بحور المَاضِي : الموجة الـ 381 …
بقلم : أحمد فتحي الجندي
عجز التَاريخ عن وصف ذلك اليوم بكُل التقاويم.
صوت بعيد لحفيف الهَواء ، صورة سوداء قاتمة تتخللها خيوط من أشعة الضوء كأنها سكين يطعن الظلام وتزداد بريقاً وإنارةً كُلما إرتفع صوت الحفيف ، تتضح الصورة تدريجياً … منصةٌ من الرخام الداكِن ذو الألوان المُتداخلة قَد بدت كأنها تسخر الهواء بساطاً ليحملها فوق الغيوم بين قمم جبال الألب.
إنتصبت شجرة سكويا عملاقه في مواجهة شجرة من العرعر الغربي فوق المنصة الرخامية حيث تخللت جذورهن المنصة وكأن جذورهن قد صُنعت من إبرٍ من الفُولاذ لتخترق الرخام الذي بدا كالإسفنج لأعيُن الناظرين.
نقترب بالنظر من المنصة لنري كُلاً من الشجرتين وقد أثمرتا غُصنان عظيمان في مواجهة بعضهم بعضاً ، أثمر غُصن الأولي صُلباناً عملاقة ، ونُقش علي غُصن الثانية نجمة خماسية ترمُز لـ فينوس إلهة الجمال الإغريقية.
في حركةٍ مفاجئة أسقطت الأولي صليباً من ثمارها ، وكحركة من دوافع الكُره قامت الثانيه بحك أغصُنها لتكون شرارة سُرعان ما تحولت نيراناً لتسقُط علي الصليب لتحرقُه وتحولهُ رماداً وساد الصمت لمئات من السنين ، وفي أشعة نهار بعد حوال 250 عاماً أسقطت الثانية غُصناً علي شكل صاعقة الإله زيوس وفي حركة قد حفزتها دوافع الإنتقام أسقطت الأولي غُصناً عملاقاً بوزن صخرة هائلة ليهبط علي الصاعقة فيُهشمُها إلي قطعٍ صغيرة ، حينها تمنت الشجرتين من ألهتهن قُدرة التحدث ، قالت الثانيه …
-ماذا أنتِ بفاعلة ؟
ردت الأولي …
=لَم أفعل اكثر من فعلتكِ ولا أقل.
-نحن الأقدم هُنا ، ولن نسمح بتهميش أو خدش ألهتنا من بعضٍ من المشعوذين والدجالين.
=أفقدتي بصيرتكي يا هذه؟! ، أحقاً ترين أن القِدم يمكن أن يكون مُبرراً لسفك الدماء والإبادة ؟ !!
-لقد قدمتم إلينا ساخطين علينا رافضين ألهة أبائنا وأجدادنا.
=أتُبررين القتل العام ؟ اتُبررين الدم ؟
-لستي بأفضلُ مني شيئاً فبحق الألهة لم أصنع ما لم تصنعه أيديكُم ، قتلتمونا وهدمتُم معابدنا وشوهتُم ألهتنا وحين طلبنا المُسامحة لَم تعطوها إلينا مثلما فعلنا ، لتشهد أطلال المعابد ودماء البشر عليكُم ، أراكِ منذُ ألاف السنين يا هذه ، لستي بأكرم مني ولا بأرفعِ مقاماً.
-ولم لا تشهد نمور الأستاديوم عليكم حين ألقيتمونا لها طعاماً لتتسلون وتتسامرون عن طُرق قتلنا ليلاً ، لمَ لا تشهد السراديب والأنفاق الممتلئه بجثث الضحايا ؟ لم لا تشهد المشاعل حينما كُنتم تغذونها بشراً لتُنير لكُم ظلمات الطريق ؟ ألم تُبصري نُظم اختيار ولاة الأقاليم المبنيه علي مدي قسوتهُم في قتلنا وتعذيبنا ؟
-ساد الصمت ليُعلمنا بفقدانهُم قدرة النطق.
-تبتعد المنصة تديجياً عن مرأي العين ، وتتصارع الغيوم بضراوة وسط صمت الشجرتين حتي تنحجب الرؤيه ويسود الظلام.
انتظروني في الجزء ( ٢ )