قبل مولد عزت القمحاوى بقليل فكرت عمًّتُه فى حمايته، فقد مات له شقيقان تباعاً. وأمه، التى لا تؤمن بالخزعبلات، تحت ضغط منها، وافقت على زيارة عرَّافة شهيرة، على مضض. العرافة انتفضت، وأصدرت صوت رجل، المفروض أنه عفريت، واسمه الشيخ محمد، بدأ فى إملاء طلباته، “فرخة، ومعاها صابونة”، وأمه لم يعجبها الكلام، ونهضت فى هذه اللحظة، وقررت أن تكلم العفريت، صائحة بسخرية: “وانت يا شيخ محمد عايز الصابونة طبعاً عشان تغسل إيدك بعد ما تاكل الفرخة؟!”، وانتهت الحكاية بثورة العرافة، وسيطرة الخوف على العمَّة، وعدم اكتراث الأم، وتمسك الطفل عزت بالحياة، رغم غضب العفريت!
لم يأخذ القمحاوى من أمه واقعيتها المفرطة تلك، وإنما كان يطفو دائماً، بحكم تكوينه الخاص، فوق الواقع قليلاً، لمَ لا، وقد رأى مشاهد شديدة السحر والخيال، رغم واقعيتها، ابن أخته مثلاً كان يدخل، فجأة، وسط 100 كلب ضال غاضب، وبدون مقدمات تهز ذيولها، وتهدأ حركتها، وتنام على الأرض، كما أن معجزة ابنه “أحمد”، كانت رؤية النمل من مسافات بعيدة جداً، أو هكذا كانت خرافته الأثيرة فى طفولته!
ظل عزت القمحاوى يختزن تلك المشاهد، حتى شعر بحاجته إلى استعارة بعض صفات أبطالها، وبدأ يجمِّعُها فى شخص “سامى يعقوب”، الطفل الصغير، صاحب معجزة رؤية النمل فوق جدران العمارات البعيدة، الطفل الذى يُحدِّث الحشرات والطيور والحيوانات، ويرى الوقائع قبل أن تحدث، الطفل الذى صار شاباً لا تفارقه ابتسامته، رغم الكوارث المتتابعة. نجح القمحاوى، فى رسم بطل مثالى، ليِّن، لا تكسره الظروف، والأهم أنه نجح كذلك فى إشعارنا بأن هذا “النموذج الغريب” قابل للتصديق، وأنه يمثل الإنسانية فى صورتها النقية، التى لم نعد نعرفها، لكن الروائى الكبير متهم باقتباس شخصية ابنه أحمد، الذى لا يكف عن تذكيره بأنه “نحته”!
كان القمحاوى يعيش شراكة كاملة مع سامى يعقوب. الكاتب والبطل يبدو أنهما احتاجا إلى بعضهما أثناء الكتابة، عزت منح سامى امرأة فاتنة، بينما أحاط البطل كاتبه بـ”طاقة صافية من البراءة”، وهكذا تبادل الاثنان الأدوار، فـ”ما رآه سامى يعقوب”، هو نفسه “ما رآه عزت القمحاوى”، وهكذا أيضاً كانت لحظة تسليم الرواية، إلى الناشر، صعبة جداً. يقول القمحاوى بتأثر حقيقى: “كان فراقاً مؤلماً لن أنساه أبداً”.