في الصباح، وعند شروق شمس ربيعي كردستاني في ١٤ أبريل عام ١٩٨٨، أقدم النظام العراقي على مداهمة العديد من القصبات و القرى الكردستانية، و القبض على ١٨٠ ألف مواطن من النساء و الأطفال والشيوخ الذين لا حوله ولا قوة لهم، فقط بسبب كونهم من الكرد لا غير.
وكان النظام قد أقدم قبل ذلك على أنفلة الآلاف من مواطني الكرد الفيلية، وكذا أنفلة ٨٠٠٠ شخص من البارزانيين عام ١٩٨٣، ولكن النظام آنذاك لم يكتف بدماء هؤلاء الأبرياء و الضحايا، وتم ترحيل هؤلاء والبالغ عددهم ١٨٠ ألفا إلى المناطق الصحراوية في جنوب العراق، بعد احتجازهم في معسكرات تفتقر لأبسط وسائل العيش، ثم توزيعهم على صحارى المنطقة، وتم دفنهم وهم أحياء دون رحمة أو شفقة.
وقد اعترف النظام بارتكابه لهذه الجريمة الشنيعة، فحملات الأنفال كانت عبارة عن عمليات عسكرية، قادها الجيش العراقي والميليشيات المرادفة له على مختلف المناطق ذات الأغلبية الكردية، وسميت الحملة باسم الأنفال لكون صدام حسين كان يستخدم الآية الأولى من السورة الثامنة من القرآن الكريم “سورة الأنفال”، في مقدمة البيانات العسكرية خلال تلك الحملة.
وحسب الإحصائيات فإن قرابة 2000 قرية كُردية تم تدميرها، و أكثر من 180 ألف مدني كردي قتلوا، إلى جانب ترحيل قرابة نصف مليون كردي إلى المناطق الجنوبية من العراق.
هذه الحملة تعد من أكثر الحملات دموية عبر التاريخ، فقد راح ضحيتها أكثر من ١٨٠ ألف كردي، وتمت إبادة خمسة آلاف قرية كردية.
إن جريمة الأنفال جريمة لا يمكن نسيانها في ذاكرة الأحرار، بل هي أبشع عملية عسكرية في التاريخ، حكومة تقتل مواطنيها دون وجه حق أو محاكمة أو أي تهمة موجهة.
إن الدماء الذكية لهؤلاء الشهداء تطالب الحكومة الاتحادية العراقية بتعويض ذويهم، و إصدار قرار بجعل حلبجة محافظة، وهذا أبسط تعويض لضحايا الأنفال و القصف الكيمياوي.
إن القانون الدولي الإنساني يعتبر هذه الجرائم التي ارتكبها النظام السابق ضد الإنسانية، وقد ظل تجاهلها أزمة نفسية لعائلات الضحايا الذين تذوقوا مرارة الألم والفقد، وحتى الآن لم يجر تعويضهم ماديا أو أدبيا عما جرى بحقهم وذويهم، حتى الإدانات الدولية لم تحضر صراحة لتعيد لهؤلاء الضحايا حقوقهم أو تحاسب المجرمين.
أسوأ ما يمكن أن يسطره التاريخ عبر صفحاته مثل تلك الجرائم التي ترتكب من قبل حكام ضد شعوبهم، والكرد هم شعب سلام وتسامح لا يستحق أن تحصد أرواحهم بهذه الطريقة المهينة المخالفة لكل الشرائع السماوية والأعراف والمواثيق الدولية، وسيكون حساب التاريخ لهؤلاء المجرمين عظيم مهما مرت السنوات والقرون.
*كاتب وصحفي من كردستان العراق