– اهداء لسعادة اد. محمد السعيد ابو حلاوة اعترافا بفضله على دراسات علم النفس الايجابي-
الصمود هو أحد البناءات الكبرى في علم النفس الإيجابي، فعلم النفس الإيجابي هو المنحى الذي يعظم القوى الإنسانية باعتبارها قوى أصيلة في الإنسان مقابل المناحي السائدة والشائعة والتي تعظم القصور وأوجه الضعف الإنساني، وهذا الاختلاف في الرؤى لا يتعارض مع وحدة الهدف وهو تحقيق جودة الحياة. وبدأت دراسة الصمود منذ أكثر من خمسين عاما ، واتسع المجال حاليا لدراسته وذلك للحاجة الملحة بسبب التقدم التكنولوجي الهائل وزيادة عوامل الخطر في الحياة المعاصرة ، وهذا المرجع في غاية الأهمية حيث قام على تأليفه ثلاثة وأربعين من علماء النفس والطب النفسي والعصبي والتربية والطفولة،
ويقع في 688 صفحة ويحتوي على ثلاثة وعشرين فصلا، تقول المترجمة في تقديمها “: توقفت كثيرا أمام ترجمة مفهوم Resilience فهو مفهوم وافد من علم المواد ليصف المادة التي تستعيد خواصها بعد التعرض لعوامل خارجية ، إذن هو مفهوم دينامي دال على نشاط المادة ، ولم أوفق في بداية الأمر إلى مصطلح يحقق هذا المعنى، وفي الوقت نفسه يحقق سهولة الاستخدام والتداول إلى أن توصلت إلى مصطلح الصمود حيث يمكن توظيفه ليتجاوز المسمى إلى المضمون ، وذلك بتحليله ليشير كل حرف من حروفه إلى عملية نفسية :
حيث يشير حرف (ص) إلى الصلابة ، حيث مقاوم الإنكسار أمام التحديات والمحن . ويشير حرف (م) إلى المرونة ، حيث القدرة على تعديل المسار وخلق البدائل. ويشير حرف (و) إلى الوقاية الداخلية والخارجية ، حيث العوامل الشخصية والبيئية التي تحمي وتقي من الخطر . ويشير حرف (د) إلى الدافعية ، حيث المثابرة والدأب .
وهكذا تم اختيار مصطلح الصمود ترجمة لمفهوم Resilience . فالصمود يعد لبنة في منظومة علم النفس الإيجابي ، ذلك المنحى الذي يعظم القوى الإنسانية ويسعى لإكتشافها وتنميتها ، فالصمود هو القوة التي تسمح للإنسان أن يتجاوز التحديات وينهض مما يتعرض له من عثرات ليحقق النمو والكفاءة ، ويستمد مفهوم الصمود مكانته علي الخريطة العلمية من المشهد الاجتماعي، حيث تحيط بالإنسان منذ نشاته تحديات لا قبل له بتجنبها ولا قبل له بالتغلب عليها ، وعليه أن يتجاوزها أو يتعايش معها أو يواجهها. ومرت دراسة الصمود بثلاث موجات:
الموجة الأولى استكشافية تجيب عن التساؤل: ما هي العوامل أو الخصائص الذاتية والبيئية التي ترتبط بالصمود. وقد نتج عن هذه المرحلة مادة علمية غزيرة وعريضة خاصة بالعوامل الشخصية والأسرية والمجتمعية والثقافية، وأرست بعض قواعد دراسة الصمود، وقدمت المصطلحات الرئيسية التي تيسر التواصل بين الباحثين والممارسين على المستويين النظري والتطبيقي. من هذه المصطلحات:
المحن والصعاب، الخطر أو المخاطر ، عوامل الخطر، تراكم عوامل الخطر، الاستهداف للخطر، الخطر المباشر، الخطر غير المباشر، المقومات،الموارد والعوامل التعويضية، العوامل الواقية، تراكم العوامل الواقية، الكفاءة النفسية الاجتماعية، مهام النمو. أما الموجة الثانية فتجيب عن التساؤل: كيف تعمل المتغيرات والعوامل الداخلية والخارجية، السلبية والإيجابية بما يؤدي إلى استعادة التوازن وتحقيق التوافق، أو إلى الانكسار وفقدان التوازن، وما بينهما من أطياف، وهنا ظهرت النظرية الأيكولوجية التفاعلية التبادلية، حيث يعكس الصمود في هذه المرحلة العمليات أو الاستراتيجيات التي تغير من التفاعل المتبادل بين الفرد والبيئة بما تحمله من محن وصعاب وتحد من تأثيرها السلبي وتقوي التمكن من تحقيق النواتج الإيجابية. وظهر في هذا السياق منحى التأثيرات الوسيطة ، واستخدمت مفاهيم المسارات والطرق التي تتخذها المتغيرات في تفاعلها بما يؤدي في النهاية إلى نواتج إيجابية أو نواتج سلبية. وتركز الموجة الثالثة على توظيف نواتج الموجتين السابقتين في تنمية الصمود،فتركز على برامج الإثراء والتدخل، وتناقش الفرق بين اضطراب المجتمع واضطراب الفرد، وتنطلق من أن كل فرد لديه قوى يمكن تعظيمها لبناء توجه عقلي يؤكد على الصمود ويقاوم الانكسار. من أشهر هذه البرامج ومن أكثرها مصداقية برنامج جامعة بنسلفانيا، وهو أحد البرامج العديدة في مجال التعلم الاجتماعي الانفعالي والذي حقق نتائج إيجابية خاصة في المناطق المحرومة.
والفكرة الرئيسية في هذا الكتاب أن هناك مقومات ومتغيرات شخصية وبيئية تسهم في تنمية الصمود ، وأن العلم قادر على استكشافها واستنباتها في أطفالنا ، وتتناول بعض فصول الكتاب تعريفات الصمود ونظرياته وما يرتبط به من متغيرات، كما تعرض بعض الفصول الأخرى للبرامج التدخلية في مجال تنمية الصمود لدى الأطفال الأسوياء وذوي الاضطرابات النفسية أو صعوبات التعلم في البيئات المحرومة والبيئات الثرية في الأسرة والمدرسة والمجتمع، كما تعرض للنتائج الإيجابية التي حققتها هذه البرامج ذات المصداقية لدى الأطفال سواء في الجانب التعليمي أو الشخصي أو الإجتماعي.
يبدأ الجزء الأول من الكتاب بثمانية فصول تعطي خلفية عامة يقدم فيها رؤية أساسية للصمود وأسباب الاهتمام بدراسة الصمود ، فبعض الكتاب يصفون عمليات الصمود والمفهوم الأساسي للصمود وعمليات الصمود لدى الذكور والإناث، مع تقديم رؤية لأدبيات الصمود من منطلق بيولوجي نفسي اجتماعي ، والصمود لدى الأ طفال الذين تعرضوا للإساءة ، ونموذج للدراسات الطولية حول الصمود والتجارب الاكلينيكية في هذا المجال.
ويتناول الجزء الثاتي بعض القضايا البيئية ، فيعرض الفقر والعنف الأسري والمرض العقلي لدى الوالدين، والأسر باعتبارها سياقا أو مجالا لتوافق الأطفال . أو يعرض للأطفال كضحايا. أما الجزء الثالث فيطبق الصمود باعتباره ظاهرة في الاضطرابات الإكلينيكية التقليدية كالجناح وغيره من الإضطرابات الهادمة ، والإكتئاب ، كما يرتبط بالعجز المكتسب ، وصعوبات التعلم ، والشباب ذوي الخلل في ضبط الذات ، والتركيز على الصمود باعتباره وسيلة لخلق تهيؤ عقلي متفائل في مواجهة التوتر والضغوط . والجزء الرابع يقدم الجهود البحثية في إنشاء علم نفس تطبيقي للصمود/ كما يركز كثير من الباحثين على طرائق استخدام نظرية الصمود لتحسين الوالدية وبناء احترام الذات ، واتاحة الفرص التربوية ، والحد من انتشار العنف في المدارس ، وتحسين التفكير الفعال ، كما يقدم وصفا لبرنامج لبناء الصمود لدى كل الأطفال من خلال منحى الصحة العامة ، كما يقدم وصفا لنموذج لإتاحة الفرص التربوية باعتبارها وسيلة لتعظيم الصمود ، وبرنامج لمنع العنف في المدرسة باعتبارها وسيلة لتعظيم الصمود . أما الجزء الخامس وهو الخاتمة فيتناول مستقبل الأطفال اليوم وكيفية التنبؤ به في ظل الفقر وعوامل الخطر والمنغصات الاجتماعية والتعرض للعنف والافتقار للرعاية الصحية والتربوية والنفسية المناسبة إلى جانب سوء التغذية ، والامل المعقود على الباحثين من أجل القيام بفهم أفضل الطرق لتنمية عمليات الصمود من أجل بناء نموذج وقائي أولي، وهذا هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل المجتمع الانساني ( الصمود لدى الأطفال. تحرير : سام جولدشتاين و روبرت بروكس. ترجمة وتقديم : أد. صفاء الأعسر).