ترندات وتوباكو | بيض بسطرمة.
الثامنة مساءً؛ فدوى علوان
على الرغم من المجهود المضني الذي استمر طيلة الليلة السابقة وحتى ظهر اليوم، والذي أدى إلى كسل شديد أرخى ستائر من نوم عميق على جفون “فدوى علوان” في مخدعها الوثير، إلا أن التزاماتها قد منعتها من بضعة دقائق إضافية من الراحة.
وقبل أن تعتدل فدوى في سريرها، ضغطت الزر المجاور للسرير، وما إن رفعت إصبعها من فوقه حتى انفتح الباب عن حفنة من البشر وكأنهم في انتظار تلك الضغطة منذ ساعات.
وفي ديناميكية لافتة، تقدمت الجموع سيدة تحمل إناءً فخاريًّا به ماء يتصاعد منه البخار وإلى جواره منشفة مبللة، وسريعًا اتجهت نحو فدوى في مخدعها، تمسح عن وجهها آثار النوم، ومن ثم تبعتها أخرى بأوانٍ متعددة بها الإفطار الإنجليزي المحبب لفدوى والذي لا يخلو بالطبع من بيضتين مخفوقتين بالخضروات مع الخبز المحمص واللحم المقدد والطماطم المشوية والنقانق ومربى التين وعصير البرتقال والقهوة الأمريكية.
وأثناء تناول فدوى للإفطار، كانت أخرى تقوم بتحضير الحمام من أجل حمام ساخن تستفيق به، وأخرى تحضر لها الملابس المناسبة والتي حددتها فدوى بعناية في بداية الأسبوع، وفي مؤخرة الصف كانت تنتظر سيدة أخرى بأفخر أنواع مساحيق التجميل لإكمال التأنق التام لفدوى بحسب أحدث الصيحات العالمية، وما هي إلّا ساعة وكان الجنود قد أتموا المهمة على أكمل وجه.
الثامنة مساءً؛ نشوى مهران
رن الهاتف، فنظرت نشوى إلى الشاشة لتجدها كما توقعت السيدة سارة، وكانت نشوى قد وعدتها أن تذهب لها اليوم مساءً لتقوم ببعض أعمال منزلها إلّا أنها استغرقت وقتًا أطول من المتوقع في البيوت الأربعة التي عبرتها اليوم، كان يومًا مضنيًا بالتأكيد، فمنذ الثامنة صباحًا بعد أن أودعت طفليها عند أمها قبل الذهاب وراء رزقها، فلم يعد لها من ملجأ سوى ذراعها بعد أن خلعت زوجها اعتراضًا على قلة حيلته وسوء معاملته المزعومة.
بالتأكيد لم يكن يعاملها بالشكل اللائق، فقد انفتحت عيناها على همجيته وإهماله وذكوريته الدميمة بعدما بدأت في متابعة برنامج السيدة “فدوى علوان”، وساعتها قررت، إن لم يقدر على جعلها ملكة متوجة في بيتها، فالخلع أولى به، وقد كان.
كانت مكالمة صاخبة من السيدة سارة، تخللتها حدة صوت وهجوم كاسح على شخص وحياة نشوى، وما كان منها إلّا أن تعتذر وتتحجج حفاظًا على أكل عيشها، خاصة أن السيدة سارة دائمًا ما تجزل لها العطاء.
انقضت المكالمة بأقل الخسائر الممكنة وكان لابد أن تتجه مباشرة للبيت بعد أن توالت اتصالات أمها بعد أن ضاق بها الحال من بكاء وصراخ أطفال نشوى للجوع وافتقاد الأم التي خرجت لتوفير الطعام.
فركبت نشوى أول وسيلة مواصلات جماعية متاحة أمامها لتقلها إلى منزلها بتلك المنطقة المنسية على أطراف القاهرة والتي يطلق عليها الكثيرون عشوائية، ولكنها بالتأكيد لم تكن أكثر عشوائية من حياة نشوى ككل.
التاسعة مساءً؛ فدوى علوان
خرجت فدوى من الفيلا التي تقع في أفخم المناطق السكنية على أطراف القاهرة في الميعاد المحدد لتجد السائق في انتظارها ليفتح لها باب السيارة البورشة الرياضية التي أهداها إياها زوجها في عيد زواجهما السابق، واتجهت نحو أحد استوديوهات القناة الأجنبية التي تعمل بها بعد وساطة قوية من زوجها النافذ، لتنطلق بعد ساعة على الهواء في واحدة من حلقات برنامجها الشهير الذي يحظى بأعلى نسب مشاهدة في مصر.
وقبل ميعاد الهواء بدقائق كانت فدوى تجلس مع المعدين والمنظمين للبرنامج لوضع اللمسات الأخيرة للحلقة، وفي العاشرة تمامًا صاح المخرج: هوا.
التاسعة مساءً؛ نشوى مهران
وقبل أن تصطحب أطفالها من بيت أمها، مرت على أحد المتاجر المجاورة لشراء بضع بيضات والقليل من النقانق والخبز وحاجيات تعد بها عشاء تسد به رمق أطفالها الجوعى وتقتات به هي أيضًا بعد يوم مضني من العمل.
حضَّرت نشوى نصف ما جنته من العمل لتدفعه للبائع، ولكنها فوجئت به يطلب منها مبلغ أكبر من المعتاد، فاستنكرت جشعه ولكنها دفعت له صاغرة بعد أن تحجج بالحرب وارتفاع الأسعار.
أخذت أولادها وذهبت للبيت وأجلستهم في الصالة، وأدارت مؤشر التلفاز قبل العاشرة تمامًا للتابع برنامج السيدة فدوى أثناء تجهيزها العشاء ولكن لفتتها مقدمة البرنامج حينما كانت فدوى تقول:
العاشرة مساءً:
مساء الحرية على كل ست حرة وقوية، مساء القوة لكل ست قالت لأ للمجتمع الذكوري، مساء الجمال على أجمل وأطهر من في مجتمعنا، مساء الفخر لكل ست رفضت وصاية الرجل، وأثبتت أن الست مش بس نصف المجتمع، لا دي هي محرك ووقود المجتمع.
مساء الخير على حبيباتي مشاهداتي الأعزاء.
بس للأسف الخير مش باين في الأفق، فالمجتمع الذكوري مازال يضرب استقرار الكرة الأرضية في الصميم، ومش هيسكت إلا لما يودي الكرة الأرضية في داهية بسببهم، أكيد كلكم سمعت عن الحرب اللي بدأت من أيام وبدأت تؤثر على الاقتصاد العالمي وترفع من أسعار البترول والسلع والمواد الغذائية والأساسية، واللي أكيد هتأثر علينا كلنا.
عزيزتي ست البيت وملكته، إحنا مسؤوليتنا كبيرة وجدًا في تحمل تبعات تلك الحرب الذكورية المتخلفة، إحنا وزراء ماليات البيوت، لازم نستعد لأن اللي جاي مش هيكون سهل أبدًا، اللي كنتِ بتحبيه امبارح ب ١٠٠ جنيه هيبقى بكره ب ٢٠٠ جنيه، لازم ناخد بالنا ونقف جنب بلدنا، اللي بتفطر جوزها فول وبيض وفلافل، تخليها في الجبنة، واللي بتحط رغيفين عيش تحط رغيف واحد، بلاش البيض والأكل الأورجانيك أرجوكي، لازم نستعد للأيام اللي جاية، التقشف والحرص اللي هنعمله النهاردة هينفعنا بكرة، اللي قايمة دلوقتي تعمل بيض بسطرمة عشان جوزها يتعشى بيه، توفرهم لفطار ولا غدا بكره وتخلي جوزها ينام خفيف.
منتصف الليل؛ فدوى علوان
اختتمت فدوى الحلقة بعد استضافة العديد من الضيوف الداعمين لوجهة نظرها، واستطاعت بالفعل في عمل حلقة تاريخية تستحوذ على ترندات الميديا لأيام وأيام.
أنهكتها الحوارات والمناقشات والتصنع أمام الكاميرا، وما إن فرغت حتى اتجهت مسرعة إلى سيارتها وكان السائق ينتظرها هذه المرة بسيارة السهرة المازيراتي السوداء ليصطحبها لأحد الفنادق الفخمة على ضفاف النيل.
لتنضم لأصدقائها هناك ولتحظى بالغداء والعشاء الفاخر وتسهر رفقة أصدقائها كما هي العادة حتى الساعات الأولى من مساء اليوم التالي في رحلة استمتاعها بالحياة.
منتصف الليل؛ نشوى مهران
أشعلت كلمات فدوى نار الحزن واليأس والإحباط في قلب نشوى وأخذت عباراتها تنهمر رغمًا عنها وهي تحجب نصف ما اشترت من حاجيات لإفطار الصباح، وتكتفي بنصف وجبة عشاء لها ولأطفالها امتثالًا للنصيحة الغالية من فدوى، فبالتأكيد فدوى تعرف أكثر.
وطردت سريعًا بعض الأفكار المسممة التي جالت بخاطرها عن طليقها، وظل الرجل والأسرة والدعم الذي كان قد يقدمه لها في تلك الظروف.
فكفكفت دموعها ودموع أطفالها الجوعى وأكملت الأسرة عشاءها نومًا، استعدادًا ليوم جديد من الصراع من أجل الحياة.
* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أية شخصيات أو أحداث حقيقية.