ماذا يفعلُ العصفورُ في المقبرة؟
السؤال يأتي على لسان الغراب، والإجابة تنتظرُ ميتاً، يشدُّ من أزر لسانه ، باطلٌ كلُّ ما ترويه الأغاني عن جدليّة الاحتفال بالراحلين، بالدمع أحياناً، وبالزغاريد، حين ينسبون موتهم إلى ترابٍ ينكرهم، باطلٌ هذا العلَمُ الّذي يلفّون به أجسادهم، بزعْمِ أنّهم شهداء، فقد غيَّرتْ كثيرٌ من الأراضي أعلامها، ومسحَتْ أناشيدها الوطنية، وابتدعتْ لحناً آخر للموت، ورفرفةً أخرى لقماشٍ لا يثيرُ حزن الأمّهات، البلدانُ وسائل ضاريةٌ للمحو ، خرائطُ شفاهيَّةٌ يتناقلها الطاعنون في الحروب، البلدانُ أكياسُ طحينٍ فارغةٌ، البلدانُ أسبابٌ لتبرير الغربةِ، عرباتٌ لتهريب الوحشة، والبلدانُ كذلكَ، صورٌ في محفظةِ الغريب، أو على جدار غرفةٍ في المنفى، نكسرها أو نمزّقها كلّما اقتربت سكرة الموت، وذلك ما يفعله عصفورٌ في المقبرة ؛ فلعلَّه هناك ليسكرَ، ثم يطيب له الغناء.