء الجاليّة الآشوريّة العراقيّة والإهتمام بمواكبة الطب العالمي والتأهيل الصحي،
أعرف تماماً ما يدور بداخلها كلما رأت أحوال بلدها الأصلي العراق تنحدر من سيئ إلى أسوء خاصة في مجال الطب الذي تسيّطر عليه مافيات من الفاسدين وعديمي الضمير والأخلاق من القتلة ممن يتلاعبون بحياة العراقيين منذ أكثر من ١٨ عاما، ربما يعصرها الحزن وهي الطبيبة الماهرة ومن معها من الكفاءات العراقيّة من أطباء كبار لهم القدرة الكاملة على تأسيس نظام صحي علمي عراقي يجعل كلّ العراقيين بمأمن في مستشفيات بلدهم ، بدل الذهاب إلى دول الجوار العراقي أو الهند البعيدة ، وما أكثر العراقيين ممن وجدوا أنفسهم قد خُدعوا أو ضحكَ عليهم وُسرقت أموالهم من قبل عصابات أجنبيّة أو ماتوا في المستشفيات البعيدة دون أهاليهم وأحبابهم من حولهم،
أتمنى يوماً ما أن يستطيع الأطباء العراقيون ممن يعيشون في الخارج أن يفعلوا شيئا من أجل أنقاذ الوضع الصحي العراقي المتدهور بعد هجرة الكثير من الأطباء من أصحاب الإختصاصات النادرة،
يوماً ما سوف نقرأ الكتاب الأول للطبيبة مريم سركيس الملقبة مريم جوزيف والذي يدوّن لرحلتها الطويلة من بلدها الأصلي العراق إلى بلدها الثاني أستراليا،،
عقيل منقوش.ملبورن ٢٠٢٢