أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم : رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة السورية سوسن جميل حسن
1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
لا أجيد التعريف بنفسي، أنتظر من القراء أن يعرفوني من خلال كتابتي، لكن يمكن القول باختصار أنا روائية وكاتبة، أتيت من ميدان الطب إلى حقل الكتابة، أكتب الرواية والمقالة في عدة صحف ومواقع ودوريات. صدرت لي ستة أعمال روائية.
2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
آخر ما قرأت كانت رواية “المئذنة البيضاء” للكاتب يعرب العيسى، وكتاب الشاعر والباحث شربل داغر “النزاع على الصورة بين الفقه والفن”. أمّا أجمل كتاب قرأته فلا أذكر، إذ إن لكل كتاب جماليّته الخاصة، أقرا الروايات والكتب البحثية، وأقرأ الشعر باستمرار.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
يمكنني تحديد متى بدأت النشر، فأنا أتيت إلى عالم الكتابة التي تأخذ نمطًا أدبيًّا خاصًّا، متأخرة قليلًا، بعدما كنتُ قد أمضيت ردحًا طويلًا في مهنة الطب، نشرت أوّل أعمالي في العام 2008، رواية “حرير الظلام”، ثم تابعت في الكتابة الروائية، صار لدي ستة أعمال منشورة وواحد مخطوط شبه جاهز للنشر.
لماذا أكتب؟ سؤال أخمّن أن الإجابة عنه ليست بهذه السهولة، أعرف أن تجربتي الحياتية والمهنيّة راكمت في نفسي الكثير من الأسئلة والأفكار والحكايات والملاحظات، ولأنني أحب الأدب، الرواية بشكل خاص، انزلقت إلى الكتابة، اعتبرها نوعًا من اللعب الجميل، أو الهروب من ضغط الأسئلة المتراكمة والمستمرة في تراكمها على صدري، ربّما الشغف بالتشكيل، ببناء عوالم موازية أشتهيها، أو ربّما كما قال ذات مرّة “هنري ميللر”: أكتب لأستطيع أن أصمت في ما تبقّى لي من الوقت.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
غالبًا تسكننا المدن التي نراكم فيها ذاكرة، وذاكرة تأسيسيّة على وجه الخصوص، تنشأ بيننا وبينها علاقة روحيّة، وغالبًا ما تكون المدن التي في فضائها التقطنا أوائل المعاني وأوائل التجارب، التي عشنا فيها متعة الاكتشاف والتفتح على الذات، الطفولة الأولى، الأحلام الأولى، المدرسة، الآخرين، بداية إدراك الذات، الأحلام، الطموحات، حتى الخيبات والتجارب الكئيبة، هذه المدن أو الأمكنة تترك وشمًا على الروح، حتى لو اختار المرء مكانًا آخر أو بديلًا لما يُدعى الوطن، وما أكثر الأسباب التي تدفعنا إلى هذا الاختيار، القسري أحيانًا، في أوطاننا المنتهكة، فإن تلك البلاد تبقى بلاده الروحية، وأنا مدينتي الروحية هي اللاذقية، ثم دمشق التي أمضيت فيها شطحًا من عمري ولي ذاكرة دافئة تربطني بها.
5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
لا أستطيع تكوين حكم قيمة حول أعمالي، هذا أتركه للقارئ والنقاد، إنّما أعرف أنني أكتب عندما تشتعل الرغبة في الكتابة في صدري، لا أقسر نفسي عليها، إذ أحيانًا أشعر أنني مصابة بحالة استعصاء أو انغلاق على التعبير، وإذا كتبت سوف تكون كتابتي مشوّشة، فيها خلل ما، هذا يمنحني نوعًا من الشعور بالاطمئنان. أما أعمالي المقبلة، فهناك عمل شبه منجز، ولديّ الكثير ممّا أطمح بكتابته، لا أعرف متى أباشر بعمل جديد.
6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
عندما تنطفئ الجذوة في صدري، وتستعصي عليّ اللغة.
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكوني كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أستمتع بالروايات المشغولة بموهبة وجهد، الروايات التي يتعب كاتبها في إنجازها، تشعر بالجهد الذي بذله فيها، أشعر بمتعة وسعادة عارمة، لكنّني لم يراودني إحساس بالرغبة في أن أكون أنا الكاتبة لعمل امتلأت به، بل أشعر بالغبطة بوجود أعمال عظيمة وهامّة وأتمنى أن تتوفر بكثرة علّها تطرد ما يُطرح في الفضاء من الأعمال الخفيفة أو المسيئة لقيمة الأدب. أمّا عن طقوسي، فليس لديّ طقوس خاصة، فقط أنشد العزلة والهدوء عندما تلحّ عليّ الكتابة، حياة اللا استقرار تحرم الكاتب من أن يكون له طقوس محدّدة، وأنا أفتقد، مثل كثير غيري من السوريين، إلى الاستقرار المنشود.
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
أظن أن للأدب دورًا مؤثّرًا في المجتمع، إن كان تنويريًّا، أو روحيًّا بالتخفيف من وطأة غربة الحياة، أو جماليًّا، بقدر ما هو الشرط الجمالي ضرورة إنسانية. هذا التأثير لا يكون لحظيًّا، بالنسبة للرواية تحديدًا، إنما مع الوقت سيترك أثرًا، فالرواية بقدرتها على احتواء الكثير من المعارف والعلوم، وقدرتها على بناء عوالم موازية للواقع الذي نعيش فيه، وطرح تصورات بديلة واحتمالات عيش أخرى، يمكنها أن تترك أثرًا في الوعي العام والوجدان الجمعي. لكن المشكلة التي يعيشها قسم كبير من شعوب منطقتنا، هي هذه الظروف الصعبة والاضطرابات والحروب وضيق العيش، والتي بدورها تؤثّر في الإقبال على القراءة، أو القدرة على اقتناء الكتاب والوصول إليه، مع هذا لا بدّ للكاتب أن يكتب.
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
بقدر ما يطلب الكاتب العزلة من أجل كتابته، بقدر ما تكون العزلة الإجبارية ضاغطة عليه، فالكتابة الإبداعية يلزمها انفتاح مستمر على العالم والحياة، يمنح الكاتب التجربة ويرفده بالخامات الإبداعية، لذلك لا يمكن الحديث عن العزلة كحالة واحدة، هناك العزلة التي يختارها الكاتب بنفسه ويعرف كيف يوجهّها ويستثمرها، وهناك العزلة الإجبارية التي تختلف بحسب ظروفها وشروطها، منها مثلًا العزلة التي فرضتها تدابير الوقاية من الجائحة في العامين المنصرمين، مؤكّد أنها تركت بصماتها على أرواح الأدباء، لكنها كانت فرصة للتأمّل والقراءة ومتابعة أخبار العالم من خلال الميديا.
10. شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
لا أحب افتراض لقاء من هذا النوع، الماضي حافل بالشخصيات التي ساهمت في صنع المصير الإنساني على مستويات متعدّدة، لكنّني أحب زيارة كلّ ما هو قديم وتاريخي وأثري، أترك لخيالي متعة رسم عوالم عمّا كان عليه الناس حينها.
11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
لو افترضنا أنّ شرطًا من هذا النوع يمكن أن يتحقّق، فإن من الطبيعي أنّني لا أستطيع وضع البدايات تلك في معايير تجربتي الحالية وما آلت إليه. من الطبيعي أن كلّ إنسان يقوّم تجربته الحياتية وينتقدها ويقول ليتني لم أفعل كذا في الموقف الفلاني، وأحيانًا تملؤه الغبطة والرضى عندما يجد نقطة مضيئة في تاريخه، وربّما يسرّ إلى نفسه أحيانًا بما كان يجب أن يفعل، الحياة لا تمنح خبرتها إلّا وهي تأخذ من أعمارنا،
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
الذكريات، نعم، الذكريات، لأن الذاكرة أمر إشكالي، هي أرشيفنا الذي يعمل بآليات تفارق إرادتنا في معظم أحوالنا، لكنها ذاكرة قد تكون مرشدة فيما لو عرفنا التعامل معها.
13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن روايتك “النباشون”. كيف كتبت وفي أي ظرف؟
كتبتُ روايتي “النبّاشون” من واقع مجتمعنا في لحظة تاريخية ما، وبضغط من مهنتي، فقد كان لحيّ “السكنتوري” العشوائي في مدينتي اللاذقية، صورة غارقة في البؤس، كانت تحاصرني بمشاعر شرسة عندما أذهب إليه في زيارة طبية لمعاينة مريض هناك، كنت أعود مريضة بطريقة أخرى، إذ لم أكن أتخيّل أن للحياة أن تكون بمثل هذا الجور والظلم، وكان في الوقت نفسه مشهد يتكرّر باستمرار أمام بيتي، حيث أرى رجلًا على أبواب الأربعين، كما يبدو لي، مظهره بوهيمي إلى حدّ كبير، يعرج بسبب قصر أحد طرفيه السفليين، ويجرّ خلفه حمارًا أعرج أيضًا، كان يمرّ بحاويات الزبالة ينبشها ويضع ما ينتشله منها في خرج الحمار ثم يتابع طريقه، لا أعرف عنه أكثر من هذا المشهد البصري، في الوقت ذاته كان لدي بين مراجعي عيادتي، من لديهم شخصيات تعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية، ومنهم أو منهنّ من كانت لديها مشاكل اجتماعية أو بيتية، بنيت عالمًا روائيًّا انطلاقًا من هذه الخامات، وسخّرت أدواتي ليخرج هذا النص الذي يغوص إلى القاع، قاع المدينة وقاع النفس البشرية.
14. هل يعيش الوطن داخل الكاتب المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
للغربة أشكال وأنماط متنوّعة، قد يعيش الإنسان في وطنه لكنه يعاني من غربة واغتراب عمّا حوله، خاصّة عندما لا تتوفر لديه القدرة على التأقلم أو “التدجين”، لكن من المؤكّد أن للغربة في الأماكن البعيدة مستويات عدّة، على علاقة بتركيبة الشخص من ناحية، وتركيبة المجتمع المضيف من ناحية أخرى، بالنسبة للكاتب هناك غربة مضافة، أو يمكن تسميتها منفى مضافًا، هو منفى اللغة، وهو أمر بالغ التركيب والتعقيد. لا يمكن نسيان البلاد التي نشأنا فيها وراكمنا ذكرياتنا ودوّنا جزءًا كبيرًا من تاريخنا الشخصي فيها، إنها بلادنا الروحية كما أسلفت، من الصعب نسيانها أو تجاوزها، لكن يمكن إدارة المشاعر التي تربطنا بها وحالة الحنين وغيرها في غربتنا.
15. الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز. إلى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
علينا العمل لألّا تضطر المرأة إلى الوقوع في هذه الخانة الضيقة بين هذين الخيارين، وهذا مشوار طويل، خاصّة بعد الردّة التي تشهدها أكثر من بلاد في منطقتنا، بسبب الحروب والاضطرابات، والحراكات السياسية المتغيّرة، مجتمعاتنا بحاجة لإعادة ترميم وبناء على أسس سليمة، بحاجة إلى تجذير الوعي بالمواطنة والحقوق والواجبات، بحاجة إلى ترسيخ فكرة الدولة الحديثة والمجتمع المدني ليأخذ دوره في حماية المجتمع والنهوض به، بحاجة إلى ترسيخ مفاهيم ضرورية من أجل تماسك المجتمع وحيويته، كالديموقراطية والمساواة وعدم التمييز وقبول الآخر وغيرها الكثير من أركان الثقافة التي تمنح المجتمع حيويته وقدرة أفراده على الفعل، وهذا يتطلّب بناءً تأسيسيًّا من القواعد، ومن أهمّها التعليم، يجب تأمين تعلّم المرأة وفسح مجالات المساهمة في البناء أمامها، مثلها مثل الرجل، وتحديث القوانين التي في غالبيتها جائرة بالنسبة للمرأة وقائمة على التمييز بشكل واضح. لا يمكن لها أن تحصل على حقوقها الإنسانية من دون القضاء على التمييز الجندري بالدرجة الأولى، ومساعدتها في إدراك ذاتها، ومساعدة المجتمع في تغيير الصورة النمطية التي يحشرها فيها.
16. ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
الأدب والفن والثقافة عمومًا قديمة في المجتمع البشري، منذ اختراع الكتابة ترك الإنسان مدوّناته على جدران الكهوف وعلى الرُقُم، وعلى كل أدوات التدوين لاحقًا، هذا ما يؤكّد على أهمية الكتابة الإبداعية في حياة البشرية.
17. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
مواقع التواصل الاجتماعي فضاء موّار بالفوضى والتنوّع الكبير، يمكن أن نرى فيه مساهمات جادّة وذات معنى وجميلة، وهناك في المقابل الكثير من اللغو والسطحية، لكن في النتيجة هو منبر بات مؤثّرًا إلى درجة كبيرة في الواقع الفعلي، وهو مجال إشهار وتسويق أيضًا، كثير من الكتاب والمبدعين ساهمت هذه المواقع في انتشارهم وجسرت المسافة بينهم وبين القرّاء، أمّا اعتباره كميدان للنشر فهذا أمر يحتاج إلى الكثير من الحذر قبل القول فيه، خاصة أن الضوابط والمعايير هنا محدودة تفرضها إدارة المواقع، وليست معايير ثقافية أو فنية.
18. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
على الصعيد الشخصي كلّنا لدينا من الذكريات ما هو مؤلم وفاجع أحيانًا، ومن اللحظات السعيدة الخاصة أيضًا. لكن الذكرى المؤلمة والمتمادية حتى في حاضري، هي ما حصل ويحصل في بلادي. أمّا الذكريات الجميلة فهي تلك التي تصلني بأزمنة تكوّني في طفولتي حتى دخولي الجامعة.
19. كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه؟
أحلم بزمن نعود خلاله إلى أنفسنا، نصبح قادرين على الابتسام والضحك، على الأمل والحلم، على الحبّ، على البناء السليم والطموح.
أحلم بأن يعود للكتاب وللقراءة مكانهما في المجتمع، وأن يتوفر الكتاب بين أيدي أكبر شريحة من الناس.