“معركة درنة” مجموعة قصصية برائحة الوطن العربي…
قليل من الأعمال الأدبية التي تتناول شخصيات متعددة الجنسيات والثقافات بزوايا تغلب عليها الروح الأنسانية البحتة بعيدا عن التناول الخارجي لثقافة الشعوب و عاداتها وتقاليدها…..
من تلك الأعمال الفنية والتي طالعتها مؤخرا المجموعة القصصية الممتعة للأديب والقاص ابن سوهاج “علاء ابو زيد” والذي طاف بي كقارئ الوطن العربي من خلال حكي شخصيات وسط البلد و ذكريات غربة العائلة الي ليبيا الشقيقة انتهاءا بتشريح عميق لكافة التحولات السياسية والاجتماعية والتي عصفت بمصر في عقد السبعينات وصولا الي وقت قيام ثورة 25 يناير…..
العمل بالرغم من أنه يتميز بصغر الحجم و الصفحات إلا أنه تم كتابته بعناية و بمشرط جراحي دقيق…. حيث كاتب يعرف ادواته جيدا و يعرف ماذا يريد و الي ماذا يرمي…
يبدأ الكاتب بقصته و التي عنون بها مجموعته “معركة درنة” وهنا يتبادر الي ذهن القارئ ان الكاتب سيتناول أحوال الشقيقة ليبيا َ و معركتها مع الأرهاب الذي ضرب صحرائها الشاسعة بعد مقتل القذافي لأفاجأ ققارئ ان القصة تتناول معركة أطفال مصري و ليبيين و كيف يستدعي الكاتب روح المجتمع الليبي و الذي كان يصف المصريين بالفوالة لحبهم لأكلة الفول الشعبية و كيف يقارنها بقريته الأم في مصر و جده الهاوي للعب النبوت كناية عن العزة و الكرامة ووجوب الدفاع عن النفس…..
تناول الكاتب في قصته ” السوري العاشق” قضية من أكثر قضايا العالم العربي ألما وحساسية وهي القضية الكردية و التي يصف فيها الكاتب ببراعة حال سوري كردي منفي الي مصر لمقاومته الأتراك الغزاة وكيف يذوب حبا في القاهرة وروحها الإسلامية الممثلة في مسجد الحسين رضي الله عنه بشكل متوازي لحبه و غرامة بإحدى الفتيات العربيات و القاطنة للقاهرة مثله…..
في قصته” 3 يوليو” تناول الكاتب حال مصر في لحظة عزل الرئيس المصري الاسبق “محمد مرسي” وهنا تناول حال الوطن كمواطن عادي غير مسيس و غير مهتم الا ان يصل هو وعائلته الي القاهرة بتلك السيارة الشاهين المتهالكة والمقصود بها الوطن و ذلك يوضح ان المواطن البسيط لا يعنيه غير الاستقرار و الازدهار و تأمين العائلة و غير ذلك من صراعات سياسية فوقية لا يهمه ولا يعنيه في شئ….
جاء ذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في قصة بعنوان يحمل أسم الرئيس حيث قصة تتناول تباهي الأطفال بأسم الزعيم وهم يتسابقون لعبور النيل حيث من يكسب سينعت ابوه بأسم جمال عبد الناصر ليوضح لنا الكاتب في ذكاء من خلال قصة قصيرة اشبه بالومضة حقيقة انتمائه السياسي و تقديره للزعيم الراحل…..
يتناول الكاتب في قصته ” مدينة الهواجس” حال مدينة العريش والتي تحولت إلى ما يشبه الثكنة العسكرية بسبب الأرهاب عن طريق تناوله لقصة امرأة اختفى زوجها و تحب المدينة التي تبدل حالها بعد ما عصف بها من أحداث جسام…..
ختم الكاتب مجموعته بقصة ” المعتزلون” والتي من خلال شخصياتها تناول حال جيل نشأ في عقد السبعينات حيث سيطرة التيارات المتأسلمة على الجامعات برعاية الرئيس السادات والذي وصفه الكاتب بخليفة الزعيم….
ونجح الكاتب في تشريح هذا الزمن و فساده و ما نتج عنه من شخصيات مشوهة محطمة متمثلة في الدكتور عصمت الذي يبيع الحبوب المخدرة و مساعده مدحت الذي يترك أولاده يبيتون في العراء لعدم وجود مأوى له و كيف أن الجميع قد انتهى بهم الحال إلى اسوء وضح نتيجة لتحطيم الأحلام مبكرا و التي وصف الكاتب أسبابها المجتمعية ببراعة و دقة بالغة و كنت أتمنى أن تكون المعتزلون” هي اسم المجموعة القصصية و التي استعاض عنها الكاتب باسم أكثر جذبا للقارئ….
في النهاية فأن مجموعة” معركة درنة ” هي عمل أدبي متكامل يحكي تجربة ذاتية لجيل عايش زمن كان فيها ما يسمى بالحلم العربي الموعود لينتهي بأوطان شتى و أوضاع مؤلمة…..
د. عمرو منير محمد استاذ مساعد طب وجراحة العين كلية طب سوهاج