انتشرت في مصر مؤخرا ظاهرة تقليد الكتب، عبر طباعة نسخ تكاد تكون «طبق الأصل» من بعض الكتب الصادرة حديثا، وبيعها بأسعار تقل عن النسخة الأصلية بنحو 80% من قيمتها، فقد تجد الكتاب يباع في الدار الناشرة بـ200 جنيه، وعلى الرصيف بـ20 فقط.
الظاهرة تسمى بـ«الطبعات الشعبية»، ويراها أصحاب دور النشر والمؤلفين «سرقة وقرصنة»، بينما يراء القراء حقًّا طبيعيًّا لهم، ومقاومة عملية لارتفاع أسعار الكتب. فما هو مفهوم الطبعات الشعبية؟ وكيف يصل الكتاب للقارئ بسعر مناسب ليكون في متناول الجميع؟ وما هي الحلول للقضاء على الظاهرة؟
دائمًا ما يثير مصطلح الطبعات الشعبية الجدل حول مفهومه، خاصة مع تزايد ظاهرة قرصنة الكتب، والشكاوى المتزايدة من قبل القراء، خاصة في مصر، من ارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه أحيانًا، متزامنًا مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل عام، ما يطرح سؤالا أهم، وهو إذا ما كانت دور النشر قادرة على خفض الأسعار من البداية فلماذا تطرح كتبها بسعر مرتفع؟
الكتاب سيصل للقارئ
يرى الروائي والقاص أحمد عبد المنعم رمضان، “أننا أصبحنا في عالم يسمح لوصول الكتاب لمتلقيه بسعر وتكلفة مناسبة رغم أنف الجميع”، على حد تعبيره، فإن لم يصل الكتاب إلى قارئه عبر ناشره سيصل عبر النسخ المزورة أو عبر النسخ الإلكترونية، فالحرب التي يخوضها البعض لإيقاف حركة الانتشار هذه دون تقديم البديل هي محاربة لطواحين الهواء، وتفكير خارج الزمن وبعيد عن الواقع، ولن تجدي نفعا طالما أن الناشر لا يوفر البديل المنطقي، سواء عبر طبعات شعبية وأسعار منطقية، أو عبر نسخ إلكترونية رخيصة، وكذلك عبر توزيع واسع لمنشوراته.
ويضيف رمضان، “ولكن إذا كانت أغلب دور النشر تطبع الآن أقل من خمسمائة نسخة من إصداراتها، وبالطبع لا توزعها إلا في نطاق ضيق جيدا، فكيف لنشاط يدار بهذا الأفق الضيق أن يفتح المجال لطبعات شعبية أو غيرها؟ العديد من دور النشر تعمل على دفن الكتابات، لا نشرها، والحصول على مكسب سهل وبسيط، والمؤلف لا حول له ولا قوة في هذه السوق، فلا أظن أن أحدا سيعترض على نشر مؤلفاته في نسخ أرخص مقابل زيادة التوزيع والانتشار، ولكن هل هناك من يريد أن يقوم بعمله حقا، التوزيع، الدعاية، الاهتمام بكتبه وطرحها بأسعار مناسبة، مواكبة العصر، أم أن الأمر سيظل على حاله؟”.
الطبعة الشعبية.. وهم
يرى الناشر هاني عبد الله، مدير دار الرواق للنشر، أنه لا يوجد في مصر ما يسمي بالطبعة الشعبية، فهو أكذوبة، لكن المصطلح ذاته ظهر لتقنين قرصنة الكتب، التي أثرت سلبًا على سوق النشر، فالمزور لا يمر بكل مراحل النشر، التي تخوضها الدور، صحيح أن المزورين يستخدمون نفس الورق الذي يستخدمه الناشر، لكن الفارق في السعر يخص حقوق المؤلف وإخراج الكتاب والتصحيح والمطبعة وغيرها ليكون فرق السعر أكثر من 50% من التكلفة الأساسية.
ويضيف عبد الله، “متوسط أسعار الكتب المصرية من 50 إلى 70 جنيها فقط، وهي أسعار بسيطة بالنسبة لسوق الكتاب العالمية، فالكتب المصرية تعد من أرخص الكتب على مستوى العالم، لكن هناك نظرة متدنية للكتب من القارئ، فيجب عليه أن يعي أهمية الكتاب، والمراحل التي يمر بها، من حقوق الكاتب إلى المحررين والمصححين والأغلفة والطباعة والنقل وغيرها، فضلا عن هامش الربح، أنا كقارئ مثقف واعٍ أرى أنه يجب أن لا نستحل “سرقة” الكتاب عن طريق المزورين، صحيح هناك مشكلة في توزيع المحافظات، لأنها معضلة اقتصادية، لكن القارئ يمكنه الوصول للكتاب وقتما يريد حتى لو في محافظات بعيدة، قد يكون أحد أسباب القرصنة، لكنه بالتأكيد ليس مبررًا”.
ويشير عبد الله إلى أن الحل في أن القارئ يحصل على الكتاب من منافذ البيع المعروفة، ما يساعد على النهوض بالصناعة، حيث إن الناشر إذا استطاع أن يغطي تكاليف عمله ستكون لديه القدرة على تقليل سعر الكتب مستقبلًا، نظرًا لارتفاع معدلات البيع.
البداية غربية
ولم يختلف محمد البعلي، مدير دار صفصافة للنشر، الذي يرى أن مفهوم الطبعات الشعبية ظهر بالأساس في الغرب، لأنه من المعتاد أن تكون الطبعات الأولى من الكتب ذات غلاف مقوى “Hard Cover”، فتكون مرتفعة الثمن، وموجهة للطبقات الوسطى والوسطى العليا، فيطرحون بعدها نسخة ذات غلاف عادي “Soft Cover”، فيما يمكن أن يطلق عليه “طبعة شعبية” لتصل إلى شرائح أوسع من القراء، كالطلاب والطبقات العاملة.
لكن في مصر كل الكتب ذات غلاف عادي، بخلاف الكتب التراثية والدينية، ويتم تبني بعض الكتب الأكثر نجاحًا في مشروع مكتبة الأسرة لتصل للقارئ بسعر “مدعوم”، فبحسب البعلي، السعر ليس أقل في التكلفة، لكن الدولة تتحمل جزء منه لتوفيره للقارئ، وهذا تقليد مستمر من الستينيات اتخذته الدولة لتوفير كتب بشكل أكبر.
ويضيف البعلي، “هذا سياق مختلف، لكنه الأقرب في مصر لمفهوم الطبعات الشعبية، مع الوقت أصبح هناك عدد من دور النشر الخاصة أصبحت تعاني من قرصنة الكتب الناجحة لديها، فتبنت مسألة الطبعات الشعبية لتوفير تلك الكتب بأسعار أقل، مثل كتب أحمد مراد، التي صدرت عن دار الشروق في طبعة شعبية حجمها أصغر من الكتاب العادي، لكن هذا لم يوقف القراصنة، لأن مسألة “الطبعات الشعبية” متعلق بالأساس لوصول الكتاب لشرائح أوسع، لذا يتوجب توفير نقاط بيع أكثر كثيرا لوصول تلك الطبعات للناس”.
الظاهرة تسمى بـ«الطبعات الشعبية»، ويراها أصحاب دور النشر والمؤلفين «سرقة وقرصنة»، بينما يراء القراء حقًّا طبيعيًّا لهم، ومقاومة عملية لارتفاع أسعار الكتب. فما هو مفهوم الطبعات الشعبية؟ وكيف يصل الكتاب للقارئ بسعر مناسب ليكون في متناول الجميع؟ وما هي الحلول للقضاء على الظاهرة؟
دائمًا ما يثير مصطلح الطبعات الشعبية الجدل حول مفهومه، خاصة مع تزايد ظاهرة قرصنة الكتب، والشكاوى المتزايدة من قبل القراء، خاصة في مصر، من ارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه أحيانًا، متزامنًا مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل عام، ما يطرح سؤالا أهم، وهو إذا ما كانت دور النشر قادرة على خفض الأسعار من البداية فلماذا تطرح كتبها بسعر مرتفع؟
الكتاب سيصل للقارئ
يرى الروائي والقاص أحمد عبد المنعم رمضان، “أننا أصبحنا في عالم يسمح لوصول الكتاب لمتلقيه بسعر وتكلفة مناسبة رغم أنف الجميع”، على حد تعبيره، فإن لم يصل الكتاب إلى قارئه عبر ناشره سيصل عبر النسخ المزورة أو عبر النسخ الإلكترونية، فالحرب التي يخوضها البعض لإيقاف حركة الانتشار هذه دون تقديم البديل هي محاربة لطواحين الهواء، وتفكير خارج الزمن وبعيد عن الواقع، ولن تجدي نفعا طالما أن الناشر لا يوفر البديل المنطقي، سواء عبر طبعات شعبية وأسعار منطقية، أو عبر نسخ إلكترونية رخيصة، وكذلك عبر توزيع واسع لمنشوراته.
ويضيف رمضان، “ولكن إذا كانت أغلب دور النشر تطبع الآن أقل من خمسمائة نسخة من إصداراتها، وبالطبع لا توزعها إلا في نطاق ضيق جيدا، فكيف لنشاط يدار بهذا الأفق الضيق أن يفتح المجال لطبعات شعبية أو غيرها؟ العديد من دور النشر تعمل على دفن الكتابات، لا نشرها، والحصول على مكسب سهل وبسيط، والمؤلف لا حول له ولا قوة في هذه السوق، فلا أظن أن أحدا سيعترض على نشر مؤلفاته في نسخ أرخص مقابل زيادة التوزيع والانتشار، ولكن هل هناك من يريد أن يقوم بعمله حقا، التوزيع، الدعاية، الاهتمام بكتبه وطرحها بأسعار مناسبة، مواكبة العصر، أم أن الأمر سيظل على حاله؟”.
الطبعة الشعبية.. وهم
يرى الناشر هاني عبد الله، مدير دار الرواق للنشر، أنه لا يوجد في مصر ما يسمي بالطبعة الشعبية، فهو أكذوبة، لكن المصطلح ذاته ظهر لتقنين قرصنة الكتب، التي أثرت سلبًا على سوق النشر، فالمزور لا يمر بكل مراحل النشر، التي تخوضها الدور، صحيح أن المزورين يستخدمون نفس الورق الذي يستخدمه الناشر، لكن الفارق في السعر يخص حقوق المؤلف وإخراج الكتاب والتصحيح والمطبعة وغيرها ليكون فرق السعر أكثر من 50% من التكلفة الأساسية.
ويضيف عبد الله، “متوسط أسعار الكتب المصرية من 50 إلى 70 جنيها فقط، وهي أسعار بسيطة بالنسبة لسوق الكتاب العالمية، فالكتب المصرية تعد من أرخص الكتب على مستوى العالم، لكن هناك نظرة متدنية للكتب من القارئ، فيجب عليه أن يعي أهمية الكتاب، والمراحل التي يمر بها، من حقوق الكاتب إلى المحررين والمصححين والأغلفة والطباعة والنقل وغيرها، فضلا عن هامش الربح، أنا كقارئ مثقف واعٍ أرى أنه يجب أن لا نستحل “سرقة” الكتاب عن طريق المزورين، صحيح هناك مشكلة في توزيع المحافظات، لأنها معضلة اقتصادية، لكن القارئ يمكنه الوصول للكتاب وقتما يريد حتى لو في محافظات بعيدة، قد يكون أحد أسباب القرصنة، لكنه بالتأكيد ليس مبررًا”.
ويشير عبد الله إلى أن الحل في أن القارئ يحصل على الكتاب من منافذ البيع المعروفة، ما يساعد على النهوض بالصناعة، حيث إن الناشر إذا استطاع أن يغطي تكاليف عمله ستكون لديه القدرة على تقليل سعر الكتب مستقبلًا، نظرًا لارتفاع معدلات البيع.
البداية غربية
ولم يختلف محمد البعلي، مدير دار صفصافة للنشر، الذي يرى أن مفهوم الطبعات الشعبية ظهر بالأساس في الغرب، لأنه من المعتاد أن تكون الطبعات الأولى من الكتب ذات غلاف مقوى “Hard Cover”، فتكون مرتفعة الثمن، وموجهة للطبقات الوسطى والوسطى العليا، فيطرحون بعدها نسخة ذات غلاف عادي “Soft Cover”، فيما يمكن أن يطلق عليه “طبعة شعبية” لتصل إلى شرائح أوسع من القراء، كالطلاب والطبقات العاملة.
لكن في مصر كل الكتب ذات غلاف عادي، بخلاف الكتب التراثية والدينية، ويتم تبني بعض الكتب الأكثر نجاحًا في مشروع مكتبة الأسرة لتصل للقارئ بسعر “مدعوم”، فبحسب البعلي، السعر ليس أقل في التكلفة، لكن الدولة تتحمل جزء منه لتوفيره للقارئ، وهذا تقليد مستمر من الستينيات اتخذته الدولة لتوفير كتب بشكل أكبر.
ويضيف البعلي، “هذا سياق مختلف، لكنه الأقرب في مصر لمفهوم الطبعات الشعبية، مع الوقت أصبح هناك عدد من دور النشر الخاصة أصبحت تعاني من قرصنة الكتب الناجحة لديها، فتبنت مسألة الطبعات الشعبية لتوفير تلك الكتب بأسعار أقل، مثل كتب أحمد مراد، التي صدرت عن دار الشروق في طبعة شعبية حجمها أصغر من الكتاب العادي، لكن هذا لم يوقف القراصنة، لأن مسألة “الطبعات الشعبية” متعلق بالأساس لوصول الكتاب لشرائح أوسع، لذا يتوجب توفير نقاط بيع أكثر كثيرا لوصول تلك الطبعات للناس”.
كتبت: أميرة دكروري
الكتاب 50+1