تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة سهيلة ميسة
1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
سهيلة مسة من مواليد غفساي الهادئة بين أحضان طبيعة إقليم تاونات ، أعشق كل كلمة جميلة سواء كانت منبثقة من شعر ، من نثر ، من قصة أو من رواية .هاوية ترجمة الصمت إلى كلمات .
2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
كل الكتب التي قرأتها جميلة ، لها خصائصها الإبداعية ، لكني أروم كثيرا إلى قراءة الروايات والكتب الفلسفية ، منها ما هو عالق في ذهني مثل رواية “حي بن يقظان” لابن طفيل ، “مئة عام من العزلة” للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز ، “شيء في صدري ” لإحسان عبد القدوس “جمهوريه” أفلاطون” … هذا بجانب روايات نجيب محفوظ وطه حسين … كما أعشق قصائد نازك الملائكة وفاروق جويدة وغادة السمان … واللائحة طويلة من الشعراء والمبدعين من الماضي واليوم .
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
الكتابة هي طائر يحط على أرواحنا بدون استئذان ويفرض علينا المسك بالقلم ، بدايتي كانت في فترة المراهقة ، كان شيء داخلي ينمو يوما بعد يوم ، يدفعني إلى التعبير بالمداد ، حتى تمت سيطرة الكتابة على نفسي سيطرة محكمة ، فلم تعد أوراقي فارغة منذ ذلك الحين .
ربما أكتب لأشعر أني ما زلت على قيد الحياة ، لأحلق بعيدا بدون قيد ، لأكمل صورا عالقة غير مكتملة ، أكتب من أجلي كامرأة ترسم بكلماتها مشاعر ذاتية أو مشاعر الأخريات ، وبشكل عام أكتب عن المرأة .
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
من الماضي ، مدينة وليلي الأثرية ، كلما زرتها ، ينتابني الحنين إلى ماضي الحضارات الإنسانية القديمة ، الجمال العمراني الذي يسيطر على المدينة يدفعنا إلى تأمل مدننا المعاصرة اليوم ، هل هي حقا تضاهي جمال عمران الماضي .
من الحاضر ، مدينة شفشاون ، ربما لطبيعتها الجبلية التي تشبه إلى حد ما طبيعة مسقط رأسي .
5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
الكاتب والمبدع عندما يكتب ، يظن أن ذاك العمل الذي بين يديه هو أفضل ما قدمته ملَكَته ، وفي كل مرة يتكرر هذا الاحساس ، لكن يمكنني القول أن إنتاجاتي الأدبية سواء كانت شعرا أو نثرا أو قصة … أكون راضية عنها قبل أن تلامس أعين القارئ .
أعمالي القادمة ، مجموعة قصصية ، وديوان شعري ورواية ، أحتاج فقط إلى وقت مراجعة النصوص وتنقيحها قبل إصدارها للقراء وحتى تكون في أبهى حلتها.
6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
من يغرم بالكتابة ، لا يمكنه التخلي عنها رغم ما نعانيه من ضغط الحياة بشكل عام ، فالشاعر أو المبدع هو ذلك المحِب الوفي المخلص الذي لا يرى غير حبيبته (الكتابة) والمتعطش بلحظات اللقاء .أوراقي ستظل نابضة بالكلمات عبر الفصول ، تنتهي عندما يخرس نبضي .
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أي عمل أدبي يستحق التقدير والثناء ولما لا النقد من طرف القارئ لما بذله صاحبه من جهد في إنتاجه ، فلا يمكن أبدا أن أتمنى أن أكون كاتبة عمل أدبي وصاحبه قد ترك بصمته الإبداعية والذاتية بين سطوره ، كل ما يمكنني القول أني أعجب بعمل متميز ويبقى صداه يتردد في مسمعي مثل أبيات الإمام الشافعي حين قال :
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا .
ليس لدي طقوس معينة في الكتابة ، لأنها مجردة عن أي قيد زمكاني ، مستعدة لأجيب نداء القلم مهما كان صوته خافتا .
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
أولا لن أربط كلمة مبدع بكلمة مثقف ، لأنها تدفعنا إلى تناول “النسبية الثقافية” ، لذا سأقتصر على كلمة مبدع . ثانيا ، أبدا لن يكون المبدع خارج السرب ، فما يكتبه يمثل شريحة اجتماعية أو حالة إنسانية من عمق الحياة النابضة بالهموم تارة وبالفرح تارة أخرى ،أحيانا العمل الابداعي يحمل في طياته رسالة مشفرة أو واضحة ، فالكتابة قبل كل شيء هي التزام ورسالة نبيلة .
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
الإنسان بطبيعته يعشق الحرية ، ولكن أرى أن الكاتب يعيش حالتان ، حالة قد يختار العيش وسط مشاكل المجتمع ، وسط ضوضاء الحياة … وحالة ثانية ، قد يختار العيش في عزلة مؤقتة إذا كانت ستمنحه بعض الهدوء للتأمل وبعض السكينة للإبداع .
أما ما مررنا به في فترة الحجر الصحي الإجباري فذلك الأمر مختلف تماما ، لم نعشه من قبل ، لكن بقدر ما كانت له سلبيات كانت له إيجابيات . على المستوى الشخصي ، فقد منحتني وقتا للقراءة والكتابة بشكل كبير كما كانت سببا في إحياء أقلام وأسماء المبدعين من جديد.
10. شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
ما زال اسم “ابن سينا” العالم والفيلسوف يستقطب الكثير من الدراسات والاضواء ويثير جنون مداد أقلام الباحثين ، لما تركه من إرث مهم من مؤلفات وأطروحات في العلوم الفلكية والرياضية والفيزيائية وفي الطب والموسيقى والفلسفة …. لذا وددت كثيرا لقاءه ، لأتمكن من الاستفادة من آلية تفكيره التي وصل بها إلى حقائق علمية ومنطقية ولغوية التي هي أساس العلوم والطب اليوم دون المعينات المتقدمة .مما يخلق التساؤل ، هل التفكير العلمي اليوم في مستوى التفكير العلمي سابقا ( بعيدا عن عالم التكنولوجيا بالطبع) ؟! وهل نحن قادرين اليوم على بناء حضارات إنسانية وثقافية قوية ؟!
11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
الفرصة هي وجه الوجود المحتمل ،وبطبيعتي لا أحب أن أغوص في بحار “لو”، فكما يقال” القانع غني” الحمد لله على نعمه ، قانعة وراضية بما منحني الله إياه ، عندما أُسَّيَّر فالأمر لله وعندما أُخَيَّر ؛ إن أخطأت فهي تجربة مفيدة وإن أصبت فهي خبرة جديدة . وهذا لا يوقفني عن البحث الدائم عن ما هو أفضل .
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
“إننا لا ننسى أبدا ، كل شيء مدفون في أركيولوجيا النفس” حسب قول فرويد . الذكريات أحيانا تصبح المحرك الأساسي نحو الإقبال على الحياة بشكل من الحكمة ، مع الذكريات ندرك جيدا ما يجب التخلي عنه وما يجب التمسك به .بالرغم من صعوبة إيقاظ الذكريات القابعة في زوايا النسيان ، في بعض الأحيان نحتاج إلى إعادة تذكر لحظة أو صورة وجه عزيز من الماضي ، فنحاول جاهدين أن لا تصبح ذكرياتنا فراغا ، فعندما نفقد ما ومن نحب ، يستوطننا الحزن والخوف الأمر الذي يجعلنا أكثر إحترازا وتحسبا لخطواتنا المقبلة كي لا تتكرر مواقفنا كتجارب موجعة .
13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن ديوانك الشعري ” جبروت خاص” . كيف كتب وفي أي ظرف؟
الكتابة هي حالات إنسانية متلونة بألوان الذات ، هي حالة تستدعي الوجود واللاوجود ، هي حالة من الفوضى التي تصيب المشاعر والعواطف ،ومعظم كتاباتي هي تعبير عما يخالجني أو ما أتقمصه من شخصيات .
“جبروت خاص” هو مولودي الأول الذي تأجل كثيرا ليداعب أشعة النور ، العنوان يمثل قصيدة على الغلاف تختصر لحظات الكتابة :
للقصائد نسمات
وللكلمات جبروت
ينبش في قبر لحظات
مضت ووَلّت
يُحيي الذكرى على صحائف ورقية
أهملها الزمان
بعثرتها رياح الأنا
بقطرات مداد …
كتاباتي الشعرية والنثرية كثيرة متناثرة بين أركان بيتي ، الحجر الصحي منحني بعض الوقت كي أرتب وأنتقي قصائد ونصوص الديوان وقد كان له الفضل في قرار خوض تجربة الطبع والنشر كما لا أنسى دعم أفراد عائلتي وأصدقائي والتشجيع المستمر من طرفهم .
14. إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
المرأة في أوطاننا تحتاج إلى الثقة في نفسها ، إلى من يقدرّها وإلى من يعترف بأنها أساس المجتمع بعيدا عن كل كلمة تنتقص من شأنها ، فمتى أدركنا جيدا أن المرأة والرجل معا هما وجه واحد متكامل للإنسان أنذاك نكون قد وصلنا إلى الوعي المطلوب وبأن المرأة قصة نجاح مستمر إذا خلقنا لها الظروف الملائمة .
15. ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
الكتابات الإبداعية هي وسيلة لتمثيل صور واقعية أو حالمة بواقع أفضل ، وليست وليدة الفراغ .وتكون مكتملة إذا تم تقديم فحوى هادف من خلالها ، وتحمل في جيوبها مجموعة من القيم ، فإذا استطاع المبدع أن يدفع القارئ إلى ردة فعل أو قول حول إنتاجه ، فإنه يكون قد نجح في تقديم رسالته .
16. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
مواقع التواصل الإجتماعي هي ذلك القلب المفتوح الرحب الذي يتسع لكل مبدع وإبداعه ، هي ذلك الخيط المباشر الذي يربطنا بالقارئ ، هي الدعم المستمر لما نقدمه في غياب المؤسسات الثقافية والفكرية على أرض الواقع ، لذا ستظل المتنفس الحقيقي للشعراء والأدباء والمبدعين .
17. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
“في بعض الأحيان لا تعرف القيمة الحقيقية للحظة حتى تصبح ذكرى ” كما قال الدكتور تيودور سوس ، فما دمنا نحيا فإننا سنعيش الفرح والحزن ، أسوء ذكرى هي من تنزل دموعي … وأجمل ذكرى هي من ترسم على شفاهي بسمة .
18. كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه ؟
أخيرا ، أشكركم أستاذ رضوان بن شيكار على هذه الاستضافة الكريمة في هذه السلسلة متمنية أن تقوم نهضة ثقافية وفكرية في المغرب والعالم العربي وأن نساهم بشكل ما في تشكيل موروث فكري قيم للغد .