تنوعت أساليب كتابة الرواية العربية على مدار تاريخها منذ بداية ظهورها في أوائل القرن العشرين في صورة قوالب متنوعة حاول من خلالها المؤلفين تقديم اعمالهم مختلفة الموضوعات و المضامين بشكل يجذب القارئ و يكسر ملل التكرار للقوالب السائدة المتكررة ….
رواية ” و ثالثهما القمر ” للأديبة ” نادية شكري” والصادرة مؤخرا عن دار المصرية السودانية الأمارتية للنشر تعتبر نموذجا لقالب فني مبتكر حاولت من خلاله الكاتبة المخضرمة طرح فكرتها الرئيسية من خلال قصة بسيطة ظاهريا ..عميقة متشابكة باطنيا خصوصا وان كان القالب الفني عبارة عن مجموعة من الرسائل بين بطلي الرواية “صافي ” و ” وسام” و بالطبع كانت تلك الرسائل تحمل صبغة العصر في صورة مجموعة من الايميلات الإلكترونية المتعددة والتى حملت في طياتها العديد والعديد من الأفكار الضمنية والتى تضج ألما و شجنا …
تناولت الكاتبة من خلال البرديات الإلكترونية الطابع مشاكل مجتمع مأزوم بذكورية طاغية جعلت من استغلال المرأة حق مستباح للرجل الشرقي و في نفس السياق جاءت الهيراركية الأكاديمية في المجتمعات البحثية لتكون أشبه بالذكورية في صلفها و ظلمها حيث يستغل الأعلى مرتبة للأقل منه مستبيحا علمه وعصارة فكرة ….تناولت الكاتبة المتمكنة بذكاء امتداد الأزمة للعديد من فئات المجتمع كالأطباء مثلا بالرغم من تأكيدها ان المخطئ منهم يلقى جزائه في النهاية …
بصياغة واعية غير مباشرة اشتبكت الكاتبة مع أحد تابوهات المجتمع وهو المرض النفسي وعلى رأسه الاكتئاب حيث طرحت أسباب هذا المرض من ظلم و قهر اجتماعي ووظيفي وكيف أنه قد يدفع صاحبه مهما كانت قوته إلى اليأس و اللجوء إلى إنهاء ألم الحياة ….و طرحت أيضا الحل في صورة العلاج الطبى في المصحات النفسية المتخصصة و العلاج السلوكي المعرفي من تواصل انساني بين ” صافي” الباحثة في علم النفس مع ” وسام” الباحث المصاب بالاكتئاب الشديد بعد صدمة انسانية عميقة و تم التأكيد على إمكانية العلاج في صورة خروج المريض بعد شفائه على يد الطبيب الشاب الطيب ” بيتر” …..
شملت الرواية الكثير من الألوان الإبداعية المتنوعة من أمثلة الخواطر المصاغة بعناية و الرسائل المفتوحة إلى الخالق عز وجل و التى عبر من خلالها البطل عن أوجاعه وصراعه الداخلي بأسلوب أتسم بالدستوفسكية الفلسفية الخلابة ….
اختارت الكاتبة عنوان ملفت للرواية والذي تم صياغته على وزن جملة مستقاة من التراث و لكن بمعنى مختلف تماما حيث القمر الذي أضاء تلك الليلة التى حاول البطل فيها الانتحار و انقذته فيها ” صافي” لتأكد على أن العلاقة بين الرجل والمرأة الناضجين علاقة سامية حيث أنقذت المرأة الرجل من هذا الثقب الأسود المتمثل في المرض النفسي القاسي …..
جاءت نهاية الرواية مفتوحة حيث لم يعرف القارئ كيف ستكون العلاقة بين بطلي القصة و بالرغم من عدد صفحات الرواية المتوسط إلا أن التكثيف و الصياغة المحترفة جعلني كقارئ أشعر أن الرواية مليئة بالأحداث و الشخصيات والتى تم تضفيرها جيدا في مجموعة من الرسائل الشاطئية و التى وصفت الألم البشري في مجتمعنا بأقصى درجة ممكنة.
د.عمرو منير محمد استاذ مساعد طب وجراحة العين كلية طب سوهاج