إضافة أدبية فلسفية جديدة ومثيرة يقدمها الكاتب الصحفي شريف قنديل من خلال كتابه الجديد “شواهد الجمال في دفتر الترحال”. وجاء الكتاب الصادر عن الهيئة العامة للكتاب والذي تطرحه الهيئة ودار المعارف المصرية في معرض القاهرة الدولي، في نحو 180 صفحة ليجيب عن سر انحياز الكاتب لشواهد الجمال في مصر وتحديدا في الريف المصري مقارنة بعواصم أوربية عديدة زارها الكاتب في السنوات الأخيرة. وفي ذلك يسأل الكاتب نفسه في حوار داخلي:
لماذا أكتب عنها وأنحاز لحبها، ولا أمل من الحكي عن حقولها وشوارعها وطرقاتها؟!، أنا الذي قضيت سنوات في لندن وشهورًا في باريس ولياليَ في فيينا، لماذا أحن لقمرها وسمائها وصوت سواقيها وغناء الأفراح بها؟!، أنا الذي زرت الأوبرا في معظم عواصم العالم، لماذا كل هذه الهالة وأنا أتحدث عن ناسها القدامي.. العمدة وشيخ الخفر وناظر المحطة والمقرئين في دولة التلاوة، والمزارعين والخياطين والحلاقين والحدادين والمسحراتية، وضمامي الغلة؟!، أنا الذي أتيح لي اللقاء بالعديد من زعماء ومفكري، وأدباء ومطربي العالم! لماذا أكتب عن “القنطرة البيضاء” التي عبرها أمين الخولي، وزكي مبارك، والسبكي، وشكري عياد، وأحمد شفيق كامل، وعفيفي مطر، ومصطفي عبدالمجيد سليم، وآخرون، وعن “بحر شبين” الذي مشي على ضفافه، المازني، وعبدالعال حلمي، ومحمود غنيم، وعبدالرحمن الشرقاوي؟! لماذا أتيه بالقنطرة البيضاء وبحر شبين أنا الذي افترشت جبال الألب، وسهرت على ضفاف الراين ونهر السين؟!
وفيما يشبه الاجابة يقول شريف قنديل في مقدمة كتابه الجديد، الذي يمثل اضافة فلسفية نوعية، وأطروحة في علم الجمال:
تخيل معي عندما يكون تحديد موعدك مع جار أو صديق قبل انتصاف القمر، أو عند اكتمال البدر! أن يكون عقد القران عند ضم الغلة أو قطع الذرة، أو جني القطن! وأن يكون المكان عند “تينة” جدتك “آمنة”، أو نخلة جدك “عبده زايد” أو “توتة” عمك “عبدالمجيد”، أو “نبقة” خالك تهامي، أو “مشمشة” خالك علي يوسف! في ظل ذلك كله وأكثر منه، قل لي أنت: كيف أقاوم كل هذا الجمال؟! كيف أقاوم لحظة تساقط الثمرات بقلبي العليل، وكيف أقاوم صوت السواقي، وشدو الطيور عند اشتعال الأصيل؟!
ويمضي قائلا: كيف أتنكر للنسمات العليلة التي تنفست، وللأشجار الشامخة التي صعدت، وللفروع الباسقة التي هَززْتُ! كيف أتنكر للرحيق الذي لثمت، وللتوت والتين والنبق الذي أكلت؟ الحق أنني لن أجد مبررًا واحدًا لعدم تشبثي بجمال أشجار الصفصاف وزهور الياسمين، ولم أجد مبررًا واحدًا يمنع انسكاب الحنين، ولم أجد سببًا وجيهًا لنسيان القمر والنجوم!
هنا “توتة” كان جدهم الأكبر سقاها، وأوصى أبناءه أن يحرسوها، وهنا “نبقة”، كانت رائحة الجدة فيها، وهنا “نخلة” طويلة، بات التخلص منها عملية مستحيلة.. أتركوها قالتها الجدة وكأنها ولتها عليهم أو ولتهم عليها! هنا يمر القمر قرب البستان، فتخرج الصبايا للإمساك به، قبل أن يعبر لدار الجيران! فإن اختفى خرج الكبار والصغار، يحتجون على خنقه ويرددون: يلا يا بنات الحور سيبوا القمر ينور! يلا يا بنات الجان سيبوا القمر يبان! يلا يابنات الجنة سيوا القمر يتهنى!
وخلال فصول الكتاب يستدعي شريف قنديل العلامة الراحل أمين الخولي لحماية التجديد، ويتناول سيرة ذكي مبارك رائد مدرسة سنتريس التي واجهت سربون باريس، قبل أن ينتقل للحديث عن اشمون وعن روائح الراين والقنطرة البيضا!
ويضم الكتاب مقارنات مصرية خالصة عن جمال الفكر وعذوبة الصوت بين المازني والعقاد من جهة، والبنا والصياد من جهة أخرى، وعن عناق الرومانسية والفروسية بين حلمي وغنيم، قبل أن يتطرق لمقارنات أكثر اثارة بين حلاق بغداد وحلاق الرملة، ورعاة الغنم في مصر وفي جبال الألب، وطعم الجمال بين بحيرة جنيف والبحر الأعمى، وبين حنطور فيينا وحنطور منوف، وعن ليالي الانس بين العاصمة النمساوية والقاهرة الخديوية.
كما يحفل الكتاب بذكريات رائعة عن ضم الغلة بين فان جوخ ومنجل الخال طلبة، وعن بيجامة ومراجيح العيد، ورسومات الحج، والحنين للقمح من الشونة الي ماكينة الطحين، وفوانيس عفيفي مطر التي تتوضأ منها النفوس!
كما خصص الكاتب فصلا طويلا عن شقيقته الشهيدة نفيسة قنديل زوجة الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، وفي ذلك يقول: ذات صباح، كنت أكتب فصلا من هذا الكتاب عن شجرة الأسلاف، دون أن أدري أنني أنعي أجمل الأغصان فيها “نفيسة الخير”! كنت أردد قصيدة مطر التي يقول فيها: دفنا في جذور التوت موتانا.. وعدنا نملأ الأفران دخانا.. لينتظر الصغار فطائر العيد!
أخيرا وعن سر استغراقه في الحديث عن قريته “رملة الأنجب”، يقول شريف قنديل:الواقع أن حديثي عن قريتي أو بيئتي، له مرجعان! روعة الموعد، وجمال العنوان! إنه مزيج من الشوق، والود، والحب، والوجد، والنبل! الأثير وومض الجمال المثير، وأفق الأحلام والأمنيات الوثير، الوجه الخجول، والموال الجميل.. آذان الفجر، والهديل.. صوت القطارات، ومعنى الرحيل.. خطو الجياد، وقيمة الصهيل.. قهر المستحيل، وفرح الوصول.. ري الأرض في مواعيدها، وانتظام الفصول!
الحق كذلك، أن وجه الصباح في قريتي لم يضع مني، وأنني كلما سافرت عاصمة أوروبية رحت أدندن لبلادي وأغني.. ولأني.. لم أتوقف عند حد التحسر أو التأوه أو التمني.. فقد قررت أن أكتب وأروي، وأهتف أحيانا: مصر التي في خاطري وفي دمي!
يذكر أن حفل توقيع الكتاب الذي صممت غلافه شروق شريف قنديل، سيتم في نهاية الندوة المخصصة لمناقشته يوم الأحد الموافق 2 فبرابر ببلازا 2 عند الثانية ظهرا والتي سيديرها الكاتب الصحفي عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق سابقا، ويتولى المناقشة فيها الدكتورة رضا خلاف استاذة الفلسفة وعلم الجمال بجامعة المنوفية، والكاتب الصحفي والفنان التشكيلي الدكتور سامي البلشي، والكاتب الصحفي الزميل فراج اسماعيل مدير تحرير موقع “العربية” سابقا.