البعض يرى أن مجال الترجمة أصبح مباحا «لكل من هب ودب»، فبقدر قليل من اللغة، إلى جوار الإنترنت نت، تتم المهمة، لكن البعض الآخر يرى أننا أمام إنتاج جيد، ومستوى يرتقي يوما بعد يوم.. فأين تقف حركة الترجمة في الوقت الراهن؟ وما العقبات التي تواجهها؟ وما هي الفنون الأدبية التي تجذب المترجمين؟ وهل لا بد أن يكون المترجم أديبا وصاحب خيال؟ وهل فعلا أصبح المجال مفتوحا على مصراعيه أمام الدخلاء؟
أكاديميا، يحلم الدكتور خالد توفيق، أستاذ دراسات الترجمة وعلم اللغة ومنسق قسم الترجمة التخصصية باللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعضو اتحاد الكتاب، باكتمال مشروعه، الذي يعمل عليه منذ سنوات عدة، وهو تسهيل علوم الترجمة على طلاب الترجمة والمترجمين المبتدأين، ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي كله.
وللدكتور خالد توفيق أكثر من 50 كتابا، تناقش في معظمها قضية الترجمة واللغة، وبعضها كتب مترجمة، وتتنوع إصداراته في المجال ذاته، فله مثلا «قواعد الترجمة العلمية والتقنية، وقواعد الترجمة الصحفية، وقواعد الترجمة الأساسية، ومبادئ الترجمة الدينية، وأخطاء المترجمين الشائعة، واجتهادات المترجمين، ووقفات مع الترجمة، وقاموس المصطلحات الدينية، وقاموس المصطلحات السياسية، وكيف تترجم عملا أدبيا، وغيرها العديد من الكتب.
وفي حواره مع الموقع الصحفي الرسمي لمعرض الكتاب، أشار الدكتور خالد توفيق، إلى أن المكتبه العربية تفتقر كثيرا للكتب في هذا المجال، ولفت إلى أن معظم إصداراته موجودة في معرض الكتاب.
وبسؤاله عن وضع الترجمه في الوقت الراهن، أجاب بأنه يشهد الكثير من الدخلاء، وللأسف أصبح مستوى الترجمة يتردى بسبب هؤلاء الدخلاء غير الدارسين، فمعظمهم يترجمون عن طريق الإنترنت دون أي تدخل من جانبهم.
وأضاف أن مكاتب الترجمة وشركات النشر أصبحت تتعامل أكثر مع هؤلاء الدخلاء، لأنهم يقبلون بأسعار رخصية جدا، لأنهم لا يبذلون أي مجهود، بينما المترجم الخبير القدير الصاحب الأجر العالي بدأ ينزوي، لأنه لا يلجأ لهذه الطرق ويفضل أن يعمل بالشكل المعتاد للمترجم، وهو العمل بضمير وأخلاق، لكي يخرج ترجمة جيدة للمتلقي.
ويطالب الدكتور خالد توفيق بمشروع قومي للترجمة، وخاصة الترجمة العلمية، يعمل على ترجمة كل الإصدارات العلمية التي تصدر في أمريكا وأوروبا، وخاصة أوروبا الغربية واليابان والصين، في نفس وقت إصدارها، وعدم الانتظار لسنوات للحصول على الكتاب وحقوق الطبع، فيتقادم العلم الموجود في هذا الكتاب .
وعما يترجم في مصر حاليا، قال توفيق، إن المزدهر الآن هو ترجمة الروايات، خاصة تلك الحاصل أصحابها على جوائز دولية، لأنها تجدا سوقا كبيرة جدا في الفترة الحالية.
وعن نصائحه التي يقدمها للمبتدئين في مجال الترجمة، قال “القراءة، فالقراءة، ثم القراءة، القراءة كثيرا في مجال الترجمة وحضور ورش والحصول على شهادات متخصصة في الترجمة، وقراءة الأعمال المترجمة لكبار الكتاب ليتعلم المترجم المبتديء يرى كيف يتعامل المترجم الكبير مع النص”.
وعن اقتحام الكثيرين لمجال الترجمة اعتمادا على إجادة لغة ما، قال الدكتور خالد إن إجادة اللغة شيء وإجادة الترجمة شيء آخر، فالترجمة مهارة تحتاج إلى تدريب ودراسة وقراءة وتعلم، ولابد أن يجيد المترجم ثنائي اللغة وثنائي الثقافة بشكل كبير.
بدورها، تقر الدكتورة دينا مندور، وهي مترجمة أدب وعلوم إنسانية من الفرنسية إلى العربية، وباحثة دكتوراه في جامعة السربون، وكانت رئيس تحرير سلسلة الجوائز في الهيئة المصرية العامة للكتاب، واعتذرت منذ شهر، من أجل التفرغ لمهام أخرى، بوجود فوضى في مجال الترجمة.
وفي التوضيح تقول مندور، إنه من المهم أن يقترح المترجمون بعض الأعمال، التي يرغبون في ترجمهتا، سواء من خلال اطلاعهم على أدب وثقافه لغة ما، أو من خلال الاحتكاك بتلك الثقافة والاطلاع على تياراتها المختلفة، لكن من المهم أيضا أن تكون هناك استراتيجيه لدى المؤسسات المسؤولة عن الترجمة في مصر، سواء مؤسسات خاصة أو مؤسسة حكومية.
وتضيف مندور، في حوارها مع الموقع الصحفي الرسمي لمعرض الكتاب، أنه يجب أن تكون الاستراتيجية إطارا عاما يينظم عملية الترجمة، عن طريق التنسيق بين اقتراحات المترجمين، والأعمال التي تقرها المؤسسات، الحكومية والخاصة، من أجل ترجمتها.
وتصف مندور ما يتم إنتاجه من ترجمات بـالمعقول»، لكنها تتمنى الاهتمام بنوعية المنتج، وترى أن إقرار استراتيجية للترجمة يساعد في تحسين الكم والنوعية وستعمل على إخراج الترجمات بشكل منهجي .
وترى مندور أن المؤسسات الرسميه مطالبة بدور أفضل فيما يخص الترجمة، لافتة إلى وجود مشكلة في شراء العناوين الجديدة، بسبب مشاكل تحويل العملة الصعبة، وتضيف أن معظم إنتاج الترجمة يعتمد حاليا على عاملين، الأول ترجمة الكتب التي لم يعد لها حقوق نشر، وفي الغالب تكون أصبحت قديمة بطبيعة الحال.
أما النوع الثاني، فيعتمد على المترجم نفسه أو الناشر بالتواصل مع المؤلف لإقناعه بالتنازل عن حقوق النشر مقابل ترجمة الكتاب إلى لغة واسعة الانتشار، مثل اللغه العربية، مضيفة «عادة العناوين الأكثر أهمية لا تندرج ضمن هذين البندين».
وتطالب مندور المؤسسات الحكومية بلعب دور أكبر في دعم وإنتاج الكتاب المترجم، وبناء المترجمين عن طريق الأخذ بمقترحات الشباب كنوع من المسؤولية المجتمعية، والعمل على مساعدة المترجمين الجيدين ماديا وأدبيا للارتقاء بمستواهم المهني، كما أنه على الجهات الحكومية الاهتمام بتوزع الكتب القيمة.
الدكتورة دينا مندور ليست لديها مشكلة مع من يقتحم مجال الترجمة دون دراسة، لكن لديها مشكلة كبيرة مع مقتحميه دون موهبة، لأنها ترى أن الترجمة موهبة تصقلها الدراسات، وأن إجادة اللغة دون موهبة غير كاف، فالترجمة موهبة مليئة بالتفاصيل، منها كيفية التوازن ما بين رسالة الكاتب الأجنبي دون خيانة كبيرة وتوصليها بلغة وطريقة مقروءة ومستساغة يتقبلها القارئ.
وتفضل مندور أن يكون لدى المترجم خيال، لكن مسيطر عليه غير جامح حتى لا يخون النص الأصلي خيانة كاملة، خيال يخدم النص المترجم ويخدم القارئ، وبدون الخيال قد يخرج النص المترجم جاف وجامد.
من جانبه، يرى الشاعر والمترجم عن الإنجليزية ميسرة صلاح الدين، أن الترجمة في الوقت الراهن تحظى باهتمام كبير، وهناك إقبال من الشباب على قراءة الكتب المترجمة والروايات، وكذلك زاد عدد المترجمين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، لكنه في الوقت ذاته يرى أن عدد المترجمين غير كافٍ لسد احتياج السوق، وخصوصا في المحالات العلمية.
وعن أبرز العقبات، التي تواجه حركة الترجمة، قال صلاح الدين في حواره مع الموقع الصحفي الرسمي لمعرض الكتاب، إن«غياب دور المؤسسات الحكومية من أبرز التحديات، التي تواجه المترجمين الشبان وحركة الترجمة، فالكثير من سلاسل الترجمة المختلفه متجمدة منذ فترة طويلة ولم تكن تدار بشكل فعال، وكذلك الحال بالنسبة للمركز القومي للترجمة، خاصة أن لهذه المؤسسات دور هام في اختيار أعمال فكرية وعلمية ذات طبيعة نوعية، في ظل إقبال دور النشر الخاصة على ترجمة الروايات بحثا عن المكسب المادي».
وبسؤاله عن رأيه فيما يترجم عن مصر، أجاب أن «حركة الترجمة العكسية من اللغة العربية، إلى اللغات الأخرى ضعيفة للغاية، ولذلك فإن ما يترجم عن مصر ومن مصر غير كافٍ لتوصيل صورة حقيقية ومعاصرة عن وضعها الراهن».
وأشاد ميسرة صلاح الدين إقامة معرض الكتاب في ظل الظرف الراهنة وما يحمله من رسائل كثيرة، لافتا إلى أنه يشارك في المعرض كمترجم بعدد من الإصدارات الجديدة، كرواية «شوجي بين» للكاتب الإسكوتلندي دوجلاس ستيوارت، ورواية «كل جزري الوحيدة» للكاتبة الفلبينة الشابة فيجي كامبيلان، بالإضافة إلى ترجمة أعمال غير روائيه، مثل رسائل الكاتب النمساوي ستيفان زفايج، إلى جانب ترجمة مذكرات شيماء هال، التي صدرت باسم فتاة السر.
ولميسرة صلاح الدين عدة إصدارات متاحة كشاعر وكاتب مسرحي في معرض الكتاب أبرزها «ترام الرمل» ومجموعه مسرحيات و«جراح الأوبرا»، كما يستعد لإصدار ديوانه السادس في معرض الكتاب مطلع العام المقبل، كما قدم مؤخرا العرض المسرحي «لعنة كرامازوف» عن رواية ديستوفسكي الشهيرة، ولاقى حماسا شديدا من الجمهور والنقاد، وكانت نصيحته للمترجمين المبتدئين من كلمتين فقط «الاجتهاد والإخلاص».
بدوره، يرى المترجم السوري معاوية عبد المجيد، أن الترجمة الأدبيّة والروائيّة تشهد تطوّرًا ملحوظًا، فالترجمات كثيرة، تكاد لا توجد دار واحدة لا تهتم بترجمة الروايات الأجنبيّة إلى العربية، روايات كلاسيكية وحديثة ومعاصرة، واصفا ذلك بالشيء جيّد، لأنّ الإنتاج غزير والجودة ترتقي دائمًا.
وعن أبرز العقبات، التي تواجه حركة الترجمة، قال عبد المجيد، في حواره مع الموقع الصحفي الرسمي لمعرض الكتاب، إن «حركة الترجمة ربما ينقصها انفتاح أكبر على حقل “دراسات الترجمة”، وهو حقل علميّ ونقديّ وفكريّ، سيثري المترجمين ونشاطهم بلا شكّ، لسنا متأخّرين في هذا الحقل بقدر ما نحتاج إلى إفساح المجال للمنظّرين والباحثين وأهل الاختصاص كي يقولوا رأيهم.
وينصح عبد المجيد المبتدئين في مجال الترجمة بقراءة تاريخ الأدب، وتاريخ الشعب الذي يترجمون من أدبائه، كما ينصحهم بأن يكوّنوا حالة شغف مع الكتب التي يترجمونها، لافتا إلى أن هناك نصائح أخرى، «لكنها تطبيقية ويطول الحديث فيها».
وتعليقا على سؤاله بأن البعض يقتحم مجال الترجمة بلا دراسة معتمدا على اللغة، قال «في الآونة الأخيرة، ربما، تغيّر الوضع، بات المترجمون على دراية بآليات الترجمة الأدبية، لا يمكننا أن ننكر دور الأجيال السابقة الذين كانوا يسدّون الثغرات في المكتبة العربية بجهودهم الجبارة، لكنّ دراسة اللغة والأدب وحدها لا تكفي، هناك ما يسمّى بعلم الترجمة وأصولها وفنونها، وهذا ما يضيّق عدد المقتحمين، لكنّه يفتح الباب على وسعه.
بسؤاله هل المجال يحتاج إلى ضوابط؟ وما هي؟ أجاب بأن «فكرة إيجاد ضوابط جيدة جدا، لكن المشكلة في تطبيقها على أرض الواقع، ذلك أن كلمة ضوابط تحيلنا على دور الدولة والمؤسسات، وهذا ما يصعب تنفيذه فعليا في العالم العربي مترامي الأطراف ومتعدد الدول، ناهيك بوجود دور خاصة، لن ينتهي الجدل في هذا الموضوع الإشكاليّ، ومن الأفضل ألّا ينتهي، ربما تأتي الحلول شيئًا فشيئا لا دفعة واحدة.
معاوية عبد المجيد مترجم سوري ولد في دمشق عام 1985، ترجم العديد من الأعمال الروائية من اللغة الإيطالية إلى العربية، وهو حاصل على جائزة جيراردو دي كريمونا 2018، وعلى جائزة الشيخ حمد للتّرجمة والتّفاهم الدّولي في عام 2018.