الجزأ الخامس من دراسة ( قدري حفني عالما وسياسيا ):
بقلم الدكتور والأديب خالد محمد عبد الغني:
رابعا: كتاب “علم النفس الصناعي()” يقدم المؤلف كتابا يعود به لجذوره الأولى حيث درجته للماجستير في مجال علم النفس الصناعي عام 1971 فجاء الكتاب بهدف المشاركة في التدريس لطلاب علم النفس والاجتماع والخدمة الاجتماعية ويقع الكتاب في 370 صفحة متضمنا أربعة أبواب وخاتمة بعنوان : زيارة لمعمل سيكولوجي. وجاء في الباب الأول الذي حمل عنوان علم النفس الصناعي وقضية الإنتاج حديث المؤلف عن علم النفس وتقسيم العمل باعتبار الإنتاج هو الشريان الأساسي لحياة أية حضارة إنسانية، وكشف عن أن تقسيم العمل يكون بحسب الفروق العمرية والجنسية للأفراد العاملين أو أن يكون التقسيم وفقا لخصائص البيئة الطبيعية مثل الزراعية أو الصناعية أو البيئة الساحلية والصحراوية. وقد يكون التقسيم حسب العمليات المتخصصة حيث تجزئة العمل ليقوم كل فرد بعمل صغير لتكوين الكل الأكبر من عملية التصنيع فمثلا في صناعة السيارات يتم تجزئة العمل بحيث يقوم كل فرد بعمل صغير ليتم جمع تلك الأعمال بعد ذلك في كل كبير هو السيارة أو ما يشبهها . وكان حديثه عن الفروق الفردية وتحليل العمل بحسب القدرات العقلية لكل فرد من أراد العمل وذلك تجنبا لوقوع الحوادث وكذلك لزيادة القدرة الإنتاجية، والخصائص الجسمية وما بها من مواصفات عامة وخاصة كالقوة البدنية أو مظاهر الضعف في الإبصار او السمع.. ألخ والاتجاهات والقيم التي يتبناها العامل نحو العمل. كما عرض المؤلف لإسهامات علم النفس في تحليل العمل وتكمن تلك الإسهامات في تحديد الطرق الفنية التي تحدد بها الصفات الواجب توافرها لكل عمل أي أنه لابد من وجود توصيف خاص بكل عمل أو مهنة. وقام المؤلف بتقديم رؤية شاملة لتحليل الفرد – العامل – من أجل وضع الشخص المناسب في العمل المناسب والمكان المناسب له وهنا تكون الإفادة القصوى من علم النفس الصناعي حيث يوفر ذلك التحليل الكثير من القدرات المهدرة وتحقيق أقصى إنتاجية ممكنة مع توفير كل أشكال الفقد والهدر الإنساني والاقتصادي. وهناك طرق مهمة حول الكشف عن خصائص وسمات الفرد بطريقة موضوعية تبعد بنا عن الذاتية في اختيار العمال والموظفين وذلك باستخدام طلبات التوظيف التي يقدمها العمال، والسير الذاتية وما بها من الخبرات والجوانب المميزة والمهارات الخاصة والمؤهلات العلمية، وضرورة أجراء المقابلة الشخصية مع طالب العمل وتطبيق عدد من الاختبارات النفسية المناسبة لطبيعة العمل وتصحيحها بشكل موضوعي ومهني، كما عرض المؤلف لعدد من الاختبارات النفسية الشائعة في المجال الصناعي والتي تتصل بالمهارات والقدرات العقلية والميول والاتجاهات والتوجيه المهني والصناعي.
وفي الباب الثاني تناول المؤلف وقوع الحوادث في المجال الصناعي وقدم الصورة العامة لموضوع الحوادث والعوامل المؤثرة في وقوع تلك الحوادث وعلاقتها بمظاهر الجمود في الشخصية، وأكد على أن البحوث في هذا المجال قديمة لما لأهميتها في خدمة الإنتاج والمجتمع والفرد وليست حديثة فقط ومع ذلك فالاهتمام بعلم النفس الصناعي قد واكب تطور المجتمعات الأوربية. وتنقسم الحوادث إلى حوادث يصاب فيها العمال وحوادث تؤدي لخسائر مالية في عناصر الإنتاج وهناك أسباب بشرية وأخرى طبيعية للحوادث مثل نقص الخبرة والمهارة ومستوى الذكاء والإضاءة والحرارة والتعب وطبيعة العمل والعلاقات الاجتماعية بين العمال أنفسهم وصاحب العمل والخصائص البدنية لعمال والسن والخبرة وسمات الشخصية.
وتناول الباب الثالث الروح المعنوية في المجال الصناعي واهتم المؤلف بعرض مجالين هما مفهوم الروح المعنوية وتطورها والدراسات التي قامت بفهمها وبيان علاقتها بالسمات الفردية واعتبارها نتاجا للتفاعل بين الفرد والجماعة.
وفي الباب الرابع تتناول معنى الرضا المهني والعوامل المرتبطة به مثل العامل نفسه وحالته الصحية والنفسية والمزاجية وعوامل خارجية مثل ظروف العمل والإدارة والرؤساء المباشرين وعلاقة العامل بالآلات التي يعمل عليها . وحول محددات الرضا المهني تناول المؤلف المكافأة وظروف العمل المشجعة والزملاء المساندون والعمل الذي يتحدى المرء ذهنيا كمحددات للرضا المهني بوجه عام. وعلاقة الرضا المهني بصحة العامل النفسية وخلوه من الأمراض والصراعات النفسية، كما عرض لمجموعة من النظريات المفسرة للرضا المهني كنظرية الحاجات وغيرها.
خامسا: كتاب “لمحات من علم النفس : صورة الحاضر وجذور الماضي” () يقدم مجموعة من البحوث والاهتمامات الفكرية الكثيرة التي عايشها المؤلف وهي في بابين الأول منها بعنوان: تأملات في المسيرة. والثاني بعنوان: علم النفس والمجتمع. ويقول عن الكتاب في مقدمة مقتضبة لم نتعود عليها في كتبه السابقة : منذ سنوات بعيدة تلح على فكرة هذا الكتاب. كتاب يعرض لعلم النفس وعلمائه بشكل يقترب من اهتمامات المثقف غير المتخصص، بحيث يتيح له إطلالة على لمحات مما يدور وراء جدران علم النفس الأكاديمي، وعلى رؤى لتاريخ علم النفس ولسير بعض من رواده البارزين، وكذلك على نماذج مما يمكن أن يقدمه هذا العلم من الناحية التطبيقية. وحين أتيحت لي مؤخرا فرصة للنظر في أوراق لي تراكمت عبر الأعوام انتقيت منها ما توسمت أم يكون مناسبا لتحقيق الهدف، وأضفت إلى بعضها ما بدا لي مناسبا للتحديث. ولست أزعم بحال إنني بصدد تقديم صورة تقترب من الشمول لعلم النفس المعاصر بل هي اقرب للتعبير عن ابرز ملامح تصوري لهذا العلم ونماذج من محاولتي للاقتراب به من نبض المجتمع. ولا استطيع أن أزعم بحال أنها كل أو أفضل ما قدمه علم النفس لبلادنا ولكنها اجتهادات قد تتيح للقارئ أن يتذوق إمكانيات الممارسة التطبيقية في هذا المجال. ونبدأ بدراسة بعنوان: فونت بين العلم والفلسفة والسياسة يتناول فيه حياة وأعمال فونت باعتباره مؤسس علم النفس الحديث ويبدو فيه فونت فيلسوفا مثاليا يتبع فلسفة أرنست، ماخ فقد كان غارقا في التفلسف حتى إذنيه قبل إنشاء معمله وكان ألمانيا متعصبا وكان سياسيا وكان اقوي دوافعه للإنجاز العلمي كانت السياسة واهتم بالسياسة لدرجة انتخابه عضوا في المجلس النيابي لبادن ممثلا لمقاطعة هايدلبرج وكان مرتبطا بالحزب التقدمي الحاكم وموقفه من قضايا الصراع الطبقي موقف واضح لا لبس فيه فهو يتبني موقفا قوميا متطرفا وكان فونت عالما مهتما بمحتوى العقل والفسيولوجيا ورأي إن علم النفس يجب أن يكون تجريبيا واستخدم منهج الاستبطان وكان علم النفس يهدف في نظر فونت إلى تحليل العمليات الشعورية إلى عناصر. واكتشاف طبيعة الاتصالات بين تلك العناصر . وتحديد القوانين الحاكمة لتلك الاتصالات والروابط . وهكذا اختلطت أفكار العالم وجهوده ونتائج بحوثه بما يعتنقه من أفكار فلسفية ومذاهب سياسية.
ويتضمن الكتاب أيضا فصل بعنوان الإعلام والإنسان المصري وفيه يعرض المؤلف لإطلالة على الواقع المصري وهي تتعلق بما يبدو أنه قضايا إعلامية خالصة من منظور نفسي اجتماعي متخصص كما تدور حول الصورة التي رسمها الإعلام المصري للعامل المصري قبل يوليو 1952 ومقارنتها بالصورة التي رسمها نفس الإعلام في الستينيات وكيف تأثرت الصورة في الحالتين بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعمل فعلها في المجتمع المصري . وكذلك ما يتعلق بسينما الأطفال في مصر وصورة البطل في السينما المصرية .
كما يتناول الفصل الخاص بالاتصال الشخصي الحاجة الإنسانية للاتصال وضرورته الاجتماعية وان إغلاق منافذ الاتصال تؤدي حتما إلى المعاناة النفسية والبدنية وقد تؤدي للانهيار الكامل للشخصية ، وكان اللعب هو الشكل الأولي للاتصال وهذا الاتصال الإنساني جعل هناك ضرورية للاتصال الجماهيري وحيث زادت أعداد البشر، واتسعت الأرض المعمورة والمؤهلة للحياة عليها، وتبلورت ظاهرة السلطة المركزية ، كما ربط المؤلف برؤية عميقة بين الاتصال الشخصي والاجتماعي بقيمة العلاج النفسي بقوله : إن العلاج النفسي الحديث وفي أنماط كثيرة منه لا تعدو أن تكون تشجيعا للفرد على الخروج من قوقعته الانعزالية والاستمتاع بالتعبير اللفظي بل والجسدي أحيانا عن انفعالاته ولكن داخل هذه المرة الجدران السميكة للعيادة النفسية.
وفي فصل بعنوان سيكولوجية متلقي الرسالة الإعلامية يعرض لنا المؤلف لضرورة معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية حتى نتمكن من معرفة كيفية التأثير عليه وأكد ذلك بقوله : لابد من معرفة دور الإشارات الحسية التي يستقبلها الجهاز العصبي ومعرفة دلالتها بالنسبة للمستقبل فهناك إشارات نمطية تحددت دلالاتها ولا سبيل لتغييرها كسماع أصوات مدفع الإفطار والأذان والأجراس، وتحديد أنواع الدوافع لدي مستقبل الرسالة ومجمل الموقف الراهن له، وقيمه ومعاييره التي تبناها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
وفي مجال علم النفس والسياسة يقدم المؤلف عددا من الموضوعات تشمل الطفل والسينما وسيكولوجية العنف السياسي ونظرة تحليلية للعنف الجماهيري تجاه السلطة، والصناعة ومقاومة التغيير، وكلها قضايا اجتماعية قدم المؤلف لها رؤية تحليلية ميدانية من منظور سيكولوجي واجتماعي من أجل النهوض بالمجتمع المصري ومواجهة مشكلاته الحياتية. ليكشف لنا عن أن جوهر العلم هو خدمة المجتمع وكم كان مهموما به ومساهما في حل مشكلاته وهنا تمتزج ملامح العالم والمفكر بإنسانيته الواعية والراعية لحق مجتمعه على ذاته وأدائه لدوره ورسالته ليصبح العالم والمفكر والإنسان هو والدور و الرسالة.