لم أسأل نفسي وأنا أتخبط في ضباب العمر الكثيف هذا الصباح، إلى أين تمضي تلك الغيوم المرتعشة وهي تفرغ حمولتها على جسد الهواء الممزوج بعناء الكائن البشري النازف منذ شقت صرخته الأولى صمت شباط المتجمد في غفلة السنوات عن بهجة الميلاد.
في الحقيقة، لم أكن مهتماً بالغيوم التي تخلت عن دورها، ووظيفتها الأبدية، بتفريغ النفس من عللها وكآبتها وشرورها الكثيرة، بل بتلك الوجوه التي كانت تهطل بلا توقف مع مطر الذاكرة الغزير، يقلب وجع السنوات والشهور، ولا يجد من يد يتيمة في هذا الفراغ العدمي تلوح له وسط الغبش.
لا ليس الوقت مناسباً للسؤال، وإن كان البياض يغري بالسكينة لا بالأسئلة، فقد يدرك الكائن بعد هذا المعجم الملبد بالإدراكات أنه عاجز عن فهم الحياة، وفهم المخلوقات التي تتصرف بشكل آلي في كل طعنة رمح، تحاول قتل جلجامش.
الثرثرة التي ملأت نهر الأموات، بطنين الحشرات، لن تعيق السماء عن لعق لسانها المملح بكذب المعجزات، واكتشاف زهرة الخلود.
يحتاج الشعر إلى شيء من المواساة.
وحري بالصاعد مجرى الدم، أن يفطن لزهور الحياة لا لتحنيط الزمن والجثث الحية. وأن يدرك فشل زراعة قلب كلب في صدر إنسان أسطوري، فحتى الملاحم لم تخلق المثال الكامل للصديق، ولا النموذج الأعلى للحلم النيتشوي.
ليس المجال مناسباً لسحق قرص الشمس في كف صبي الحيرة، والضباب لا زال يغطي الوجوه، كلما اقتربت الحكمة من غرس جذورها في تراب الأسى المكشوف على صحراء الحقيقة العارية.
تحتاج الآلام إلى شيء من تراجيديا الإغريق وبكائيات الحسين وموسيقى السفوح الرابضة تحت كبرياء الصخور الشاهقة.
تحتاج الرئتان إلى بعض الأوكسجين الطازج لمواصلة القدرة على اجتراح أمل، أي أمل حتى لو كان موهومًا بضرورة انتصار الخير نهاية الكوميديا السوداء.