من يتعلّق وعياً يُعيد فهم اللغة من آيات القرآن الكريم يجد أنّه أمام مُعجزة سماوية بلغة أهل الأرض.
حين نزل الوحي على الرسول محمّد -عليه أفضل الصلاة والتسليم- بدأ بـ (إقرأ) وهو العربيّ الأمّيّ، ولعلّ أهل اللغة فهموا مقصودية (إقرأ) دون التأثر كالعامّة بإجابة محمّد -عليه السلام- حين كان جوابه: ما أنا بقارئ.
يرى الباحث أنّ القصدية هنا: “بلّغ ما يوحى إليك”. فالله عزَّ وجلَّ لم يُنزل لوحاً مكتوباً ويطالبه بالقراءة بل أوحى إليه الآيات. قال له في البدء: “إقرأ” أي بلّغ ما سمعت، وهنا إعجاز بلاغي ما يزال أهل اللغة يختلفون فيه. مع توالي الآيات يرى المُبصر أنّ فهم الكلم ليس بظاهرهِ بل بالقصدية التي لها دلالات تشريعية تربوية ومكانية وزمانية، وكثيراً ما تأتي بالإشارة لغيبيات لا يراها إلّا من يحمل يقيناً خالصاً بالقدر وما يقرّره لخير البشرية.
الباحث في علم اللغة عليه أن يقرأ القرآن ليعي أنّ اللغة العربية تحمل ثراء المعنى وعمق الدلالة في الوصفية التي تتميز بها عن اللغات الأخرى، فالتشكيل يجعل للكلمة مرادفات معانٍ تختلف جذرياً وكذلك هي الأبعاد الصوتية للحرف ومخارجه كما عرفها علماء اللسانيات والأصوات. فاللغة العربية لا تُقرأ فقط بل تكمن جمالياتها في فهم المعنى والمقصد الوصفي وهنا على الباحث في اللغة أن يُمسك بمفاصل أسرار بلاغة اللغة والسردية في الآيات القرآنية ليُبصر ببصيرته لا بصره.
والأديب العربي في ألوانه الروائية القصصية أو الشعر يتميز عن الأديب غير العربي متى فهم اللغة وثراء دلالتها المعرفية الوصفية واستطاع توظيف المخيال السردي لغةً وبلاغةً للوصول إلى لون أدبي بليغ ومتميّز.
شخصيّاً، وجدت في لغة القرآن ضالتي المعرفية البحثية لتشخيص الصورة المُختلفة والعمق الدلالي للمفردة متى كان الفكر متحرّكاً وليس ثابتاً، قادراً على الخروج من (تابوه) تقديس المفردة. فالقرآن نزل من السماء بلغة أهل الأرض ليكون كتاباً تطمئن به القلوب ونوراً للفكر وهداية لصفاء العقيدة ومرجعاً للغة والتربية والحقوق لمن أراد أن يعي لغته .
أدباء تميّزوا بلغتهم
يزخر الأدب العربي بأدباء تركوا بصمة لغوية وتراكيب جمالية منهم ابن عربيّ والحلّاج وبدر شاكر السياب وجبران خليل جبران وسواهم ممّن عشقوا اللغة ورسموا لوحات نصية من أحرف ذات زخرف جمالي بقيت راسخة تحاكي الروح.